في أسباب وآثار السعي للشهرة // ماجد علي القنية

احمد ابوبكر
1435/08/03 - 2014/06/01 02:33AM
غريزة حب الشهرة متأصلة في النفس وقل من يسلم من إغرائها. وأحيانا يقوم المرء بعمل ما بدافع معين ولكن قد يصاحبه دافع الرغبة في الوصول للشهرة وهو لا يعلم. فقد يؤلف كتابا أو يجتهد في الحصول على درجة الدكتوراه بدافع الرغبة في نفع الناس وقد يكون أيضا بدافع الرغبة في تحسين دخله المادي ولكنه لو تفكر في نفسه فقد يجد أن الرغبة في الوصول للشهرة هي أيضا من دوافع ذلك.

وهنا سؤال يفرض نفسه: ماذا عن شخص يسعى لأن يشتهر عمله ليس حبا في الشهرة ولكن لهدف آخر كنفع الناس, مثلا شخص آتاه الله علما فيسعى للظهور على القنوات التلفزيونية كي يشتهر علمه ويصل لأكبر قدر من الناس فينتفعون به, فهل يصح أن نسمي سعيه هذا سعيا للشهرة ليس حبا فيها؟ أقول سواء سمينا سعيه بهذا الاسم أم لم نسمه فالمعنى واحد, ولكنني أفضل أن لا نسميه بهذا الاسم وأن لا نقول إن المرء يسعى للشهرة إلا إذا كان يسعى لها لذاتها وحبا فيها, وهذه ستكون طريقتي في هذه المقالة.

ولكن لماذا تحب النفس الشهرة؟ قد يقال إن ذلك غريزة والغرائز لا تعلل. وهذا يقودني إلى الاستطراد بسؤال آخر وهو: أجميع الغرائز لا تعلل؟ أم أن بعضها يمكن تعليلها؟ والذي يتراءى لي هو أن بعضها يمكن تعليلها. ومن هذه غريزة حب الشهرة فهي قد تعلل بعدة أسباب, منها أنها تشبع غريزة حب المديح والثناء، وغريزة حب التميز فوق الآخرين. لا أعرف ماذا يقول علم النفس في هذه المسائل.
ويقال إن بعض الناس قد يسعى للشهرة ولو في أمر مذموم, وهناك أمثلة تذكر للتدليل على ذلك. فإن صح ذلك فإن السببين اللذين ذكرتهما آنفا غير كافيين لتفسير حب النفس للشهرة, فيرجح أن يكون هناك سبب أو أسباب إضافية تفسر حب النفس للشهرة ولو في أمر مذموم, أو أن هناك جزءا من غريزة حب الشهرة لا يمكن تعليله.

وفي بعض الحالات تكون الرغبة في الوصول للشهرة هي الدافع الوحيد للمرء للقيام بعمل ما, وفي هذه الحالات فإنه يعلم بتفكر قليل في نفسه أو حتى بدون تفكر أنه يقوم بهذا العمل سعيا للشهرة. ومن يسعى للشهرة فإنه إن كان ذلك في أمر من أمور الدين فلا شك أنه محرم شرعا مطلقا (مع التذكير بما ذكرته سابقا من أنني عندما أقول في هذه المقالة السعي للشهرة فإنني أقصد السعي لها لذاتها وحبا فيها). ولكن السؤال هو:هل ينبغي للمرء أيضا في أمور الدنيا أن يكبت غريزة حب الشهرة في نفسه وأن لا يسعى لها؟ فنقول أولا: هناك مسألة الحكم الشرعي, وما إذا كان السعي للشهرة محرما شرعا على كل حال, أم أنه يكون محرما دائما فقط إذا كان العمل الذي يسعى عن طريقه المرء للشهرة دينيا, أما إن كان دنيويا فيختلف الحكم الشرعي من حالة إلى حالة؟ وجواب هذه المسألة عند أهل العلم. وثانيا: أقول إن المرء ينبغي له أن يستحضر أن هناك أضرارا للسعي للشهرة قد لا يسلم منها, منها أن ذلك قد يجعله يهمل أسرته وأقرباءه وأصدقاءه وذلك كي يجد الوقت الكافي للقيام بالأعمال التي قد تجلب له الشهرة.
وفي المقابل فإن هناك حالات كثيرة لا تكون فيها الرغبة للوصول للشهرة هي الدافع الوحيد لقيام المرء بعمل ما بل تكون مستترة ضمن دوافع أخرى قد تكون أشد وضوحا (لكن ليس بالضرورة أشد تأثيرا), ولهذا قد لا ينتبه أن هذه الرغبة هي أحد دوافعه للقيام بذلك العمل. ولذلك يحسن التنبيه هنا على ضرورة تفكر المرء في أعماله التي قد تجلب له الشهرة, لأن ذلك سيجعله يتبين إن كانت هذه الرغبة هي أحد دوافعه للقيام بتلك الأعمال أم لا.
وهنا أقول إن الدليل الذي ينبغي أن يبحث عنه المرء خلال تفكره في نفسه كي يتبين أن الرغبة في الوصول للشهرة كانت أحد دوافعه للقيام بعمل ما هو أن تكون هذه الرغبة قد أثرت في قيامه بذلك العمل. فهذا الدافع (شأنه شأن أي دافع آخر) لا يعد أحد دوافع المرء للقيام بعمل ما إلا إذا أثر في ذلك العمل, أما إذا كان هناك شخص يحس من نفسه الرغبة في الوصول للشهرة ولكنه لم يجد أن ذلك قد أثر (أو أنه لم يسمح لذلك أن يؤثر) في قيامه بعمل ما فإن رغبته في الوصول للشهرة في هذه الحالة بالطبع لا تعد أحد دوافعه للقيام بذلك العمل. وصور تأثير الرغبة في الوصول للشهرة على قيام المرء بعمل ما تتنوع, فقد يجد بعد التفكر أن هذه الرغبة قد جعلته يقدم ذلك العمل على أعمال أخرى, أو وجد أن هذه الرغبة جعلته يستعجل استعجالا مخلا في إتمام ذلك العمل وإنجازه, أو وجد أن هذه الرغبة جعلته يرتكب مخالفات أثناء قيامه بذلك العمل. فإذا وجد أن هذه الرغبة قد أدت إلى مثل هذه الآثار في عمله فإنه يكون بذلك قد وجد الدليل على أنها كانت فعلا أحد دوافعه للقيام بذلك العمل.

