في الحجّ

الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1433/12/07 - 2012/10/23 19:32PM
[font="] في الحجّ
[/font]

الحمد لله رب السماوات و الأرض و رب البيت العتيق، هو الوليّ و النصير في الرخاء و السعة و الشدّة و الضيق. أحمده حمد من حج لله و اعتمر، و تقبّل عمله فسبّح بحمد ربّه و شكر، شكر المعترف بنعمه التي جلّت أن تحصى، أو أن يبلغها حدّ فتستسقى، فله الشكر خالصا كما علّم و أوصى.
و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تقيّ من الشرك و النفاق، جامعة لأصول الخير، هادية لمنهج السلام و الوفاق، هي خير ما أوتيه الإنسان من فضائل و أرزاق، جعلها الله خاتمة قولنا في الدنيا و يوم تلتفّ الساق بالساق..اللهم تقبل منا الصلاة و العبادات، و الركوع و السجود و التسليمات، و اجعلنا يا مولانا في يومنا هذا من عتقائك من النار، و اجعلنا يا مولانا من المقبولين إليك.. استر العورات.. و آمن الروعات.. و بلّغن مما يرضيك آمالنا، واختم بالصالحات الباقيات أعمالنا.. نعوذ بك من شماتة الأعداء و خيبة الرجاء و من السلب بعد العطاء..
و نشهد أنّ سيدنا محمد عبده و رسوله نبيّ قام بأمر ربّه ليلا و نهارا، و عمل بهدي وحيه سرّا و جهارا، و كان المثل الأعلى للبشرية حكمة و كمالا و وقارا، فصلّى الله عليه و على أهله و صحبه صلاة دائمة إلى يوم الدين، تؤته الوسيلة و الدرجة الرفيعة على سائر العالمين، و تجمعنا بع مع أصحابه الميامين في أعلى علّيين..
أمّا بعد، في هذا الشهر تنطلق وفود الله إلى حرمه الأمين.. هذا شهر تلتهب فيه الأشواق إلى مهبط الوحي، إلى تلك البقاع التي قدّسها الله برسالته و أكرمها بنبيّه فكانت له مولدا و مربى.. و الحج أوجبه الله في السنة السادسة للهجرة، وهو كعبادة فيها قصد مكان مخصوص و القيام بجملة من المناسك، عبادة قارنت هداية الله في جميع الأزمان و على لسان جميع الرسل.. فما من رسالة و هداية إلهية إلاّ جاءت بفريضة الحج كمكان يقصده المؤمن بالله عبادة و تقرّب إليه. قال تعالى: " و لكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا إسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ".. و قد كان من الكرامات التي أكرم الله بها هذه الأمة أن جعل حجّها إلى البيت العتيق إلى مكة المكرّمة، فوصلنا بأبينا إبراهيم و ابنه إسماعيل.. فقد جعل الله الكعبة أوّل بيت تقام فيه العبادة لله وحده.. فجميع البقاع المقدسة الطاهرة هي بعد البيت في الوجود..
ليس ما أرويه لكم رجم بالغيب، و لاتلفيق أحاديث، و لكنّه خبر من علم السرّ و أخفى، و حفظ كل شيء من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه.. و كلام المتصرّف في الكون كلّه وهو أعلم: " إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركا و هدى للعالمين "..
يصطفي الله إبراهيم و يتخذه خليلا و كفاه بهذا شرفا ونبل مقدار ويبارك فيه و في ذرّيته، فيجعل في ذرّيته النبوّة و الكتاب، و يثني عليه الثناء الجمّ فيجعله للناس إماما متّبعا و هاديا مهديّا..
و يبني البيت مع ابنه إسماعيل، و يدعوان الله بلسان الضراعة أن يتقبّل عملهما. و يصوّر القرآن بعد القرون المتطاولة هذا المشهد الكريم فيقول تعالى: " و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ".. أي أنّك أنت السميع لدعائنا العليم بنوايانا و ما تنطوي عليه جوانحنا.. فهذا هو موقف العابد من المعبود، و هذا موقف الإنسان من الله.. و يتقبل الله الدعاء و يأمر هذا النبي الأوّاه الحليم، أن يأذن في الناس بالحج، و أن يدعو البشر كافة إلى حج بيت الله الحرام.. و يصعد فيؤذن و ينادي كما أمره ربّ العالمين دون أن يتوقف أو يسأل أو يستكشف من ينادي،، مع أنه في مكان قفر ليس به أنيس و لا سكّان.. و لكنه يسرع للإستجابة و يكرمه الله بكرامته فيجيبه كل من كتب له الحج ممن ولد و ممن هم في أصلاب الرجال و أرحام النساء،، و يكون قول المؤمنين في الحج : لبيك اللهم لبيك.. و لبيك معناها: إجابة لك بعد إجابة.. أي أجيبك ثم أجيبك عن الدعاء الذي دعانا به إبراهيم عليه السلام..يقول تعالى: " و أذّن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق "..
و يعمر البيت بالحجاج في عهد إبراهيم و يرى بركة عمله و أثر القبول في سعيه، و يستمر الأمر زمنا ثم يدخل فيه من تحريف الجاهلية و يختلط الحق بالباطل و يلبس الشيطان بأضاليله على قلوب الناس.. فيتخذون الأصنام و تنصب حول الكعبة، و يهتزّ إبليس طربا إذ دنّس معلم الطّهر و أتى الناس في أكرم مكان فخلط عليهم، إلى أن أذن الله بظهور الإبن البار و النبي الكريم سيدنا محمد بن عبد الله فليهمه الحق ليبيّنه، و يرشده إلى الأصل فيجلّيه، و يزيل ما علق به من الباطل و ما ران عليه من الضلال.. فيوحي إليه أن البيت بيت الله، فليخلص البيت كما بني إلى عبادة الله وحده: " إنّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى للعالمين فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم و من دخله فهو آمنا و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين "..
فبهذا المدخل الأصيل الضارب في الإخلاص إلى إبراهيم عليه السلام، تبيّن الآية أنّ مكة هي مكان مخصوص لعبادة الله و ليس معبودا، و أنّ الكعبة لنطوف بها و نيتنا يجب أن تتجه إلى الله ربّ البيت، و السعي بين الصفا و المروة هو سعي لله في ذلك المكان المخصوص.. فالله، وهو المعبود، هو الذي أراد أن نسعى في ذلك المكان طاعة له، و لو حوّلنا إلى مكان آخر لأطعناه.. و هكذا كل مناسك الحج و أعماله يجب أن يستحضر الحاج أنها أمكنة للعبادة. قداستها في أنّ الله قد إختارها ظروفا و أمكنة للعبادة، و ليس هذا استنباط جديد.. يقول تبارك و تعالى: " و أتمّوا الحج و العمرة لله ".. و الله يقول: " و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألاّ تشرك بي شيئا ".. فهو من أول يوم ينبّه إبراهيم و ذرّيته و كل من اتبع سنّته، أنّ البيت مكان لعبادة الله الذي يجب أن لا نشرك به شيئا في العبادة.. و هذا هو المعنى الذي تركّز في نفوس المؤمنين من أول يوم و هدوا فيه هداية لا شبهة فيها.. و قد روى البخاري عن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبّله.. فقال: إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ و لا تنفع و لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبّلك ما قبّلتك.. و نستخلص من هذا، أنّه: قبّل الحجر إمتثالا لأمر الله و خضوعا له، و إتباعا لسنّة رسوله، ثم بعد أن أدّى الواجب ظهر عمر في مظهر العبد أمام الله المعبود أراد بعد هذا أن يبيّن للناس حقيقة الإيمان فقال لهم إنّه حجر يقبّل لا لذاته، بل لأن الله سنّ تقبيله.. فليس هذا الحجر يا عباد الله إلاها ولا حلّ فيه جزء من الله، و تعالى الله أن يتجزأ. فعمر رضي الله عنه لم يزد شيئا على ما جاء في القرآن.. و لهذا إياكم يا من منّ الله عليكم بالتوجه إلى بيته و بزيارة قبر نبيّه صلى الله عليه و سلم، أن تعتقدوا في جزء من أجزاء المسجد النبوي أو الحرم المكي أنه يضرّ أو ينفع أو يؤثر في الوجود أثرا.. و لتكن العقيدة واضحة. أماكن كرّمها الله و قدّسها و شرّفها لعبادته وحده، جلّ الله أن يكون له شريك.. إيّاكم أن تقبّلوا بابا أو حلقة باب، أو أن تتمسّحوا بمكان أو أن تتلمّسوا الشبّاك أو السّارية.. الحج عبادة و العبادة سرّها في الإقتصار على ما جاء عن الله تبارك و تعالى و الزيادة على ذلك قد تحبط العمل.. و احذروا فتنة الشيطان، إنه يلبس على الناس فيقول مثلا: هذا منبر الرسول، و هذا مسّ جسده الشريف فلنتمسّح به.. هنالك الهلاك و العياذ بالله.. هذا هو الحج في سلسلته التاريخية فرضه الله على كل مكلّف، على الرجل و المرأة، إذا كان قادرا عليه مستطيعا لأدائه. و الحج يفترق عن أركان الإسلام بخصائصه:
* أولا : إنّه واجب مرّة في العمر لا يجب على المؤمن أن يكرّر الحج. و ما كان بعد الحجة الأولى التامة هو نفل و قربة إلى الله، و النفل دون أجر الفرض..
