فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ 1443/2/3هـ
يوسف العوض
الخطبة الاولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) وبعد ..
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ : جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حديثِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: " يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ منكم ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ منكم فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ "
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الذي كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ وَالْمُحْدِّثُ الْأَرِيبُ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ، وقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عنه : وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ تَضَمَّنَ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ الْعَظِيمَةِ ، فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَال وَالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ، ففي هذا الحديثِ يَحكي فيه أبو ذَرٍّ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم روى عَنِ اللهِ تبارك وتعالى فَهُوَ حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ ، ويفيدُنا هَذَا الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ الْمُشْتَمِلُ عَلَى فَوَائِدَ عَظِيمَةٍ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِه وَآدَابِه بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِهِ تَفضلاً مِنْه وإحساناً إلَى عِبَادِهِ ، وَجَعَل الظُّلْمَ محرمًا بَيْنَ خَلْقِهِ فَلَا يَظْلِمُ أَحَدٌ أحدًا ، وَإِنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ ضالون عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ إِلَّا بِهِدَايَة اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ ، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ وَفَّقَهُ وَهَدَاهُ ، وَإِن الْخَلْقَ فُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ ، وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ قَضَى حَاجَتَهُ وَكَفَاه ، وَأَنَّهُم يُذْنِبُون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتُرُ وَيَتَجَاوَزُ عِنْدَ سُؤَالِ الْعَبْدِ الْمَغْفِرَةَ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ مَهْمَا حَاوَلُوا بِأَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ أَن يَضُرُّوا اللّهَ بِشَيْءٍ أَوْ يَنفعوه ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا زَادَتْ تَقْوَاهُم فِي مِلْكِ اللَّهِ ، وَلَا نَقَصَ فجورُهم مِنْ مِلْكِهِ شيئًا ؛ لِأَنَّهُم ضُعفاءُ فُقراءُ إلَى اللَّهِ مُحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ وَمَكَانٍ ، وَأَنَّهُمْ لَوْ قَامُوا فِي مَقَامٍ وَاحِد يَسْأَلُون اللََّه فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَا سَأَلَ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَ اللَّهِ شيئاً ؛ لِأَنَّ خَزَائَنَه سُبْحَانَه مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارِ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْعِبَادِ ويُحصِيها مَا كَانَ لَهُمْ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ ، ثُمّ يُوَفِّيهِمْ إيَّاهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ وَجَدَ جَزْاءَ عَمَلِه خيرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِطَاعَتِه ، وَمَنْ وَجَدَ جَزْاءَ عَمَلِه شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ الْأَمَارَةَ بِالسُّوءِ الَّتِي قَادَتْهُ إلَى الْخُسْرَان.
نَسْأَلُ اللَّهَ بِأَسْمَائِه ، وَصِفَاتِه أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِسُؤَالِه الْهِدَايَةَ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ ، وَأنْ يُطْعِمَنَا ، ويَكسُوَنا ، وَيَهْدِيَنا إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ رُبُّ السَّمَاوَات وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي دَعَا بِدَعْوَتِهِ إِلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ ..
أَيُّها الْمُسْلِمُونَ : في هذا الحديثِ فوائدُ :
أولها : قُبحُ الظُّلمِ وأنَّ جميعَ الخلقِ مُفتقِرُون إلى اللهِ تعالى في جلْبِ مصالِحِهم، ودفْعِ مضارِّهم في أمورِ دِينِهم ودُنياهم.
ثانيها : أنَّ اللهَ تعالى يُحبُّ أنْ يسألَه العبادُ ويَستغفِرُوه. ثالثها : أنَّ مُلكَه عزَّ وجلَّ لا يَزيدُ بِطاعةِ الخلْقِ ولا يَنقصُ بِمعصيَتِهم.
رابعها: أنَّ خَزائنَه لا تنفذُ ولا تنقصُ. خامسها: أنَّ ما أصابَ العبدَ مِن خيرٍ فَمِن فضْلِ اللهِ تعالى، وما أصابَه مِن شرٍّ فَمنْ نفسِه وهَوَاه.
سادسها: حثُّ الخلقِ على سؤالِه وإنزالِ حوائجِهم به. سابعها: ذكْرُ كمالِ قُدرتِه تعالى وكمالِ مُلكِه.
فَاتَّقُوا اللَّهَ -عباد الله- ، وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَتُوبُوا مِنْ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ مَا دُمْتُمْ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ ، اللَّهُمّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ ، وَلَا مُضِلِّين ، وَأَمِّنا فِي دُورِنَا ، وأوطانِنا ، وَاجْعَل بَلَدَنَا هذَا ، وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ فِي خَيْرٍ ، وَعَافِيَةٍ ، وَأمنٍ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ..
المرفقات
1630929500_فلا يلومن.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق