في استقبال رمضان المبارك ..
عبدالله محمد الطوالة
1435/08/22 - 2014/06/20 14:48PM
أحبتي الكرام : هذه خطبة مجمعة في استقبال سيد الشهور .. شهر رمضان المبارك ..
وليس لي إلا الجمع ومن ثم حسن الإختيار والتنسيق ..
فاسأل الله أن يتقبلها .. وأن ينفع بها كل من قرأها أو سمعها أو نقلها ..
الحمد لله، الحمد لله قدَّر المقاديرَ فأحاطَ بها علمًا، وخلقَ الخلائقَ فأحكمَها خلقًا، {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} ، لا إله إلا هو أماتَ وأحيَا، وأضحكَ وأبكَى، وأسعدَ وأشقَى، أشكرُه على نعمائِه ولا أُحصِي لها عدًّا، وأحمدُه على آلائِه ولا أقضِي له بالحمد حقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ تعبُّدًا ورِقًّا، وأشهد أن نبيَّنا وإمامنا محمد بن عبدالله ، الأخشَى لربِّه والأتقَى ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الأطهار، وأصحابِه الغُرِّ الميامين الأخيار، من حازُوا المكارِم شرفًا، ونالُوا العُلَا سبقًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما بلغَ هذا الدينُ مبلغَ الليل والنهار، وما رفرفَت أعلامُه غربًا وشرقًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ، والآخرة خيرٌ وأبقى ..
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله ؛ فالتقوى تقِي هوى النفوس. وتُوبوا إلى الله واستغفِروه؛ فكثرةُ الاستغفار تجلِبُ الرزقَ، وسلامةُ المرء بين فكَّيه، ومن أراد كسبَ القلوبِ فليُلِن العبارة، وليبذُل الابتسامة، وليغُضَّ الطرفَ عن الزلاَّت ..
والحرص على الدنيا قرين الهموم؛ ولمَ الحرصُ والرزقُ مقسومٌ، والقدرُ محتومٌ، وإنما الرجاءُ في رحمةِ الحي القيوم ، من ابتغَى العافية عافاه ، ومن أوَى إلى الله آواه وكفاه، {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ..
عباد الله الأيام قلائل، والأهواء قواتل، فليعتبر الأواخر بالأوائل، من كان الموت طالبَه كيف يلذّ له قرار؟ ومن كان رحيله إلى الآخرة مؤكد فليست له الدنيا بدار قرار .. بنو آدم فرائس الأحداث، وغرائس الأجداث، لقد صدق الزمان في تصريفه وما كذب، وأرى الناس في تقلباته أشد العجب، فبادروا رحمكم الله أيامكم قبل هجوم الفاقرة، واستعدوا للقدوم إلى الآخرة، {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} ..
الزمن يسير في اتجاه واحد لا يتوقف، الذاهب منه لا يسترجع ، والقادم منه لا يُستدفع .. والناس في مدرسة الزمن بين غافل لا يرى للحياة لوناً، ولا يذوق لها طعمًا، ولا يسمع لها صوتاً ، لا يختلف أمسه عن يومه، ولا يومه عن غده ..
وآخرُ حيّ يقظ ، يشهد آثار الزمن في نفسه، وفي كل مظهر من مظاهر الحياة والأحياء، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً * وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} ..
تعلمون عباد الله أن كل أرباب المواسم يستعدون لها قبل دخولها ، فلا يتصور تاجر ناجح يدخل عليه أكبر مواسم التجارة ومحله فارغ من البضائع ، ولا يتصور مزارع منتج يدخل عليه أهم مواسم الزراعة وهو لم يحرث أرضه ولم يسمّدها ، ولا يتصور طالب متفوق يدخل عليه موسم الامتحانات النهائية وهو لم يذاكر ولم يراجع .. ومثلهم تماماً المؤمن التقي ، فلا يتصور مؤمن تقي يدخل عليه أعظم مواسم الإيمان، أعني موسم رمضان ثم لا يستعد له الاستعداد الأكمل .. ولا يستثمره الاستثمار الأمثل ..
وموسم رمضان هو أعظم مواسم المؤمن ، وذوي الألباب يعرفون لرمضان فضله ، ويقدرون له قدره .. يجلِّون زمانه ويعظمون أيامه .. يَفرَحُون بِهِ وَيُحِبُّون لقائه ُوَ" مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ ".. وهو عندهم موسم جليل ليس له مثيل .. ومن ثم فلا يجوز في حِسهم إهدار ثانية منه في غير طاعة .. فضلاً أن ترتكب فيها معصية ..
