فلسطين واليهود

هلال الهاجري
1445/03/27 - 2023/10/12 07:14AM

إِنَّ الْحَمْد للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يَضْلُلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)،

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)، أَمَّا بَعْدُ: 

عندما هاجرَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ إلى المدينةِ، أبرمَ وثيقةَ صُلحٍ مع قبائلِ اليهودِ وجعلَ لهم الأمانَ على أنفسِهم وأعراضِهم وأموالِهم، ولكنَّ يَأبى طبعُ اليهودِ إلا الغدرَ، وصدقَ اللهُ تعالى: (الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ).

فكانَ أوَّلُ من غَدرَ منهم بنو قَينُقاعٍ عندما اعتدوا على حِجابِ امرأةٍ مُسلمةٍ في سُوقِهم وكَشفوا عن عَورتِها، فحاصرَهم رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلمَ بجيشٍ من المسلمينَ حتى أَجلاهم عن المدينةِ إلى بلادِ الشامِ جَزاءَ غدرِهم وخيانتِهم للعهدِ، ثم تَلاهم في الغَدرِ بَنو النَّضيرِ، عَندما دَبروا مؤامرةً لاغتيالِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلمَ وهو جَالسٌ في دُورِهم، بإلقاءِ صَخرةٍ عليه من أعلى السَّطحِ، فكشفَ اللهُ لهُ أَمرَهم، فحاصرَهم بجيشٍ من المسلمينَ وأجلاهم إلى بلادِ الشامِ كذلك، وأخيرًا كانَ الغدرُ الأكبرُ من بني قُريظةَ يَومَ الأحزابِ، حيثُ تَجمعَ على المسلمينَ سَائرُ طَوائفِ الشركِ من القبائلِ العَربيةِ، فلما رأى اليهودُ الضيقَ والحرجَ قد استبدَّ بالمسلمين اغتنموا الفرصةَ، وأعلنوا نَقضَ العهدِ والالتحامَ مع المشركينَ، وكَشفَ اللهُ مَكرَهم، ثم بعد أن انهزمَ الأحزابُ، تَفرغَ لهم رَسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسَلمَ، وكانت نِهايتَهم أن قُتلَ مُقاتلتُهم، وسُبيتْ ذَراريهم وأموالُهم، جَزاءً لِلخَائنينَ، وعِبرةً للمُعتَبِرينَ.

هذه الأفعالُ من اليهودِ كانتْ مع أوفى إنسانٍ، وأصدقِ إنسانٍ، الذي يعرفونَ صِفاتِ نبوتِه كما يعرفونَ أبنائهم، وَلِمَا العَجبُ وقَد وَصفَ اللهُ تَعالى في كِتابِه اليهودَ بالأوصافِ الواضحةِ، والأعمالِ الفَاضِحةِ، فهم أساءوا الأدبَ مع ربِّهم عزَّ وجلَّ، وهم كَذَّبوا الأنبياءَ وقَتلوهم، وهم أهلُ الغدرِ ونَقضِ العهودِ والمواثيقِ، وهم الذينَ يأكلونَ أموالَ الناسِ بالباطلِ، وهم الذينَ يسعونَ في الأرضِ فساداً، وهم الذينَ يحسدونَ الناسَ على ما آتاهم، وهم الذينَ لا يتناهونَ عن منكرٍ فعلوه، وهم أبخلُ الناسِ، وأجبنُ الناسِ، وهم من لعنَهم اللهُ وغضبَ عليهم، وضربَ عليهم الذلةَ، وهم أحرصُ الناسِ على حياةٍ، وهم يعرفونَ الحقَّ ويكتمونَهُ، فماذا بقيَ من صفاتِ الخِزيِ والعارِ؟.

وهكذا لا يكونُ اليهودُ في مكانٍ إلا عاثوا فيه الفسادَ، وسيطروا على الأموالِ والاقتصادِ، وتحكَّموا في الرؤساءِ والأفرادِ، وملكوا زمامَ العبادِ والبلادِ، فلذلكَ لما رأى الغربُ أنَّهم سوسةٌ تنخرُ في مجتمعاتِهم، وأنَّه ينبغي أن يتخلصوا منهم بأيِّ وسيلةٍ، جاءت خِطةُ إنشاءِ دولةِ إسرائيلَ المحتلةِ في فلسطينَ، لأجلِ أن يُهاجرَ إليها اليهودُ فيرتاحوا من هذا الشَّعبِ اللعينِ.

فَتَخَيَّلْ لو أنَّ هَذا الشَّعبَ الذَّليلَ الحَقيرَ، قَد احتَلَّ وَطَنَكَ، وغَصَبَ أَرضَكَ، ونَهَبَ خَيرَاتِكَ، وانتَهَكَ مُقَدساتِكَ، وَأَسرَ النِّساءَ والرِّجالَ، وآذى الكِبارَ والأطفَالَ، ويَهدِمُ المَساجدَ والبُيوتَ، ويَستَفِزُكَ بالليلِ والنَّهارِ، ويَرى أَنَّهُ شَعبُ اللهِ المُختارِ، وهو مَن قَد ضُرِبَتْ عَليهِ الذِّلةُ والصَّغارُ، ثُمَّ يَدعُوكَ إلى السَّلامِ.

عـَجَـبًا أَيَـرعَى للسَّلامِ عُهـودَهُ *** مَـنْ كَانَ مُعتَادًا عَلى الإرهَابِ؟

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بالآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ مَلكِ الملوكِ، وأشْهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليهِ وسَلمَ، أما بعدُ:

فَبِغَضِ النَّظرِ عَن التَّفَاصيلِ والأحداثِ، مَا يَحدثُ اليومَ في فلسطينَ هو احتلالٌ غَاشمٌ على بلدٍ إسلاميٍّ، وهو اعتداءٌ ظالمٌ على شَعبٍ مَقهورٍ، وهو جُراءةٌ وتطاولٌ على المسجدِ الأقصى، الذي له مكانةٌ مُقدسةٌ في قلبِ كلِّ مسلمٍ، فَكيفَ يُرجى مِنَ اليهودِ السَّلامُ، وكَيفَ تُمَدُّ لَهم الأيدي بالحبِّ والوئامِ، وقَد قَالَ اللهُ تَعَالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)، فكيفَ يثقُ العاقلُ بأمثالِ هؤلاءِ؟، وكيفَ يُرجى منهم العهدُ والوفاءُ؟.

ألا تَرونَ إلى غَزةَ وهي تلفظُ في كُلِّ يومٍ فَلَذةَ أكبادِها، ألا تَسمَعونَ القَصفَ المُتواصلَ من شَرِّ جَارٍ، صواريخَ حَارِقةً ولَهيبَ نارٍ، ودُخاناً يَتصَاعدُ وبيوتاً مُدَمَّرةً تَحتَ الغُبارِ، وأَعيناً تَتَرقبُ وصِراخُ صِغارٍ، فآهٍ عَلى عُضوِ الجَسدِ الذي أَنهكتْهُ الجِراحُ والأدواءُ، وتَداعى عَلى تَقطيعِ أوصالِهِ الأَعداءُ، وسَهَرَت بالحُمى لَهُ جَميعُ الأعضاءِ، كَما قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) فَليسَ لَنا إلا الدُّعاءَ، ومَا أدراكَ ما الدَّعاءُ، فَإنَّهُ جُندٌ مِنْ جُنودِ السَّماءِ، قَد وَعدَ اللهُ تَعالى أهلَه بالوَفاءِ.

يا غَزَةُ احتسبي جِراحَكِ إنني *** لأرى اختلاطَ الفَجرِ بالأَسحارِ
يا غزَّةُ الجُرْحُ المعطَّرُ بالتُّقَى *** لا تيأسي من صَحْوةِ المِليارِ
لا تيأسي من أمةٍ، في رُوحِها *** ما زال يجري مَنْهَجُ المُخْتَارِ

اللَّهُمَّ إِنَّ بِإِخْوانِنا الْمَنْكُوبِينَ فِي غَزَّةَ مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْتَ، وَإِنَّ بِنا مِنَ الوَهَنِ وَالتَّقْصِيرِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، إِلَهَنا إِلَى مَنْ نَشْتَكِي وَأَنْتَ الكَرِيمُ القَادِر، أَمْ بِمَنْ نَسْتَنْصِرُ وَأَنْتَ المَوْلَى النَّاصِر، أَمْ بِمَنْ نَسْتَغِيثُ وَأَنْتَ المَوْلَى القَاهِر، اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَفاتِيحُ الفَرَجِ فَرِّجْ عَنْ إِخْوانِنا وَاكْشِفْ ما بِهِمْ مِنْ غٌمَّةٍ، اللَّهُمَّ يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ يا قَاهِرُ يا قَادِرُ يا مُهَيْمِنُ يا مَنْ لاَ يُعْجِزُه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ، أَنْزِلْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ عَلَى اليَهُودِ الصَّهَايِنَةِ، اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ، يا مَنْ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ قَدْ اشْتاقَتْ أُنْفُسُنا إِلَى عِزَّةِ الإِسْلاَمِ، فَنَسْأَلُكَ نَصْراً تُعِزُّ بِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَتٌذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح واحفَظ أئمَّتنا ووُلاةَ أمورِنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيَتِه للبِرِّ والتقوَى، ووفقه لنصرةِ قضايا المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.

المرفقات

1697084036_فلسطين واليهود.docx

1697084044_فلسطين واليهود.pdf

المشاهدات 8713 | التعليقات 0