* ثانيا : الحج لا يجب إلاّ مع الإستطاعة، والإستطاعة تشمل أمر منها: صحة في البدن، فالعاجز الفاني كالشيخ، والعجوز المسنّة والمريض لا يجب الجج على واحد منهم..
* ثالثا : وجود ما يكفيه من النفقة و المؤونة ذهابا و إيابا، و إقامة كامل وقت غيبته عن وطنه.. و الذي يدلّ على ذلك ما رواه البخاري عن ابن عبّاس رضي الله عنهما: كان أهل اليمن يحجّون و لا يتزوّدون و يقولون: نحن المتوكّلون. فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الحقّ تبارك و تعالى: " و تزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى و اتّقون يا أولي الألباب ".. قالابن حجر:و اتقوا أذى الناس بسؤالكم، فهؤلاء فهموا فهما سقيما منحرفا معنى التوكّل، ظنّوه أن لا يتخذ الإنسان الأسباب و أن يعتمد على ما في أيدي الناس. فنهاهم الله عن ذلك لما فيه أولا من إراقة ماء الوجه و إذهاب العزّة و الكرامة التي كتبها الله للمؤمنين، و لما فيه ثانيا من التعرّض للناس و قد يتحرّجون من ردّ السائل خائبا، فيؤثرون على أنفسهم و يوقعهم هؤلاء السائلون في ضيق و حرج.
* رابعا : أن يبقى لعياله نفقة تكفيهم مدّة غيابه عنهم لأنّ الإنفاق على العيال واجب عيني على الإنسان.
على المرأة أن تجد زوجا أو محرما يرافقها في حجّها. و المحرم هو الذي لا يحلّ له شرعا التزوج بها كالأب و الإبن و العم و الخال.. أمّا إبن العم و إبن الخال فأجانب عنها شرعا.. و رأى بعض العلماء أنّه يجوز لها أن تحجّ مع رفقة مأمونة.. و يعنون بالرفقة المأمونة: جماعة من أهل الصلاح و الخير و البركة، قد عرفوا بحسن سلوكهم و استقامة أخلاقهم و شدّة خوفهم من الله، و إنّ الواحد من هؤلاء لعزيز في هذا الزمان فضلا عن جماعة.. أمّا أن تذهب المرأة وحدها فإننا نخشى أن ترجع بأوزار كثيرة..
أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لوالديّ و لوالديكم و لجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو التواب الرحيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الثـانية:


الحمد لله الذي فرض على عباده حجّ بيته الحرام، و نوّع العبادة فشرعه بعد الصيام، و جعله سببا لرفع الدرجات و محو الذنوب و الآثام. ألا له الخلق و الأمر تبارك الله ربّ العالمين. أحمده و أشكره أن جعل الحج في العمر مرّة واحدة من غير تكرار. و استغفره و أثني عليه الخير كلّه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الرحيم الغفّار. و أشهد أنّ سيدنا محمدا رسول الله أفضل من قلّد الهدي و سنّ الإشعار. اللهم فصل و سلم و بارك على سيّدنا محمد و على آله الأطهار الأخيار و على صحبه المنتقين الأبرار و على من نهج طريقهم إلى يوم الواقعة و القرار..
