فلا يؤذ جاره
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1437/05/28 - 2016/03/08 15:43PM
فلا يؤذ جاره
2/6/1437
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ؛ شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْأَحْكَامَ، وَيَجْزِيهِمْ عَلَى الْتِزَامِهَا يَوْمَ المَعَادِ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى النِّعَمِ وَالْآلَاءِ، فَهُوَ الرَّبُّ الْإِلَهُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَسْعَدَ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ بِإِيمَانِهِمْ، وَأَدَّبَهُمْ بِالْقُرْآنِ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُمْ، وَرَفَعَ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلَهُمْ، وَشَقِيَ المُعْرِضُونَ عَنْهُ بِإِعْرَاضِهِمْ، فَعَاشُوا لِدُنْيَاهُمْ وَنَسُوا أُخْرَاهُمْ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْقَوْنَ جَزَاءَهُمْ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْضَى الْخَلْقِ بِاللَّـهِ تَعَالَى رَبًّا، وَأَصْدَقُهُمْ لِلنَّاسِ نُصْحًا، وَأَكْثَرُهُمْ لِلْعِبَادِ نَفْعًا، دَلَّهُمْ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَنْفَعُهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَضُرُّهُمْ، وَكَادَ أَنْ يَهْلِكَ أَسَفًا عَلَيْهِمْ ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: 6] صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْرِفُوا مَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِأَدَائِهَا، وَمَا لَكُمْ مِنْهَا لِعَدَمِ تَجَاوُزِهَا؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا حَقَّ لَهُ، أَوْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ حَقٌّ عَلَيْهِ فَيَظُنُّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَفِي مَا عَلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ: حُقُوقُ الْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْحُقُوقِ وَآكَدِهَا، وَأَذِيَّتُهُ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ وَكَبَائِرِهَا، وَمَا أَشَدَّ جَهْلَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا! فِي زَمَنٍ ضَعُفَتْ فِيهِ الرَّوَابِطُ وَالصِّلَاتُ، وَضُيِّعَتْ فِيهِ الْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ، وَطَغَتِ الْفَرْدِيَّةُ وَالمَادِّيَّةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.
إِنَّ أَذَى الْجَارِ لِجَارِهِ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ. وَتَحْقِيقُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَجَنُّبِ أَذِيَّةِ الْجَارِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَكَفُّ الْأَذَى عَنِ الْجَارِ سَبَبٌ لِتَحْقِيقِ كَمَالِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَنْفِيٌّ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّـهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: «قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ».
فَلْنَتَأَمَّلْ شِدَّةَ الْوَعِيدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ يَنْفِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَّنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ، وَيُقْسِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ وَأَعْلَمُهُمْ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِشِدَّتِهِ وَفَظَاعَتِهِ؛ نُصْحًا لِلْعِبَادِ، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ بَلَاغَةِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيقُ الْإِيمَانِ عَلَى حُصُولِ الْأَمْنِ، فَكَمَالُ إِيمَانِ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِأَمْنِ جَارِهِ شَرَّهُ. فَقَدْ يُحْرَمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ أَذِيَّتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِكَثْرَةِ مَا بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنَ الْحُقُوقِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ أَدَائِهَا، وَكَثْرَةِ مَا يَقَعُ مِنْ أَذِيَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَإِنَّهُمْ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ اللَّـهِ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ حُقُوقٍ قَدْ ضُيِّعَتْ، وَفِيمَا وَقَعَ مِنْ أَذَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَيَنَالُ مُؤْذِي جَارَهُ سَبَّ النَّاسِ وَمَلَامَتَهُمْ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ شَكَا لِلنَّاسِ أَذَى جَارِهِ فَمَقَتُوهُ وَلَهَجُوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ مُلَازِمٌ لِلدَّارِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ دَارِهِ، فَيَبْقَى الْأَذَى عَلَيْهِ مَا بَقِيَ جَارُهُ المُؤْذِي، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ، لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَالِاقْتِصَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ كَفِّ الْأَذَى عَنِ الْجِيرَانِ، خَيْرٌ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ أَذَى الْجِيرَانِ؛ لِمَا رَوَى أَبَو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: «يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلم: لاَ خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالُوا: وَفُلاَنَةٌ تُصَلِّي المَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلاَ تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَإِذَا بَلَغَتْ أَذِيَّةُ الْجَارِ مَبْلَغًا يَجْعَلُ جَارَهُ يُفَارِقُ بَيْتَهُ لِأَجْلِ مَا يَلْقَى مِنْ أَذًى فَالمُؤْذِي عَلَى خَطَرٍ مِنْ نُزُولِ الْعُقُوبَةِ الْعَاجِلَةِ بِهِ، الَّتِي قَدْ تُهْلِكُهُ أَوْ تُهْلِكُ وَلَدَهُ أَوْ تُتْلِفُ مَالَهُ، قَالَ ثَوْبَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «...مَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَأَذَى الْجَارِ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، فَمِنْ أَذَى الْقَوْلِ: شَتْمُهُ وَسِبَابُهُ وَغِيبَتُهُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَيْهِ، وَتَشْوِيهُ سُمْعَتِهِ، وَالْوَاجِبُ إِحْسَانُ الْقَوْلِ لَهُ وَفِيهِ، وَسَتْرُ عُيُوبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّـهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ مِنَ الْفَوَاقِرَ: جَارَ سَوْءٍ إِنْ رَأَى حَسَنَةً غَطَّاهَا, وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَفْشَاهَا. وَالْفَوَاقِرُ هِيَ الدَّوَاهِي، كَأَنَّهَا تَحْطِم فَقَارِ الظَّهْرِ.
وَأَذَى الْفِعْلِ كَثِيرٌ سَوَاءً آذَاهُ فِي نَفْسِهِ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ آذَاهُ فِي مَالِهِ بِسَرِقَتِهِ أَوْ إِتْلَافِهِ، أَوْ آذَاهُ فِي أَهْلِهِ بِالتَّعَرُّضِ لَهُمْ، أَوِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، أَوْ آذَاهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ سَيَّارَتِهِ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِهِ، وَفِي حَدِيثِ المِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ»... وقَالَ: «لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَكَانَ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ يُفَاخِرُ فِي جَاهِلِيَّتِهِ بِأَنَّهُ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ جَارَتِهِ، وَلَا يَقْرَبُ بَيْتَهَا إِلَّا وَبَعْلُهَا حَاضِرٌ، وَأَشْعَارُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. فَالْجَارُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِرْضِ جَارِهِ وَحَرِيمِهِ، فَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنْهُمْ فِي غَيْبَةِ جَارِهِ كَمَا يَحْفَظُهُ بِحَضْرَتِهِ.
وَالْفُقَهَاءُ ذَكَرُوا كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِجِيرَانِ الدُّورِ وَجِيرَانِ المَزَارِعِ وَنَحْوِهَا، وَذَكَرُوا مَا يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ مِنْ فِعْلِهِ فِي مُلْكِهِ أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ كَطَرِيقٍ وَنَحْوِهِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ جَارَهُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مُلْكِهِ بِمَا يُؤْذِي جَارَهُ.
وَإِذَا احْتَاجَ الْجَارُ إِلَى مَنْفَعَةٍ فِي دَارِ جَارِهِ أَوْ حَائِطِهِ، فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ، وَمَنْعُهُ مِنْهَا يُوقِعُ الْأَذَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ أَذَى جَارِهِ، وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى امْرَأً أَصْلَحَ بَيْنَ جَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَتَحَمَّلَ فِي ذَلِكَ مَا تَحَمَّلَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الجَنَّةِ» فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي، فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الجَنَّةِ» قَالَهَا مِرَارًا. قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
مَا أَعْظَمَهُ مِنْ عَمَلٍ! وَمَا أَجَلَّهُ مِنْ ثَمَنٍ! أَعْطَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بُسْتَانًا كَامِلاً بِنَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِيَرْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ جَارِهِ، فَكَانَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَعْظَمُ وَأَحْسَنُ مِمَّا بَذَلَ.
أَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: قَدْ يُؤْذِي الْجَارُ جَارَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤْذِيهِ، أَوْ يَصْدُرُ مِنْ بَيْتِهِ مَا يُؤْذِيهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَمَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ يُؤْذِي بِهِ جِيرَانَهُ فَلْيَجْتَنِبْهُ، أَوْ يَسْأَلْهُمْ إِنْ كَانَ يَلْحَقُهُمْ أَذًى مِنْهُ، وَيَطْلُبُ الْعَفْوَ مِنْهُمْ.