أحبتي في الله : لقد أظلكم شهر عظيم، وموسم كريم، شهر مبارك، تضاعف فيه الحسنات، وتمحى فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران .. شهر التوبة والأوبة .. شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ..
شهر الصيام والقيام، شهر الذكر والمحامد، شهر عمارة المساجد، شهر الخضوع والركوع ، شهر التذلل والدموع ، شهر الراحة النفسية والمتعة الروحية ، شهر محاسبة النفس، وإيقاظ الضمير، شهر التخلص من النزعات الذاتية، والملذات الآنية {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} ..
يقول عنه صلى الله عليه وسلم : " أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل". فرحم الله عبداً سارع إلى طاعة مولاه، وأطرح شهوته وغلب هواه؛ فكان له من عظيم الأجر ما تقر به عيناه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ..
والأمر جدٌ وهو غير مزاحِ ** فاعمل لنفسك صالحًا يا صاحِ
أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" ..
ولا بد عباد الله من نية جادة وعزيمة صادقة ، وصبر ومصابرة ، وجد واجتهاد .. فلطالما حدثْنا أنفسنا باهْتِبَال فرصة رمضان، ولطالما عاهدنا أنفسنا قبل دخوله بأَوْبةٍ حَقّةٍ ، وتوبةٍ صادقةٍ ، ولكم وكم سوفنا بذلك ، وما أن تأتي الفرصة العظيمة .. حتى يقضي الشيطانُ على الأمنية، وتنكثُ النفسُ الأمارةُ بالسوء عهدها ...
وها نحن أحبتي في الله نستقبل ضيفا كريما مباركا ، فكيف سنتعامل معهُ هذه المرة؟! أتعاملُ الكسالى المسَوِّفِين ، أم تعامل المسارعين المجدين المجتهدين؟! هل رمضاننا هذه المرة رمضان التوبة، أم رمضان الجفْوَة؟! هل هو شهر الصيام والقيام، أم شهر الموائد والكلام ، والمباريات والأفلام ؟! . ألا يا أهل رمضان ، لنتق الله في رمضان .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدَةُ الجن، وغُلِّقَت أبواب النيران فلم يُفتَح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقْبِل، ويا باغي الشر أقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كُلَ ليلة" .. وفي رمضان تستجاب الدعوات ، قال صلى الله عليه وسلم : "لكل مسلمٍ دعوةٌ مستجابةٌ يدعو بها في رمضان"، ويقول صلى الله عليه وسلم : "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" .. وجاء في الحديث الصحيح : "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ..
رمضان أحبتي في الله فرصة وأيّ فرصة ، زمانٌ لا يضاهيه زمان، وموسم لا يدانيه موسم ، وهو يدعونا للجد والعمل، وترك التواني والكسل .. إنه كما قال الله : {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} فجدوا في اغتنامها بالخيرات، وسارعوا في عمارتها بالصالحات، واحذروا أن تضيعوا شيئاً منها في التفاهات والترهات ... وهيا لنأخذ عهداً على أنفسنا : فــــ لا .. للغو والرفث في رمضان .. و لا .. لقنوات اللهو والعبث في رمضان .. ولا .. لضياع الأوقات سدى في رمضان ..
نعم أحبابي في الله .. لنتق الله في رمضان .. وإن كان أعوان الشيطان قد استنفروا طاقاتهم واجلبوا بخيلهم ورجلهم ليصدونا عن طاعة الله ، فلندافعهم ولا نمكنهم مما يريدون ..
ولنستنفر نحن بدورنا كل طاقاتنا وأوقاتنا فيما يرضي عنا ربنا .. ومن غضّ بصره عما حرم الله عليه .. عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خيرٌ منه، فكما أمسك نور بصره عن ما حرم الله ، فسيطلق الله نور بصيرته ليرى بنور الله ، وهذا أمرٌ يحسه الإنسان من نفسه ..
كـل الحـوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كـم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوسٍ ولا وتـر
يسرُّ مقلتَـه مـا ضـرّ مهجتَــه *** لا مـرحبًا بسرورِ عـاد بالضرر
وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر". وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وقال الصحابيُ الجليلُ جابرُ بنُ عبد الله رضي الله عنه : (إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الحرام، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً)، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: (ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه ، فقد كان السلفُ إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظُ صومنا ) ..
فيا من كان يصول في المعاصي قبل رمضان ويجول ، ها قد اقتربت فرصتك، فلا تكن ممن كلما طال عمره زاد إثمه .. أيها الغافل تنبه وأدرك نفسك ، بادر وقتك .. فوالله لو قيل لأهل القبور تمنّوا .. لتمنوا يوماً من رمضان ..
أُخيّ المبارك : هذا أوان الجد إن كنت مجدًّا، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعدًّا، هذا نسيم القبول قد هَبّ، هذا سيل الخير قد صَبّ، هذا باب الخير مفتوح .. وهذه مواسم الرحمات تغدو عليك وتروح .. هذا زمان الإياب، هذا مغتسلٌ بارد وشراب .. فأسرع .. أسرع أخيّ بالمتاب، أسرع قبل غلق الباب .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ..
بارك الله .......
الحمد لله وكفى ..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله .. فإن تقوى الله تقي مقته وعقابه، وتقوى الله تكسب حبه ومرضاته .. وتقوى الله توفيق وتيسير ومغفرة ورزق وأجر كريم { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} ويرزقه من حيث لا يحتسب .. { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} وتقوى الله أعظم ثمرات الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. فجعلني الله وإياكم من المتقين ..
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت آمين" ..
يا عباد الله : إن لبعضنا قلوب تراكمت عليها ظلمة الذنوب والغفلة ، تتلى عليها الآيات ثم هي كالحجارة أو أشد قسوة، ويتوالى عليها الرمضان بعد الرمضان وهي لا تزال في حمأة الصبوة ..
فأين نحن يا عباد الله من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، أولئك هم الصفوة .. أين نحن من أناس إذا صاموا صامت الجوراح والقلوب ، أما لنا فيهم أسوة .. ؟
فياغيوم الغفلة عن القلوب تَقَشَّعي، ويا شموس التقوى والإيمان أشرقي، ويا أقدام المتهجدين اركعي لربك واسجدي ، ويا أرض الهوى ماءك فابلعي ، ويا سماء النفوس إلى المعالي أقلعي، فغدًا تمد موائد الإنعام للصُّوام، فما منكم إلا وسيدعى، فيا قومنا أجيبوا داعي الله ..
أجيبوا يا عباد الله فالرحمات تتنزل ، والتوبات تقبل ، والسيئات تبدل ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار ، فماذا ينتظر المذنبون ، وإلى متى التأجيل أيها المسوفون ، "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون" .. ومن لم يتب في رمضان فمتي سيتوب ..
فأسرع أخيّ و بادر .. قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرةً تُقال، ولا يَفتدِي أحدٌ بمال، حُثّوا عباد الله حَزْمكم ، وشدّوا عزمكم، وأروا الله خيرًا من أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم وصل من وصل ، واعلموا أن من طال كسله خابَ أمله وتحقَّق فشله.
فيا من راح في المعاصي وغدا، يا من تفرط عمره سدى ، وهو يمنى النفس : سأتوب اليوم أو غدًا ، بادر بالمتاب قبل غلق الباب ، واستدرك ما فات قبل الندم والآهات .. واعلموا يا عباد الله أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. فاقطعوا حبائلَ التسويف والهوى، وهُبّوا مِن رقدة الرّدى، وامحوا سوابِقَ العِصيان بلواحِقِ الإحسان، وحاذِروا غوائلَ الشيطان، ولا تغترّوا بعيشٍ فان، وبصِّروا أنفسَكم بالحقائق .. {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } وتذكروا سوء العواقب .. واحذروا تقلبات الدهر ومفاجئات الزمان .. وسارِعوا قبلَ فوات الأوان .. فالدَّهر دول وإن غرك الحال .. والعُمر يفنى ولو طال .. وكلُّ حيّ فنهايته الفَوت، وكلّ نفسٍ ذائقةُ المَوت .. فليت شعري على أيّ شيء نموت .. والله عز وجل يقول : {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .. فليكُن شهرُكم بدايةَ مَولدِكم وإشراقَة صُبحكم وانطلاقةَ رجوعِكم ، ومن لم يتُب في رمضان فمتى سيتوب؟!
فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَأَطِيعُوهُ .. وَاستَعِدُّوا لرمضان بِإِصلاحِ قُلُوبِكم وَتَنقِيَةِ سرائركمِ ، وَاعقُدُوا العَزمَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ وَالمُتَاجَرَةِ مَعَهُ بِأَحسَنِ مَا تَجِدُونَ " إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " ..
استقبلوا يا عباد الله شهركم بتوبة خالصة ، وعودة صادقة ، أقبلوا على الطاعات، وتزودوا من التقوى والعبادات ، واستروحوا روائح الجنة، وتعرضوا للنفحات ..
ابن آدم .. عش ما شئت فإنك ميت .. وأحبب من شئت فإنك مفارقة .. واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى .. والذنب لا ينسى .. والديان لا يموت .. وكما تدين تدان .. كما تدين تدان .. اللهم صلى على محمد وعلى ...
وليس لي إلا الجمع ومن ثم حسن الإختيار والتنسيق ..
فاسأل الله أن يتقبلها .. وأن ينفع بها كل من قرأها أو سمعها أو نقلها ..
الحمد لله، الحمد لله قدَّر المقاديرَ فأحاطَ بها علمًا، وخلقَ الخلائقَ فأحكمَها خلقًا، {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} ، لا إله إلا هو أماتَ وأحيَا، وأضحكَ وأبكَى، وأسعدَ وأشقَى، أشكرُه على نعمائِه ولا أُحصِي لها عدًّا، وأحمدُه على آلائِه ولا أقضِي له بالحمد حقًّا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ حقٍّ ويقينٍ تعبُّدًا ورِقًّا، وأشهد أن نبيَّنا وإمامنا محمد بن عبدالله ، الأخشَى لربِّه والأتقَى ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الأطهار، وأصحابِه الغُرِّ الميامين الأخيار، من حازُوا المكارِم شرفًا، ونالُوا العُلَا سبقًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما بلغَ هذا الدينُ مبلغَ الليل والنهار، وما رفرفَت أعلامُه غربًا وشرقًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين ، والآخرة خيرٌ وأبقى ..
أما بعد: فأُوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله ؛ فالتقوى تقِي هوى النفوس. وتُوبوا إلى الله واستغفِروه؛ فكثرةُ الاستغفار تجلِبُ الرزقَ، وسلامةُ المرء بين فكَّيه، ومن أراد كسبَ القلوبِ فليُلِن العبارة، وليبذُل الابتسامة، وليغُضَّ الطرفَ عن الزلاَّت ..
والحرص على الدنيا قرين الهموم؛ ولمَ الحرصُ والرزقُ مقسومٌ، والقدرُ محتومٌ، وإنما الرجاءُ في رحمةِ الحي القيوم ، من ابتغَى العافية عافاه ، ومن أوَى إلى الله آواه وكفاه، {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ..
عباد الله الأيام قلائل، والأهواء قواتل، فليعتبر الأواخر بالأوائل، من كان الموت طالبَه كيف يلذّ له قرار؟ ومن كان رحيله إلى الآخرة مؤكد فليست له الدنيا بدار قرار .. بنو آدم فرائس الأحداث، وغرائس الأجداث، لقد صدق الزمان في تصريفه وما كذب، وأرى الناس في تقلباته أشد العجب، فبادروا رحمكم الله أيامكم قبل هجوم الفاقرة، واستعدوا للقدوم إلى الآخرة، {فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ} ..
الزمن يسير في اتجاه واحد لا يتوقف، الذاهب منه لا يسترجع ، والقادم منه لا يُستدفع .. والناس في مدرسة الزمن بين غافل لا يرى للحياة لوناً، ولا يذوق لها طعمًا، ولا يسمع لها صوتاً ، لا يختلف أمسه عن يومه، ولا يومه عن غده ..
وآخرُ حيّ يقظ ، يشهد آثار الزمن في نفسه، وفي كل مظهر من مظاهر الحياة والأحياء، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً * وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} ..
تعلمون عباد الله أن كل أرباب المواسم يستعدون لها قبل دخولها ، فلا يتصور تاجر ناجح يدخل عليه أكبر مواسم التجارة ومحله فارغ من البضائع ، ولا يتصور مزارع منتج يدخل عليه أهم مواسم الزراعة وهو لم يحرث أرضه ولم يسمّدها ، ولا يتصور طالب متفوق يدخل عليه موسم الامتحانات النهائية وهو لم يذاكر ولم يراجع .. ومثلهم تماماً المؤمن التقي ، فلا يتصور مؤمن تقي يدخل عليه أعظم مواسم الإيمان، أعني موسم رمضان ثم لا يستعد له الاستعداد الأكمل .. ولا يستثمره الاستثمار الأمثل ..
وموسم رمضان هو أعظم مواسم المؤمن ، وذوي الألباب يعرفون لرمضان فضله ، ويقدرون له قدره .. يجلِّون زمانه ويعظمون أيامه .. يَفرَحُون بِهِ وَيُحِبُّون لقائه ُوَ" مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ ".. وهو عندهم موسم جليل ليس له مثيل .. ومن ثم فلا يجوز في حِسهم إهدار ثانية منه في غير طاعة .. فضلاً أن ترتكب فيها معصية ..
أحبتي في الله : لقد أظلكم شهر عظيم، وموسم كريم، شهر مبارك، تضاعف فيه الحسنات، وتمحى فيه السيئات، وتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق فيه أبواب النيران .. شهر التوبة والأوبة .. شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران ..
شهر الصيام والقيام، شهر الذكر والمحامد، شهر عمارة المساجد، شهر الخضوع والركوع ، شهر التذلل والدموع ، شهر الراحة النفسية والمتعة الروحية ، شهر محاسبة النفس، وإيقاظ الضمير، شهر التخلص من النزعات الذاتية، والملذات الآنية {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} ..
يقول عنه صلى الله عليه وسلم : " أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل". فرحم الله عبداً سارع إلى طاعة مولاه، وأطرح شهوته وغلب هواه؛ فكان له من عظيم الأجر ما تقر به عيناه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ..
والأمر جدٌ وهو غير مزاحِ ** فاعمل لنفسك صالحًا يا صاحِ
أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم" ..
ولا بد عباد الله من نية جادة وعزيمة صادقة ، وصبر ومصابرة ، وجد واجتهاد .. فلطالما حدثْنا أنفسنا باهْتِبَال فرصة رمضان، ولطالما عاهدنا أنفسنا قبل دخوله بأَوْبةٍ حَقّةٍ ، وتوبةٍ صادقةٍ ، ولكم وكم سوفنا بذلك ، وما أن تأتي الفرصة العظيمة .. حتى يقضي الشيطانُ على الأمنية، وتنكثُ النفسُ الأمارةُ بالسوء عهدها ...
وها نحن أحبتي في الله نستقبل ضيفا كريما مباركا ، فكيف سنتعامل معهُ هذه المرة؟! أتعاملُ الكسالى المسَوِّفِين ، أم تعامل المسارعين المجدين المجتهدين؟! هل رمضاننا هذه المرة رمضان التوبة، أم رمضان الجفْوَة؟! هل هو شهر الصيام والقيام، أم شهر الموائد والكلام ، والمباريات والأفلام ؟! . ألا يا أهل رمضان ، لنتق الله في رمضان .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدَةُ الجن، وغُلِّقَت أبواب النيران فلم يُفتَح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقْبِل، ويا باغي الشر أقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كُلَ ليلة" .. وفي رمضان تستجاب الدعوات ، قال صلى الله عليه وسلم : "لكل مسلمٍ دعوةٌ مستجابةٌ يدعو بها في رمضان"، ويقول صلى الله عليه وسلم : "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم" .. وجاء في الحديث الصحيح : "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ..
رمضان أحبتي في الله فرصة وأيّ فرصة ، زمانٌ لا يضاهيه زمان، وموسم لا يدانيه موسم ، وهو يدعونا للجد والعمل، وترك التواني والكسل .. إنه كما قال الله : {أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ} فجدوا في اغتنامها بالخيرات، وسارعوا في عمارتها بالصالحات، واحذروا أن تضيعوا شيئاً منها في التفاهات والترهات ... وهيا لنأخذ عهداً على أنفسنا : فــــ لا .. للغو والرفث في رمضان .. و لا .. لقنوات اللهو والعبث في رمضان .. ولا .. لضياع الأوقات سدى في رمضان ..