عباد الرحمان، على المؤمن أن يتدبر دينه و يتعلم أحكام شريعة الحق تبارك و تعالى، و أن يتدارس مفاهيم العبادات حتى يتمكن من القيام بفرائضه على النحو الذي يرضي الله عز و جل.. و عليه فإن العازم على أداء مناسك الحج أن يكون على علم مسبّق بأحكام و فرائض و سنن الركن الرابع من أركان الإسلام، ألا وهو الحجّ..
* الحج لغة: هو القصد إلى الشيء، أو كثرة قاصديه ( القصد هو الإرتحال أو الإتجاه )
* الحج شرعا : هو زيارة الكعبة، في موسم معيّن وفي وقت واحد، للجماعة، و فيه وقوف عرفة.. أو هو قصد مخصوص، إلى موضع مخصوص، في وقت مخصوص، على شرائط مخصوصة..
* حكمــــه : هو فرض عين مرّة في العمر، على الفور، إذا توفرت الشروط الآتية، و دليل فرضيته: قوله تعالى: " ولله على الناس حجّ البيت من إستطاع إليه سبيلا و من كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين ".. ( آل عمران97 )..
و وجه الإستدلال من الآية الكريمة، أنّ اللام في " لله " لام الإيجاب و الإلزام، ثم أكده بقوله تعالى: " على " التي هي من أوكد ألفاظ الوجوب عند العرب.. قال شيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور في التحرير و التنوير: " و يتجه أن تكون هذه الآية هي التي فرض بها الحج على المسلمين "..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا.. فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فسكت، حتى قال ثلاث.. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لو قلت نعم، لوجبت، و لما استطعتم، ثم قال: " ذروني ما أمرتكم بشيء فآتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عن شيء فدعوه. ". ( أخرجه مسلم في الحج )..
و دليل وجوبه على الفور:
أ ) قوله تبارك و تعالى: و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " و وجهالإستدلال من الآية أنّ الأمر فيها مطلق، و الأوامر المطلقة تقتضي الفور أي الإستجابة الفورية.. كما أنّ هذه الآية من سورة آل عمران، و قد نزلت عام أحد، سنة ثلاث للهجرة، فيكون الحج قد فرض قبل حج الرسول صلى الله عليه و سلم بسنين، فهو قد حج في سنة عشر من الهجرة..
ب ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه و سلم قال: حجوا قبل أن لا تحجوا .. و هذا تأكيد يدلّ على وجوب الفور و إعتباره..
ت ) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ صلى الله عليه و سلم قال: من أراد الحج فليتعجّل .. و هذا تأكيد صريح على الفور في تنفيذ الأمر.
* متى يقع الحج فرضا : يقع الحج فرضا إذا كان المحرم وقت الإحرام حرّا مكلّفا أي بالغا عاقلا.. و لم ينو بحجّه نفلا، بأن ينوي به الفرض، أو لم ينو شيئا، بأن أطلق فإنه ينصرف للفرض.. و إذا نوى النفل لم يقع فرضا.. و حجّة الإسلام باقية عليه.. و ينوي الوليّ عن الصبيّ أو المجنون الحج، و يقع نفلا، و حجّة الإسلام باقية عليه، أي الصبي أو المجنون بعد البلوغ و الإفاقة.
* الحج بالدّيْـنِ : لا يجب الحج على أحد إذا استطاعه بالدين، و لو من ولده إذا لم يرج الوفاء بالدين، أي إرجاعه أو بعطيّة من هبة أو صدقة إن لم يكن معتادا لذلك، و له ماله الخاص ما يكفيه و يكفي حجه و يكفي عياله مدّة غيابه..
* أركان الحج : أيها الناس كلنا يعلم أنّ أركان الحج أربعة و لكن قبل أن نتعرّف عليها، لابدّ أن نفهم معنى الركن شرعا: الركن هو ما لابد من فعله، و لا يجزئ عنه دم ولا فدية ولا غيره.. أي عدم القيام به أو السهو عنه عمدا أو غير متعمّدا يفوّت الحج، و ذلك بخلاف السنن و المندوبات و المستحبّات و غيرها التي توجب في صورة عدم إتيانها كما يجب، الفدية و الهدي و الصيام و إطعام المساكين.. فأركان الحج هي: الإحرام، الطواف، السعي، و الوقوف بعرفة.. و هذه الأركان تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ) قسم يفوت الحج بتركه، ولا يؤمر الحاج بشيء وهو الإحرام.