وأود التنويه على أن مجرد وجود مثل هذه الآثار في العمل لا يعني بالضرورة أنها ناتجة عن تأثير الرغبة في الوصول للشهرة فقد تكون ناتجة عن تأثير دافع أو مؤثر آخر, ولذلك فإن المرء لكي يتبين أن هذه الرغبة كانت أحد دوافعه للقيام بالعمل فإنه لا بد أن يتوصل بتفكره في نفسه إلى أن مثل هذه الآثار هي ناتجة عن هذه الرغبة وليست ناتجة عن تأثير دافع أو مؤثر آخر.

فمثلا لو عدنا لأحد الآثار المذكورة أعلاه وهو الاستعجال استعجالا مخلا في إنجاز العمل, ولنقل إن هذا العمل كان تأليف كتاب, فإن المرء ربما يتوصل بعد التفكر في نفسه إلى أن هذا الأثر (الاستعجال) لم يكن ناتجا عن رغبته في الوصول للشهرة وإنما كان ناتجا عن غريزة العجلة الملازمة للنفس البشرية وفي هذه الحالة فإنه يكون لم يجد الدليل على أن الرغبة في الوصول للشهرة كانت أحد دوافعه للقيام بذلك العمل, أما إذا توصل بعد التفكر في نفسه إلى أن هذا الأثر لم يكن ناتجا عن غريزة العجلة بل كان ناتجا عن رغبته في الوصول للشهرة أو أن هذا الأثر كان ناتجا عن الاثنين, الرغبة في الوصول للشهرة وغريزة العجلة, فإنه يكون بذلك قد وجد الدليل على أن الرغبة في الوصول للشهرة كانت أحد دوافعه للقيام بذلك العمل.

