فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ؟!
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عباد الله : يقولُ اللهُ تعالى:"فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " ، سبحانَ اللهِ! مَن أحسَنَ ظنَّه باللهِ تعالى كانَ اللهُ له كما ظنّ، والعكسُ بالعكس، قال النبي ﷺ: يقول الله تعالى: «أنا عِندَ ظنِّ عَبدِي بِـي» فمَن ظنَّ باللهِ تعالى أنّه يَكفيهِ إذا صدَقَ التوكّلَ عليه كفاهُ اللهُ ولا بُدّ، ومَن ظنّ باللهِ أنّه يقبلُه إذا صَدَقَ التوبةَ إليه قَبِلَهُ اللهُ ولا بُدّ، ومَن ظنّ باللهِ أنّه يَشكرُ لهُ عملَه إذا أحسنَ عبادتَه، شَكَرَ اللهُ لهُ عملَه الحسَن ولا بُدّ، وأمّا مَن ظنَّ باللهِ أنّه سبحانه يَخذُلُ مَن توكّلَ عليه، أو لا يَقبَلُ مَن تابَ إليه، أو لا يَتَقَبَّلُ عَمَلَ مَن أحسَنَ عبادتَه، فقد أساءَ الظنَّ بالله، وكانت عاقبتُه حينئذٍ أنْ يُوقِعَ اللهُ عليهِ ما ظنَّه به جزاءً وِفَاقًا.
عباد الله : لذلك فإنّ حُسنَ الظنِّ باللهِ تعالى بابٌ للخيرِ العظيمِ، والفضلِ الجزيلِ، وبِقَدْرِ ما يُعطَى العبدُ مِن حُسنِ الظنِّ باللهِ، يُعطَى مِن رحمةِ اللهِ وإحسانِه، ولهذا كان حُسنُ الظنِّ باللهِ مِن خيرِ ما يُختَمُ به للعبدِ قَبلَ أنْ يصيرَ إلى ربِّه، كما قال النبيَّ ﷺ قبلَ وفاتِه بثلاثٍ : "لا يَـمُوتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحْسِنُ باللهِ الظنّ".
عباد الله : إنّ حُسنَ الظنِّ باللهِ مَبنيٌّ على أمرين: صحّةِ الاعتقادِ في الله، وإحسانِ العملِ في طاعتِه ، فأما صحّةُ الاعتقادِ فإنّ مَن عَرَفَ اللهَ بأسمائِه وصفاتِه، وفضلِه وإنعامِه، ومُلكِه وتدبيرِه، وقدرتِه وعزّتِه، وأنّه وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعِلمًا، وأَحاطَ بكلِّ شيءٍ قُدرةً ومُلكًا، وأنّه إذا أراد شيئًا قالَ له كُن، فكان، حَسُنَ ظنُّه بِالله تعالى، ومَن ظنَّ أنّ شريعةَ اللهِ أحسنُ الشرائع، وحُكمَه أحسنُ الأحكام، حَسُنَ ظنُّه بِالله تعالى، ومَن اعتَقَدَ أنّ اللهَ لا يتعاظمُه شيءٌ أعطاه، بل هو الكريمُ الجوادُ، يَدُه مَلأَى لا يَغيضُها نفقة، سحّاءُ اللَّيلَ والنّهار، حَسُنَ ظنُّه بِالله تعالى، ومَن ظنَّ أنّ اللهَ مع ذلك عزيزٌ حكيم، لا يسوّي المتّقِي بالفاجِر، والمؤمنَ بالكافِر، فهُو شديدُ العِقَاب، وهُو الغفورُ الرّحيم، فَمَن عرفَ اللهَ بذلك حَسُنَ ظنُّه بِه سبحانه.
عباد الله : وأمّا إحسانُ العملِ في الطاعةِ، فإنّ مَن عرَف اللهَ تلكَ المعرفةَ أقبلَتْ نفسُه على الطّاعةِ، واجتهدَتْ في العبادةِ، طمَعًا في فضلِ اللهِ العظيمِ، وهربًا مِن عقابِه الأليم قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».
الخطبة الثانية
عباد الله : مِنْ سوءِ الظنّ باللهِ أن يعتقدَ العبدُ أنّه لا يَصِلُ إلى اللهِ إلا عن طريقِ مَلَكٍ أو نبيٍّ أو وليٍّ صالحٍ يَشفَعُ له عندَ الله، فيجعلَ اللهَ كحالِ بعضِ المسؤولين الذين يُضطَرُّ مَن يَحتاجُ الوصولَ إليهم إلى وسائطَ وشُفَعَاءَ يؤثّرون عليهم، ويُوصِلُون حاجاتِ الناسِ إليهم!!
ومِن سُوءِ الظنِّ باللهِ نِسبةُ الولدِ إليه، وهُو خالقُ كلِّ شيءٍ، ولم يتّخِذْ صَاحِبةً ولا ولدًا.
ومِن سوءِ الظنِّ باللهِ، القَدحُ في شَرعِه وحًكمِه، والظنُّ بأنّ شريعتَه تَصلُحُ لزمانٍ دونَ زمان، وأنّ مصلحةَ النّاسِ في تعطيلِها والعملِ بغيرِها.
ومِن سوءِ الظنِّ باللهِ، الشكُّ في حِكمتِه وإنفاذِ وعدِه، والظنُّ بأنّه لا يَنصُرُ عبادَه المؤمنين، وأنّ الكافرينَ يُعجِزُونَه بِدُوَلِـهم ومُقَدّراتِـهم وطاقاتِـهم، فهذا ظنٌّ باطل، وحُسبانٌ فاسد:" وَلَا تَحْسَبَنَّ "اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ"، "فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ"،"لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِير"ُ.
ومِن سوءِ الظنِّ باللهِ تعالى الظنُّ بأنّه سبحانه يومَ القيامةِ قد يُسَوِّي الكافرَ بالمؤمن، فيجعلُ المسلمَ مع النصرانيِّ واليهوديِّ والمشركِ في مَصِيرٍ واحدٍ، وهو القائل:"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ"، فأحسنُوا الظنَّ باللهِ ربِّكم مع إحسانِ العمل، واحذروا سُوءَ الظنِّ باللهِ العزيزِ الرّحيم.
المرفقات
1731997031_الظن.docx