2 ) و قسم يفوّت فيه الحج بفواته، و يؤمر الحاج بالتحلّل بعمرة، و بالقضاء في العام القادم، وهو الوقوف..
3 ) و قسم لا يفوّت الحج بفواته، و لا يتحلّل من الإحرام، و لو جاب الأرض شرقا و غربا، و يرجع إلى مكة ليقوم به، وهو طواف الإفاضة و السعي..
أيها الناس، سارع المشمّرون و تركوكم، و سيمضي المجدّون و يخلّفوكم، و سيرحل حجاج بيت الله العتيق، و أنتم أسارى قيود التعويق، لقد آثرتم المساكن الطيبة على المراتب الفاخرة، تريدون عرض الدنيا و الله يريد الآخرة ..فأين الدموع السواجم على فوات الفريق.؟ و أين القلق الدائم على التخلّف عن الرفيق.؟ فمن فاته منكم التجرّد للإحرام، فلا يفوته التجرّد عن الحرام، و التجنّب لمحظورات الآثام.. و من فاته فضل التلبية مع الملبّين، فلا يفوته الإكثار من ذكر رب العالمين، و من فاته من عرفات جمع الوقوف، فلا يفوته في الجمعة و الجماعات تعديل الصفوف،، و من فاته المبيت و رمي الجمار، فلا يفوته قيام الليل و التهجّد بالأسحار.. و من فاته السعي و الطواف بالبيت الحرام، فلا تفوته الصلاة فإنّها ماحية الآثام.. و من فاتته زيارة سيد الأنام، فلا يفوته إكثار الصلاة عليه و السلام.. لقد فاتكم ما لا عوض عنه و لا بدل، فاغتنموا المداومة على طاعة الله عزّ و جل.. و تمسّكوا بعرى الإيمان التي ليس لها إنفصام، و اعتصموا بحبل الله و كونوا ممن كان له بحبل الله اعتصام.. ألا و إنّ الإيمان بالله يشرح الصدور، ألا و إنّ الإيمان بالله يسهّل صعاب الأمور، و أنّه يهوّن سكرات الموت و يفسح مضائق القبور..
عباد الله من إشتاق إلى الحج وهو مستطيع فليبادر بالذهاب، و من كان عاجزا فقيرا فلا يكلّف نفسه المشاق الأتعاب، و من عزم على الرحيل فليستعدّ بما يحتاج إليه من طعام و شراب و مركوب و ثياب..
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " من حجّ فلم يرفث و لم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " ، و قال عليه الصلاة و السلام : " العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما و الحج المبرور ليس له ثواب إلاّ الجنة " و قال صلى الله عليه و سلم: " تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد و الذهب و الفضّة، و ليس للحجة المبرورة ثواب إلاّ الجنّة ".. و قال صلوات ربّي و سلامه عليه: " يغفر للحاج و لمن استغفر له "..
فاتقوا الله، عباد الله و صلوا و سلموا عل سيد رسله و خاتم أنبيائه، و الشافع المشفّع عند الله يوم نلقاه، المنزل عليه إرشادا و تعليما و تشريفا له و تعظيما" إنّ الله و ملائكته يصلّون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما "..
اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد شجرة الأصل النورانية، و لمعة القبضة الرحمانية، و أفضل الخليقة الإنسانية، و أشرف الصورة الجسمانية، و معدن الأسرار الربّانية، و خزائن العلوم ألإصطفائية، صاحب البهجة السنية، و الرتبة العليّة.. و صلّ و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه عدد ما خلقت و أمتّ و أحييت إلى يوم تبعث من أفنيت و سلّم تسليما كثيرا..

الشيخ محمّد الشاذلي شلبي

الإمام الخطيب

[font="] جامع عثمان بن عفّان بالزّهور- تونس
[/font]
المشاهدات 1451 | التعليقات 0