والتفكر لمعرفة إن كان الأثر ناتجا عن الرغبة في الوصول للشهرة أم ناتجا عن مؤثر آخر أم ناتج عن الاثنين يكون عن طريق أن يسأل المرء نفسه: لو لم تكن عندي رغبة في الوصول للشهرة ماذا كان سيحصل للأثر؟ فمثلا لو استعجل استعجالا مخلا في إنجاز الكتاب وإتمامه, فإنه يسأل نفسه مرارا لو أنني لم تكن عندي رغبة في الوصول للشهرة ماذا كان سيحصل لاستعجالي استعجالا مخلا في إنجاز الكتاب وإتمامه ؟ فإن كان الجواب هو أن ذلك الأثر (الاستعجال) كان سيزول فإن هذا يدل على أن ذلك الأثر ناتج كلية عن الرغبة في الوصول للشهرة وأن هذه الرغبة كانت فعلا أحد دوافعه للقيام بالعمل (تأليف الكتاب), وإن كان الجواب هو أن ذلك الأثر كان سيقل فإن ذلك يدل على أن ذلك الأثر ناتج جزئيا عن الرغبة في الوصول للشهرة وأن هذه الرغبة كانت فعلا أحد دوافعه للقيام بذلك العمل, وإن كان الجواب هو أن ذلك ما كان ليزول وما كان ليقل فإن ذلك يدل على أن هذا الأثر لم يكن ناتجا عن الرغبة في الوصول للشهرة وإنما كان ناتجا عن دافع أو مؤثر آخر وأنه لم يجد دليلا على أن هذه الرغبة كانت أحد دوافعه للقيام بذلك العمل.
ولا شك أن هذا ليس بالأمر السهل, أي أن يعرف المرء بتفكره في نفسه هل الرغبة في الوصول للشهرة قد أثرت أم لا في قيامه بعمل متعدد الدوافع؟ ولكن ما العمل إذا كان لا يوجد إلا هذه الطريقة لمعرفة إن كانت هذه الرغبة أحد دوافعه للقيام بذلك العمل؟ ثم إن تكرار التفكر بالطريقة التي ذكرناها يسهل الأمر.
وهناك دافع نفسي لقيام المرء بعمل ما يحتاج المرء للتفكر في نفسه للتمييز بينه وبين دافع الرغبة في الوصول للشهرة, وهو دافع أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته العلمية أو الفكرية أو الإبداعية (حسب مجال ذلك العمل). فمثلا قد يؤلف وينشر مفكر مبتدئ كتابا فكريا ويكون أحد دوافعه لذلك هو أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته الفكرية عن طريق أن يلقى هذا الكتاب قبولا واسعا عند الناس والمفكرين، وأن يكون رأيهم في هذا الكتاب إيجابيا، أو مثلا ينشر شاعر مبتدئ ديوانا ويكون أحد دوافعه لذلك هو أنه يريد أن يزداد ثقة في قدرته الشعرية عن طريق أن يلقى هذا الديوان قبولا واسعا عند الناس والشعراء وأن يكون رأيهم في هذا الديوان إيجابيا. وهذا الدافع هو برأيي دافع مبرر في الكثير من الحالات وهو منتشر كثيرا في الناس خصوصا المبتدئين في مجالهم. ولأن دافع الرغبة في الوصول للشهرة هو أيضا منتشر كثيرا في الناس المبتدئين في مجالهم, وأيضا لأن دافع الرغبة في زيادة الثقة لا تتم تلبيته إلا عن طريق أن يلقى العمل قبولا واسعا عند الناس (أي عن طريق مجيء الشهرة لذلك العمل), وأيضا لأن كلا الدافعين كثيرا ما تكون تأثيراتهما على قيام المرء بعمل ما متشابهة, فإن هذين الدافعين قد يختلطان على المرء. فقد يقوم بعمل ما ويكون أثر ما وجده في ذلك العمل ناتجا عن دافع الرغبة في زيادة الثقة وليس ناتجا عن دافع الرغبة في الوصول للشهرة، ولكنه بسبب صعوبة التمييز بين الدافعين فإنه قد يظن أن ذلك الأثر ناتج عن الرغبة في الوصول للشهرة وأنها كانت أحد دوافعه للقيام بذلك العمل فيلوم نفسه على ذلك, ولذا فإنه من الضروري أن يتفكر المرء في نفسه ليتبين إن كان الأثر ناتجا عن هذا الدافع فقط (الرغبة في زيادة الثقة) أم أنه ناتج عن الدافعين, هذا الدافع ودافع الرغبة في الوصول للشهرة.

وقد تطرقنا في أماكن متفرقة من هذه المقالة لآثار وأضرار السعي للشهرة في حال كانت الرغبة في الوصول لها الدافع الوحيد لقيام المرء بالعمل ، وفي حال لم تكن الدافع الوحيد بل أحد دوافع المرء للقيام بالعمل. ثم وصول المرء للشهرة بعد ذلك له أضراره, فقد يجعله أكثر انشغالا عن الناس القريبين منه, وسيحرمه من الخصوصية, وقد يسلط اهتمام الناس والأضواء على أبنائه وأقربائه مما قد يحرمهم هم أيضا من الخصوصية ويسبب لهم الضيق.
وإذا كانت الشهرة التي وصل إليها المرء هي شهرة فكرية فإن ذلك له ضرر إضافي عليه قد يكون فيه مهلكة له, حتى لو أن تلك الشهرة قد جاءته بغير سعي منه إليها, وهو أن الشهرة قد تحنط نفسه بحيث تحد من قدرته على الاعتراف مرات كثيرة بخطأ فكرته والقيام بتصحيحها, ولو أنها مرة واحدة أو مرات قليلة لهان الأمر. وأود أن أوضح أن من طبيعة الفكر ومعالمه أن فكرة المفكر كثيرا ما يظهر له أنها كانت خاطئة, فيكون عليه القيام بتصحيحها. أما لماذا كان ذلك من طبيعة الفكر ومعالمه ؟ فانظر مقالتي (الفكر .. ما هو؟) وهي منشورة على هذا الموقع الموقر. ويبدو أن هناك أكثر من سبب يجعل من الصعب على المفكر المشهور الاعتراف مرات كثيرة بخطأ فكرته. وأحد هذه الأسباب هو أن الكثير من القراء لا يعلمون أن عثوره على أخطاء باستمرار في نتائج فكره هو من معالم وطبيعة الفكر, ولذلك فإنه يستشعر أنهم لن يتقبلوا أن يكون في نتاجه الفكري الكثير من الأخطاء. فمن جاءته الشهرة الفكرية عليه أن يفطن لهذه المهلكة ويسأل نفسه إن كان يملك الشجاعة لأن يخرج منها سالما. والله أعلم.

المصدر: الاسلام اليوم
المشاهدات 1243 | التعليقات 0