نعم أحبابي في الله .. لنتق الله في رمضان .. وإن كان أعوان الشيطان قد استنفروا طاقاتهم واجلبوا بخيلهم ورجلهم ليصدونا عن طاعة الله ، فلندافعهم ولا نمكنهم مما يريدون ..
ولنستنفر نحن بدورنا كل طاقاتنا وأوقاتنا فيما يرضي عنا ربنا .. ومن غضّ بصره عما حرم الله عليه .. عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خيرٌ منه، فكما أمسك نور بصره عن ما حرم الله ، فسيطلق الله نور بصيرته ليرى بنور الله ، وهذا أمرٌ يحسه الإنسان من نفسه ..
كـل الحـوادث مبدؤها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كـم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها *** فتك السهام بلا قوسٍ ولا وتـر
يسرُّ مقلتَـه مـا ضـرّ مهجتَــه *** لا مـرحبًا بسرورِ عـاد بالضرر
وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر". وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وقال الصحابيُ الجليلُ جابرُ بنُ عبد الله رضي الله عنه : (إذا صمتَ فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الحرام، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ، ولا يكنْ يومُ صومِك ويومُ فطرِك سواءً)، ويقول الإمام أحمد رحمه الله: (ينبغي للصائم أن يتعاهد صومَه ، فقد كان السلفُ إذا صاموا قعدوا في المساجد وقالوا: نحفظُ صومنا ) ..
فيا من كان يصول في المعاصي قبل رمضان ويجول ، ها قد اقتربت فرصتك، فلا تكن ممن كلما طال عمره زاد إثمه .. أيها الغافل تنبه وأدرك نفسك ، بادر وقتك .. فوالله لو قيل لأهل القبور تمنّوا .. لتمنوا يوماً من رمضان ..
أُخيّ المبارك : هذا أوان الجد إن كنت مجدًّا، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعدًّا، هذا نسيم القبول قد هَبّ، هذا سيل الخير قد صَبّ، هذا باب الخير مفتوح .. وهذه مواسم الرحمات تغدو عليك وتروح .. هذا زمان الإياب، هذا مغتسلٌ بارد وشراب .. فأسرع .. أسرع أخيّ بالمتاب، أسرع قبل غلق الباب .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } ..
بارك الله .......
الحمد لله وكفى ..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله .. فإن تقوى الله تقي مقته وعقابه، وتقوى الله تكسب حبه ومرضاته .. وتقوى الله توفيق وتيسير ومغفرة ورزق وأجر كريم { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} ويرزقه من حيث لا يحتسب .. { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} وتقوى الله أعظم ثمرات الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .. فجعلني الله وإياكم من المتقين ..
عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فقال يا محمد: من أدرك شهر رمضان فمات ولم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت آمين" ..
يا عباد الله : إن لبعضنا قلوب تراكمت عليها ظلمة الذنوب والغفلة ، تتلى عليها الآيات ثم هي كالحجارة أو أشد قسوة، ويتوالى عليها الرمضان بعد الرمضان وهي لا تزال في حمأة الصبوة ..
فأين نحن يا عباد الله من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، أولئك هم الصفوة .. أين نحن من أناس إذا صاموا صامت الجوراح والقلوب ، أما لنا فيهم أسوة .. ؟
فياغيوم الغفلة عن القلوب تَقَشَّعي، ويا شموس التقوى والإيمان أشرقي، ويا أقدام المتهجدين اركعي لربك واسجدي ، ويا أرض الهوى ماءك فابلعي ، ويا سماء النفوس إلى المعالي أقلعي، فغدًا تمد موائد الإنعام للصُّوام، فما منكم إلا وسيدعى، فيا قومنا أجيبوا داعي الله ..
أجيبوا يا عباد الله فالرحمات تتنزل ، والتوبات تقبل ، والسيئات تبدل ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار ، فماذا ينتظر المذنبون ، وإلى متى التأجيل أيها المسوفون ، "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون" .. ومن لم يتب في رمضان فمتي سيتوب ..
فأسرع أخيّ و بادر .. قبل أن لا توبةً تُنال، ولا عثرةً تُقال، ولا يَفتدِي أحدٌ بمال، حُثّوا عباد الله حَزْمكم ، وشدّوا عزمكم، وأروا الله خيرًا من أنفسكم، فبالجدّ فاز من فاز، وبالعزم وصل من وصل ، واعلموا أن من طال كسله خابَ أمله وتحقَّق فشله.
فيا من راح في المعاصي وغدا، يا من تفرط عمره سدى ، وهو يمنى النفس : سأتوب اليوم أو غدًا ، بادر بالمتاب قبل غلق الباب ، واستدرك ما فات قبل الندم والآهات .. واعلموا يا عباد الله أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. فاقطعوا حبائلَ التسويف والهوى، وهُبّوا مِن رقدة الرّدى، وامحوا سوابِقَ العِصيان بلواحِقِ الإحسان، وحاذِروا غوائلَ الشيطان، ولا تغترّوا بعيشٍ فان، وبصِّروا أنفسَكم بالحقائق .. {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } وتذكروا سوء العواقب .. واحذروا تقلبات الدهر ومفاجئات الزمان .. وسارِعوا قبلَ فوات الأوان .. فالدَّهر دول وإن غرك الحال .. والعُمر يفنى ولو طال .. وكلُّ حيّ فنهايته الفَوت، وكلّ نفسٍ ذائقةُ المَوت .. فليت شعري على أيّ شيء نموت .. والله عز وجل يقول : {وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .. فليكُن شهرُكم بدايةَ مَولدِكم وإشراقَة صُبحكم وانطلاقةَ رجوعِكم ، ومن لم يتُب في رمضان فمتى سيتوب؟!
فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَأَطِيعُوهُ .. وَاستَعِدُّوا لرمضان بِإِصلاحِ قُلُوبِكم وَتَنقِيَةِ سرائركمِ ، وَاعقُدُوا العَزمَ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ وَالمُتَاجَرَةِ مَعَهُ بِأَحسَنِ مَا تَجِدُونَ " إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " ..
استقبلوا يا عباد الله شهركم بتوبة خالصة ، وعودة صادقة ، أقبلوا على الطاعات، وتزودوا من التقوى والعبادات ، واستروحوا روائح الجنة، وتعرضوا للنفحات ..
ابن آدم .. عش ما شئت فإنك ميت .. وأحبب من شئت فإنك مفارقة .. واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى .. والذنب لا ينسى .. والديان لا يموت .. وكما تدين تدان .. كما تدين تدان .. اللهم صلى على محمد وعلى ...
المشاهدات 3394 | التعليقات 4
3 - أتاكم رمضانٌ ، شهرُ بركةٍ ، يغشاكم اللهُ فيه ، فَيُنزِلُ الرحمةَ ، ويَحُطُّ الخطايا ويَستجيب فيه الدعاءَ ، وينظر اللهُ تعالَى إلى تنافُسِكم فيه ، ويُباهي بكم ملائكتَه ، فأَرُوا اللهَ من أنفُسِكم خيرًا ، فإنَّ الشَّقِيَّ من حُرِمَ فيه رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ
الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الترغيب - الصفحة أو الرقم: 592
خلاصة حكم المحدث: موضوع
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
إخوتي المشايخ الفضلاء ..
الشيخ رشيد ، والشيخ أحمد ، والشيخ شبيب ..
جزيتم خيراً .. وبورك فيكم ..
رشيد بن ابراهيم بوعافية
ماشاء الله ، بارك الله فيك أستاذ عبد الله على هذه الخطبة الإيمانية الرائعة ، و لا يضرها أنها مجموعة كما قلت ، إذ اختيار المرء قطعةٌ من عقله تدل على تميّزه وفضله ! .
و مثل هذه الخطب - و أخي يعلم هذا من واقع التدريب على الخطابة - التي يكثُرُ فيها السجع قصير الفقرات ؛ إن لم يُسعفها صاحبُها بإلقاءٍ متين ، و قدرة بارعة على التفاعُل الإيحائي المؤثّر نظرًا و حركة و صوتًا ؛ فإنها ربما فقدت الحياة ! . لأن السجعَ القصير ضرباتٌ متواليات نحو العقل الباطن ، فإن لم يسعفه صاحبه بقوّة وملكة بادية للمستمِع ضاع تأثيره على العقل الباطن ، و صار مجرّد صناعة لفظية لا أكثر .
بارك الله فيك اخي و في قلبك ولسانك ووقتك وصحّتك .
تعديل التعليق