فيروس كورونا
محمد بن إبراهيم النعيم
لقد أصبح حديث المجالس خلال الأسابيع الماضية عن انتشار فيروس كورونا ، وعن عدد المصابين بهذا الفيروس الغامض الذي لا زالت جميع المنظمات والهيئات العالمية المعنية بالصحة تجهل أسبابه وطرق علاجه، والمشكلة أن أعداد المصابين به في تزايد، وأما عن عدد الوفيات فلا زالت مجهولة وغير مؤكدة ، ولا زال الناس يتناقلون الأخبار عبر مواقع التواصل ويذكرون عمن أصيب بهذا الفيروس ، ولا زالت كثير من المؤسسات كمؤسسات النقل لا تدري كيف تتصرف مع المسافرين للوقاية والحد من انتشار هذا الفيروس الخطير.
والمشكلة أن معظم الناس يستقون معلوماتهم من رسائل الواتس أب عبر الجوالات، ومن بعض المواقع الالكترونية، فما هو إلا نسخ ولصق ونشر للمعلومات دون تثبت، وأصبح المرء يعيش بين مهولين لهذا الحدث وبين مقزمين له.
إن انتشار الأمراض سنة الله في خلقه يبتلي بها من يشاء من عباده، ولقد أخبر النبي بأنه ينزل إلى الأرض كل سنة مرض من الأمراض، حيث روى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (غَطُّوا الإِنَاءَ وَأَوْكُوا السِّقَاءَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلاَّ نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ) رواه مسلم وأحمد. وطالما أنه لم تخرج تصريحات رسمية لطرق الوقاية والعلاج من فيروس كورونا غير استخدام الكمامات والحرص على نظافة الجسم واليدين، فإن النبي أعطانا بعض الوسائل الدوائية والشرعية للوقاية من كافة الأمراض، فأما أهم طرق الوقاية الدوائية التي أخبر عنها النبي تتمثل في الآتي:
أولاً: باستخدام الحبة السوداء، فقد روت عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سَمِعَتْ النَّبِيَّ يَقُولُ: (إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنْ السَّامِ، قُلْتُ وَمَا السَّامُ قَالَ الْمَوْتُ) رواه البخاري، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال: (مَا مِنْ دَاءٍ إِلاَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ إِلاَّ السَّامَ).
فالحبة السوداء -يا عباد الله- موجودة في معظم التموينات ورخيصة الثمن، فما المانع من استخدامها؟ فإنها تقوي مناعة الجسم ؛ ليقاوم كافة الأمراض بإذن الله.
ثانيا: الحجامة، وهي سنة مهجورة مع أنها شفاء من كل داء، وقد أوصى العديد من الملائكة عليهم السلام رسول الله بالحجامة، حيث روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: (وَمَا مَرَرْتُ بملأ مِنْ الْمَلائِكَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلاَّ قَالُوا: عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ يَا مُحَمَّدُ). ويفضل أن تكون الحجامة في النصف الثاني من الشهر العربي، لما رواه أبو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَنْ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) رواه أبو داود.
وأفضل أيام للحجامة هي يوم الاثنين والثلاثاء والخميس، لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (الْحِجَامَةُ عَلَى الرِّيقِ أَمْثَلُ، وَفِيهِ شِفَاءٌ وَبَرَكَةٌ، وَتَزِيدُ فِي الْعَقْلِ وَفِي الْحِفْظِ، فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَيَوْمَ الأَحَدِ تَحَرِّيًا، وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثُّلاثَاءِ، فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي عَافَى اللَّهُ فِيهِ أَيُّوبَ مِنْ الْبَلاءِ وَضَرَبَهُ بِالْبَلاءِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ فَإِنَّهُ لا يَبْدُو جُذَامٌ وَلا بَرَصٌ إِلاَّ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ) رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
ثالثا: شرب العسل، فقد أخبر الله جل جلاله بأنه شفاء وأطلق كلمة شفاء ليكون من كافة الأمراض، فقال تعالى في سورة النحل: }ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{، وقد روى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن النَّبِيِّ قَالَ: (الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، - أي بالحجامة-أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنْ الْكَيِّ) رواه البخاري.
رابعا: شرب ماء زمزم، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، وَفِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ، وَشِفَاءٌ مِنَ السُّقْمِ) رواه الطبراني، وكلنا نعلم بأن ماء زمزم لما شُرب له، وهو متوفر في كثير من التموينات ولله الحمد، فما المانع من شراءه والشرب منه للوقاية من هذا الفيروس؟
وأما أهم وسائل الوقاية الشرعية، فبالحرص على الأذكار الصباحية والمسائية، إذ لم يذكرها لنا النبي عبثا والتي منها:
أولا: قول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، فقد روى عثمان بن عفان قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود.
ثانيا: قول: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، حيث روت خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رواه مسلم. وروى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي قال: (مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ).
ثالثا: قراءة سورة الإخلاص والمعوذتان في الصباح والمساء ثلاث مرات، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّي لَنَا، قَالَ: فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: (قُلْ)، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: (قُلْ)، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، قَالَ: (قُلْ)، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) رواه الترمذي.
رابعا: دعاء الخروج من المنزل، ففيه الكفاية والوقاية بإذن الله تعالى، فعن أنس قال: قال "إذا خرج الرَّجلُ من بيتِه فقال بسمِ اللهِ توكَّلتُ على اللهِ لاحولَ ولاقوَّةَ إلَّا باللهِ يُقالُ له حينئذٍ هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ وتنحَّى عنه الشَّياطينُ فيقولُ له شيطانُ آخر كيف لك برجلٍ هُدِي وكُفِي ووُقِي" رواه أبو داود.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا ويقينا من شر هذا الوباء، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بالنعم أمدنا، ودفع الشرور والنقم عنا، وإذا مرضنا فهو يشفينا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربنا وخالقنا ومولانا، وأشهد أن محمد عبده ورسوله نبينا وقدوتنا، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أتباعهم إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيجب على المسلم أن يتجنب أسباب البلاء، وأن يبتعد عن أماكن الوباء، فإن الله جل وعلا يقول لنا ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ والنبي يأمرنا بالحيطة والحذر والأخذ بالأسباب فيقول في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا).
كما ينبغي علينا أن نحصن أنفسنا بالأدوية التي حثنا عليها نبينا كالحجامة والحبة السوداء وشرب العسل وماء زمزم، وأن نحصن أنفسنا بالأوراد الشرعية التي تقال في الصباح والمساء وأن نكثر من الدعاء بالحفظ والعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، فما يدرينا لعل من حكمة الله جل وعلا في انتشار هذا المرض أن يحيي في قلوبنا التوكل واليقين وأن يحثنا على التعويذ والتحصين وصدق الالتجاء إليه.
اللهم ارفع عنا الوباء وسائر المحن، اللهم احفظنا من مرض كورونا، فأنت خير الحافظين، اللهم احفظنا وبلادنا من شر الأمراض، ومن كيد الفجار.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا،
اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا
اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا،