في بيتنا مريض
عدنان الدريويش
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.. ) (التوبة ـ ٩١)
أما بعدُ: إن الله تعالى لم يخلق شيئًا إلا وفيه نعمة، فلولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم، ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدر الصحة والعافية.
يا عباد الله : المرض هو حالة غير طبيعية تصيب الجسد البشري أو العقل البشري محدثة ضعفاً في الوظائف، أو إرهاقاً للشخص المصاب ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)؛ رواه البخاري، وهذا الحديث فيه دليلٌ على أن المرض النفسي كالمرض البدني في تكفير السيئات؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الحديث: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب)، والنصب هو التعب، والوصب هو المرض، وهذه أشياء بدنية، ثم قال: (ولا هم ولا حزن.. ولا غم)، وهذه أشياء نفسية، فالهموم والأحزان والغموم، وهي أشياء نفسية يكفر الله عز وجل بها من الخطايا والذنوب كالأمراض البدنية.
إن معاناة الأسرة لا تقل عن معاناة المريض، وقد تزيد في بعض الحالات، فبعض الأمراض تسبب ألَمًا فظيعًا لصاحبها وللزملاء والأقارب والجيران، حياتهم تتغير وتختفي مع المرض، فبعد أن كانت الأسرة تنعم براحة البال والهدوء النفسي والاستقرار العائلي، حل مكانها الشقاء والتعب والخوف والقلق والتفكير في إيجاد الحلول للمرض، فهي تستسلم للمرض وتعزل نفسها عن المجتمع، فلا زيارات ولا أسواق ولا مناسبات، فقط تنقلات من طبيب إلى آخر ومن مستشفى إلى آخر.
يا عباد الله تقول ياسمين: ابني سيف الذي رزقني الله إياه بعد 7 سنوات، كان حلمي وأملي بالحياة، لكن منذ ولادته وهو يعاني الضعف المستمر وصعوبة في التنفس، ذهبنا به للكثير من الأطباء في محاولة لمعرفة المشكلة وأسباب المرض المتزايد، عرفنا بعدها أنه يعاني من متلازمة شون وهو مرض خلقي نادر في القلب وعيوب في البطين الأيسر من قلبه، كنت والله راضية بما كتبه الله لابننا، وكان الخوف والقلق دائمًا معي بشكل كبير ، في كل مرة يخضع ابني لعملية جراحية، جميع العمليات التي خضع لها ابني كانت خطيرة ومستحيلة في بعض الأوقات، خاصة أنه كان صغير العمر، ونسبة النجاح لا تتعدى الكثير، أنظر للمستقبل بشكل مختلف وأمل وتفاؤل، ابني هو مستقبلي وسأفعل الكثير من أجله؛ كي يعيش بصحة جيدة وحياة طبيعية وسعيدة ومنتجة، معتمدًا على الله ثم على نفسه.
إنها يا عباد الله : آلام وصرخات تخرج من أفواه الآباء والأمهات ، بسبب ولدها المريض أو فاقد للوعي ، صرخات خرجت من قلب يرتجف ويخاف أن يفقد حبيبه وقرة عينه ، هي أزمات وآلام لعلك لم تعش لحظاتها ، فاحمد الله على النعمة والعافية.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى : « وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا » سورة الإسراء.
أما بعد يا عباد الله : المرض لا يَسْلم منه بشر، ولا ينجو منه أحد، وهو يختلف من شخص لآخر، ومن مرض لمرض، فما على المسلم إلا أن يصبر على ما أصابه، ويضع نصب عينيه الجزاء العظيم للصابر على مرضه، ويطلب علاجه عبر الوسائل المشروعة، ويسأل الله دائمًا العفو والعافية، فعن أم العلاء رضي الله عنها قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة فقال: (أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به الخطايا، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)؛ [أبو داود وحسنه المنذري].
أيها الأخ الكريم، العافية للمؤمن خيرٌ من البلاء والمرض، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يتمنى المرض؛ لأنه قد يُبتلى بما لا يطيقه، وقد لا يستطيع الصبر عليه، فيتسخط من قدر الله ـ سبحانه ـ بل ربما ساقه ذلك البلاء إلى الكفر والعياذ بالله، وقد علمنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نسأل الله ـ تعالى ـ دائمًا العفو والعافية، وكان من مشهور دعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام)؛ رواه الترمذي.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.
اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].