(فلنفسه)
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
(فلنفسه)
8 / 3 / 1440هـ
الحمد لله الغفورِ الشكورِ الجواد ، أنزل الوحي هدى ورحمة للعباد ، ومن يضلل الله فماله من هاد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
لك الحمـدُ طوعـاً لك الحمـدُ فرْضـا *** وثيقـاً عمـيقـاً سمـاءً وأرْضـا
لك الحمـدُ مـلءَ خلايـا جنانـي *** وكـلَ كيـاني رُنُـوُّاً وغَمْـضـا
وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله ، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه
لك المشـاعرُ دون الخلْـقِ تشتـاقُ ***يـا مَـن هُـداك لنـا طبٌّ وتريـاقُ
صلّى عليكَ إلـهُ الكـونِ ما نظـرتْ *** إلـى بـديـعِ صنيـعِ الـلـه أحـداقُ
أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن آخر آية نزلت تُذكّر الناس بلقاء الله {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }البقرة281
عباد الرحمن : أخرج الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أنَّهم ذبحوا شاةً فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ما بقيَ منْها ؟ قلت ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها . قالَ : بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها " صححه الألباني
الله أكبر .. وكأني بنبينا صلى الله عليه وسلم أراد لفت الانتباه إلى فضل الصَّدقةُ فهي الَّتي تَمضي إلى الآخرةِ، فيَبْقى لك ثَوابُها {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] ، أما تَأكُلُه في الدُّنيا فيَبْلى ويَفْنى .
عبد الرحمن : إن الناظر في كلام الحق سبحانه يجد تكرار التذكير بأن عبادتك إنما تنفع بها نفسك !
كما أن عصيانك أنت المتضرر به !
قال عز وجل {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ }البقرة286
وقال سبحانه {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا }الأنعام104
وقال جل جلاله {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا }الزمر41
وقال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ }فصلت46
وقال جل وعز { وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }فاطر18
وقال سبحانه { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ }النمل40
وقال جل جلاله {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6
فسبحان الذي { يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ }الأنعام14 سبحانك يا رب، أنت الغني نحن الفقراء ، أنت القوي ونحن الضعفاء ، أنت العفو الرحيم ونحن المذنبون الجهلاء ..
في الحديث القدسي : " يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم . كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئًا . يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم . وإنْسَكم وجِنَّكم . كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ . ما نقص ذلك من ملكي شيئًا " . رواه مسلم
عبد الرحمن : ما أحوجني وإياك إلى استشعار هذه الحقيقة التي بينها وكررها الحق سبحانه من أن العبد هو المنتفع بالعمل الصالح ! فمعرفة ذلك حقا تجعل المؤمن يستشعر اضطراره للهداية والتماس أسبابها .
واستشعار ذلك يشحذ همة المؤمن للأعمال الصالحة! واستحضار أنك المنتفع يسكب في قلبك تلذذا وفرحا بالطاعة ! بل ويستحضر المؤمن منّة الله عليه وفضله حين أعانه ويسر له أبواب الأجر !
قيل للحسن البصري : كم تتعب نفسك ! قال : راحتها أريد !
الله أكبر ما أعظمها من مواعظ { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ }الأنعام104{ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ }الزمر41
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ }فصلت46 { وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ }فاطر18
{ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ }النمل40{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ }العنكبوت6
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة ، وبما فيهما من الآيات والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا
الحمد لله القائل {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ }الإسراء7 وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى وعلى آله وصحبه ومن لدربهم اقتفى أما بعد عباد الرحمن : فغير خاف فضل العبادات المحضة كالصلاة والصوم ، ولكن لعلنا بحاجة إلى التذكير بالعبادات التي لها ارتباط بالخلق ! والتي ورد فيها فضائل ترغب فيها غير ما يحصّل العبد من الأجر !
عبد الله : إن كان من أرحامك من قطعك فَصِلْهُ فالصلة من أسباب سعة رزقك وطول عمرك ويكفيك قول الرحمن للرحم " أما ترضين أن أصل من وصلك "! إنك المستفيد الأول !
إذا سترت مسلما هفا فأنت المستفيد الأول !"ومن سترَ مسلمًا ، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ ".
إذا تصدقت على فقير فإن انتفاعك أكثر من انتفاعه { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ }البقرة272 فإن كانت منفعته دنيوية فمنفعتك دنيوية وأخروية !
إذا أمطت حديدة من الطريق أو زجاجا أو غيره مما يؤذي الناس فأنت المستفيد الأول ! أوليس النبي صلى اله عليه وسلم أخبرنا عمن دخل الجنة بعِرق شوك أزاله من الطريق !
حين تدعو لأخيك بظهر الغيب فأنت المستفيد الأول "ما من عبدٍ مسلمٍ يدعو لأخيه بظهرِ الغَيبِ ، إلا قال الملَكُ : ولك ، بمثلٍ " (رواه مسلم) وحين تعفو عمن ظلمك فأجرك على الله ، وما ظنك بعطاء الكريم ! فأنت مستفيد في الدنيا راحة القلب وفي الآخرة عظيم الثواب .
إذا سعيت لأخيك في حاجة فأنت المستفيد الأول " ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه " ( أخرجه البخاري )
ومن صبر على المعسر أو وضع عنه بعض الدَين فهو المستفيد الأول : "ومن يسّرَ على معسرٍ ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ " وفي حديث أخر: "من أنظرَ معسرًا ، أو وضع عنهُ ، أظلَّهُ اللهُ في ظلِّهِ " .( رواه مسلم)
حين يسئ إليك شخص فتدفع بالتي هو أحسن فأنت ذو حظ عظيم !
إذا فرجت عن مسلم شدة فأنت المستفيد الأول " من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا ، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ " (رواه مسلم)
ثم صلوا وسلموا ...
المرفقات
327259
327259