((.. فليغرسها .. )) عمار بن ناشر العريقي

الفريق العلمي
1441/12/16 - 2020/08/06 13:14PM

((.. فليغرسها .. ))
عمار بن ناشر العريقي
#روى الإمامُ أحمدُ في مُسنده وصحْحه الألبانيّ وغيرُه عن أنسٍ رضي اللْه عنه عنِ النبيِْ صلّىٰ اللّهُ عليه وسَلّم قالَ :
(إنْ قامتِ السّاعةُ وفي يَدِ أحدِكم فسيلةٌ، فإنِ استطاعَ ألاّ تَقومَ حتىٓ يَغرِسَها، فليَغرِسْها).

-----------------------------

#هذا الحديثُ الشريفُ الصحيحُ من محاسنِ وإعجازِ التشريعِ ومن بليغِ (جوامعِ الكلمِ) التي أوتيها صلى الله عليه وسلم، والجوامع: ألفاظ قليلة المبنى لكنها كثيرة المعنى.

1)#والحديث أصلٌ في الدعوة إلى (الإيجابيًّة)، بما تحمله من معاني التجاوب والتفاعل والإنتاج والفاعلية والعطاء.
وفي مقابلها (السلبية) بما تحمله من معاني التقوقع والبلادة والعجز والكسل والانزواء.
إذا القومُ قالوا من فتىً خِلتُ أنني
عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلدِ

2) #وفي حث الحديث على (غرس الفسيلة ولو قامت الساعة): دعوة إلى التحلي #بالتفاؤل والطموح والأمل وعدم اليأس والإحباط والقنوط، وإلى التحلي #بقوة الإرادة والإيمان والصبر ولو في أضيق الظروف #وعدم القفز على السنن الكونية والمراحل و استعجال النتائج، فمعلوم أن #(نمو الفسيلة)، وهي النخلة الصغيرة، حتى تثمر وتنضج وينتفع بها الناس يستلزم مدة طويلة، هذا إذا أمنت العاهة.
"على العبدِ أن يسعىٰ إلى الخيرِ جُهدَه
وليسَ عليهِ أنْ تتمَّ المقاصدَُ"

3) #وفيه الدعوة إلى التخلي عن #آفات الشح والأنانية والإغراق بحب الذات؛ فالحريص على(غرس الفسيلة) يدرك أنه لن يبلغه نفع غرسه والحال أنه قامت ساعته ولكنه محب للخير وللناس ويرجو نفعها للأجيال من بعده.
(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ).

4) #وفي الحديث فضل الأعمال المتعدية نفعها للمجتمع والأجيال على القاصرة على أصحابها فحسب؛ فكما انتفعنا من غرس من قبلنا فلنعد بالنفع على الأجيال على من بعدنا، وفي صحيح الجامع (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)

5) #وفيه الدعوة إلى المبادرة حسب الاستطاعة إلى فعل الخير وصالح الأعمال قبل انقضاء الأعمار، وذلك في اغتِنام آخر فرصة من الحياة(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)
ومن جميل كلام السلف: "إن استطعت أن لايسبقك أحد إلى الله فافعل" .

6) #وفي الإشارة إلى (الغرس):حث على الحركة وبذل الأسباب وفضل كسب الرجل من عمل يده، ويقاس على غرس الزرع، تعاطي سائر الأعمال والصناعات أيضا والتي تدخل في باب فروض الكفايات، و التي تمكن المجتمع والدولة من الاكتفاء بمواردها والاستغناء عن غيرها ؛ ف#(من يملك القوت يملك القوة والقرار)، والاهتمام بالمصلحة العامة وعمارة الأرض وإحياء الموات وإثراء الحياة بما ينتفع به الناس بعد الموت ؛ ليجري أجرُه للإنسان، وتُكتَب له صدقته إلى يوم القيامة.

7) #وفي استحضار حسن النية والقصد والهدف والغاية تحفيز على الإيجابية، ومنها استحضار طاعة الرب وحسن الثواب ودفع الفقر ونفع الخلق والتي لاتنحصر في الناس فحسب، بل وتشمل الطير والبهائم مما يدخل في باب الرفق بالحيوان، ويدل عليه ماورد في الصحيحين :(مامن مؤمن يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له بها صدقة).

8)) #وفي الأمر (بغرس الفسيلة) رغم قيام الساعة وليس قربها فحسب، حث على فعل الخير مهما بلغت التحديات والظروف وعدم الخضوع للشهوات و الرضوخ للعقبات.
«المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ. احْرِصْ على ماينفعُك واسٰتعنْ باللهِ ولا تَعْجَزْ)رواه مسلم.
كُنْ بَلْسَماً إنْ صارَ دهرُك أرقماً
وحلاوةً إنْ صارَ غيرُك علقما.

9) #وأخيرا.. فالدعوة إلى التحلي بالإيجابية تستلزم موافقة ضوابط الشرع والأخلاق والحكمة والمصلحة والتوازن والاعتدال والمرونة والواقعية؛ فالإيجابية غير المنضبطة طريق الفشل والخذلان وأسوأ صور السلبية.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه يارب العالمين.

12ذو الحجة 1440
8أغسطس 2020

المشاهدات 514 | التعليقات 0