وَكَمْ مِنْ جَارٍ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِإِزْعَاجِهِمْ فِي وَقْتِ رَاحَتِهِمْ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ تَخْرُجُ أَصْوَاتُ المَعَازِفِ مِنْ دُورِهِمْ أَوْ سَيَّارَاتِهِمْ آخِرَ اللَّيْلِ فَيُؤْذُونَ بِهَا المُتَهَجِّدِينَ، وَيُوقِظُونَ بِهَا النَّائِمِينَ، وَهَذَا مِنْ أَشَدِّ الْأَذَى.
وَكَمَا أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ أَذِيَّةِ الْجَارِ فَكَذَلِكَ يُرَغَّبُ فِي الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُ، وَتَحَمُّلِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِيهِ أَذًى، وَلَا يُقَابِلُ أَذِيَّةَ جَارِهِ لَهُ بِالْمِثْلِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَالَ مَحَبَّةَ اللَّـهِ تَعَالَى؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ...» وَذَكَرَ مِنْهُمْ: «وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَيَجِبُ تَرْبِيَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّ الْجَارِ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي إِكْرَامِ الْجَارِ مِنْ عَظِيمِ الْأَجْرِ، وَمَا فِي أَذِيَّتِهِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؛ فَإِنَّ الْأَذِيَّةَ قَدْ لَا تَصْدُرُ مِنَ الرَّجُلِ لِجَارِهِ، وَلَكِنْ مِنْ زَوْجِهِ أَوْ وَلَدِهِ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا يَتَسَاهَلُ بِهِ، بَلْ يُظْهِرُ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ أَذِيَّةِ جِيرَانِهِمْ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَدِيدٌ فَلَا يَتَهَاوَنُونَ بِهِ، وَالرَّجُلُ سُلْطَانُ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَاللهُ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
2/6/1437
الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ؛ شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْأَحْكَامَ، وَيَجْزِيهِمْ عَلَى الْتِزَامِهَا يَوْمَ المَعَادِ، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى النِّعَمِ وَالْآلَاءِ، فَهُوَ الرَّبُّ الْإِلَهُ الْعَظِيمُ، وَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَسْعَدَ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ بِإِيمَانِهِمْ، وَأَدَّبَهُمْ بِالْقُرْآنِ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُمْ، وَرَفَعَ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلَهُمْ، وَشَقِيَ المُعْرِضُونَ عَنْهُ بِإِعْرَاضِهِمْ، فَعَاشُوا لِدُنْيَاهُمْ وَنَسُوا أُخْرَاهُمْ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَلْقَوْنَ جَزَاءَهُمْ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْضَى الْخَلْقِ بِاللَّـهِ تَعَالَى رَبًّا، وَأَصْدَقُهُمْ لِلنَّاسِ نُصْحًا، وَأَكْثَرُهُمْ لِلْعِبَادِ نَفْعًا، دَلَّهُمْ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ يَنْفَعُهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ يَضُرُّهُمْ، وَكَادَ أَنْ يَهْلِكَ أَسَفًا عَلَيْهِمْ ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: 6] صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْرِفُوا مَا عَلَيْكُمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِأَدَائِهَا، وَمَا لَكُمْ مِنْهَا لِعَدَمِ تَجَاوُزِهَا؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا حَقَّ لَهُ، أَوْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ حَقٌّ عَلَيْهِ فَيَظُنُّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَيَفِي مَا عَلَيْهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ: حُقُوقُ الْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْحُقُوقِ وَآكَدِهَا، وَأَذِيَّتُهُ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ وَكَبَائِرِهَا، وَمَا أَشَدَّ جَهْلَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِهَا! فِي زَمَنٍ ضَعُفَتْ فِيهِ الرَّوَابِطُ وَالصِّلَاتُ، وَضُيِّعَتْ فِيهِ الْحُقُوقُ وَالْوَاجِبَاتُ، وَطَغَتِ الْفَرْدِيَّةُ وَالمَادِّيَّةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.
إِنَّ أَذَى الْجَارِ لِجَارِهِ فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ. وَتَحْقِيقُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَجَنُّبِ أَذِيَّةِ الْجَارِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَكَفُّ الْأَذَى عَنِ الْجَارِ سَبَبٌ لِتَحْقِيقِ كَمَالِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ مَنْفِيٌّ عَمَّنْ يُؤْذِي جَارَهُ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّـهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّـهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: «قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: شَرُّهُ».
فَلْنَتَأَمَّلْ شِدَّةَ الْوَعِيدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ يَنْفِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَّنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ، وَيُقْسِمُ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ أَصْدَقُ النَّاسِ وَأَعْلَمُهُمْ، وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِشِدَّتِهِ وَفَظَاعَتِهِ؛ نُصْحًا لِلْعِبَادِ، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَتَحْذِيرًا لَهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْ بَلَاغَةِ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيقُ الْإِيمَانِ عَلَى حُصُولِ الْأَمْنِ، فَكَمَالُ إِيمَانِ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِأَمْنِ جَارِهِ شَرَّهُ. فَقَدْ يُحْرَمُ دُخُولَ الْجَنَّةِ بِسَبَبِ أَذِيَّتِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِكَثْرَةِ مَا بَيْنَ الْجِيرَانِ مِنَ الْحُقُوقِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ أَدَائِهَا، وَكَثْرَةِ مَا يَقَعُ مِنْ أَذِيَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فَإِنَّهُمْ يَخْتَصِمُونَ عِنْدَ اللَّـهِ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنْ حُقُوقٍ قَدْ ضُيِّعَتْ، وَفِيمَا وَقَعَ مِنْ أَذَى بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٍ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَيَنَالُ مُؤْذِي جَارَهُ سَبَّ النَّاسِ وَمَلَامَتَهُمْ، وَكَمْ مِنْ شَخْصٍ شَكَا لِلنَّاسِ أَذَى جَارِهِ فَمَقَتُوهُ وَلَهَجُوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَارَ مُلَازِمٌ لِلدَّارِ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ دَارِهِ، فَيَبْقَى الْأَذَى عَلَيْهِ مَا بَقِيَ جَارُهُ المُؤْذِي، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ، لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَالِاقْتِصَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ كَفِّ الْأَذَى عَنِ الْجِيرَانِ، خَيْرٌ مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَعَ أَذَى الْجِيرَانِ؛ لِمَا رَوَى أَبَو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلم: «يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّ فُلاَنَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلم: لاَ خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، قَالُوا: وَفُلاَنَةٌ تُصَلِّي المَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلاَ تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَإِذَا بَلَغَتْ أَذِيَّةُ الْجَارِ مَبْلَغًا يَجْعَلُ جَارَهُ يُفَارِقُ بَيْتَهُ لِأَجْلِ مَا يَلْقَى مِنْ أَذًى فَالمُؤْذِي عَلَى خَطَرٍ مِنْ نُزُولِ الْعُقُوبَةِ الْعَاجِلَةِ بِهِ، الَّتِي قَدْ تُهْلِكُهُ أَوْ تُهْلِكُ وَلَدَهُ أَوْ تُتْلِفُ مَالَهُ، قَالَ ثَوْبَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «...مَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّا هَلَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المُفْرَدِ.
وَأَذَى الْجَارِ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، فَمِنْ أَذَى الْقَوْلِ: شَتْمُهُ وَسِبَابُهُ وَغِيبَتُهُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَيْهِ، وَتَشْوِيهُ سُمْعَتِهِ، وَالْوَاجِبُ إِحْسَانُ الْقَوْلِ لَهُ وَفِيهِ، وَسَتْرُ عُيُوبِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّـهِ بْنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ مِنَ الْفَوَاقِرَ: جَارَ سَوْءٍ إِنْ رَأَى حَسَنَةً غَطَّاهَا, وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً أَفْشَاهَا. وَالْفَوَاقِرُ هِيَ الدَّوَاهِي، كَأَنَّهَا تَحْطِم فَقَارِ الظَّهْرِ.
وَأَذَى الْفِعْلِ كَثِيرٌ سَوَاءً آذَاهُ فِي نَفْسِهِ بِالِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ آذَاهُ فِي مَالِهِ بِسَرِقَتِهِ أَوْ إِتْلَافِهِ، أَوْ آذَاهُ فِي أَهْلِهِ بِالتَّعَرُّضِ لَهُمْ، أَوِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، أَوْ آذَاهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ سَيَّارَتِهِ أَوْ أَيِّ شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِهِ، وَفِي حَدِيثِ المِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ»... وقَالَ: «لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ جَارِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَكَانَ الشَّاعِرُ الْعَرَبِيُّ يُفَاخِرُ فِي جَاهِلِيَّتِهِ بِأَنَّهُ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ جَارَتِهِ، وَلَا يَقْرَبُ بَيْتَهَا إِلَّا وَبَعْلُهَا حَاضِرٌ، وَأَشْعَارُهُمْ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. فَالْجَارُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى عِرْضِ جَارِهِ وَحَرِيمِهِ، فَيَحْفَظُ بَصَرَهُ عَنْهُمْ فِي غَيْبَةِ جَارِهِ كَمَا يَحْفَظُهُ بِحَضْرَتِهِ.
وَالْفُقَهَاءُ ذَكَرُوا كَثِيرًا مِنَ الْأَحْكَامِ المُتَعَلِّقَةِ بِجِيرَانِ الدُّورِ وَجِيرَانِ المَزَارِعِ وَنَحْوِهَا، وَذَكَرُوا مَا يُمْنَعُ الْإِنْسَانُ مِنْ فِعْلِهِ فِي مُلْكِهِ أَوْ فِي مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ كَطَرِيقٍ وَنَحْوِهِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ جَارَهُ، وَضَابِطُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مُلْكِهِ بِمَا يُؤْذِي جَارَهُ.
وَإِذَا احْتَاجَ الْجَارُ إِلَى مَنْفَعَةٍ فِي دَارِ جَارِهِ أَوْ حَائِطِهِ، فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ، وَمَنْعُهُ مِنْهَا يُوقِعُ الْأَذَى عَلَيْهِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ أَذَى جَارِهِ، وَرَحِمَ اللهُ تَعَالَى امْرَأً أَصْلَحَ بَيْنَ جَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَتَحَمَّلَ فِي ذَلِكَ مَا تَحَمَّلَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الجَنَّةِ» فَأَبَى، فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي. فَفَعَلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي، فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الجَنَّةِ» قَالَهَا مِرَارًا. قَالَ: فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ. فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
مَا أَعْظَمَهُ مِنْ عَمَلٍ! وَمَا أَجَلَّهُ مِنْ ثَمَنٍ! أَعْطَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بُسْتَانًا كَامِلاً بِنَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِيَرْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ جَارِهِ، فَكَانَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ أَعْظَمُ وَأَحْسَنُ مِمَّا بَذَلَ.
أَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: قَدْ يُؤْذِي الْجَارُ جَارَهُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤْذِيهِ، أَوْ يَصْدُرُ مِنْ بَيْتِهِ مَا يُؤْذِيهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَيَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَمَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ يُؤْذِي بِهِ جِيرَانَهُ فَلْيَجْتَنِبْهُ، أَوْ يَسْأَلْهُمْ إِنْ كَانَ يَلْحَقُهُمْ أَذًى مِنْهُ، وَيَطْلُبُ الْعَفْوَ مِنْهُمْ.
وَكَمْ مِنْ جَارٍ يُؤْذِي جِيرَانَهُ بِإِزْعَاجِهِمْ فِي وَقْتِ رَاحَتِهِمْ، وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ تَخْرُجُ أَصْوَاتُ المَعَازِفِ مِنْ دُورِهِمْ أَوْ سَيَّارَاتِهِمْ آخِرَ اللَّيْلِ فَيُؤْذُونَ بِهَا المُتَهَجِّدِينَ، وَيُوقِظُونَ بِهَا النَّائِمِينَ، وَهَذَا مِنْ أَشَدِّ الْأَذَى.
وَكَمَا أَنَّهُ يُنْهَى عَنْ أَذِيَّةِ الْجَارِ فَكَذَلِكَ يُرَغَّبُ فِي الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُ، وَتَحَمُّلِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِيهِ أَذًى، وَلَا يُقَابِلُ أَذِيَّةَ جَارِهِ لَهُ بِالْمِثْلِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَالَ مَحَبَّةَ اللَّـهِ تَعَالَى؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ...» وَذَكَرَ مِنْهُمْ: «وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ...» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَيَجِبُ تَرْبِيَةُ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّ الْجَارِ، وَكَفِّ الْأَذَى عَنْهُ، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي إِكْرَامِ الْجَارِ مِنْ عَظِيمِ الْأَجْرِ، وَمَا فِي أَذِيَّتِهِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ؛ فَإِنَّ الْأَذِيَّةَ قَدْ لَا تَصْدُرُ مِنَ الرَّجُلِ لِجَارِهِ، وَلَكِنْ مِنْ زَوْجِهِ أَوْ وَلَدِهِ، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَا يَتَسَاهَلُ بِهِ، بَلْ يُظْهِرُ غَضَبَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا وَقَعَ مِنْهُمْ مِنْ أَذِيَّةِ جِيرَانِهِمْ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَدِيدٌ فَلَا يَتَهَاوَنُونَ بِهِ، وَالرَّجُلُ سُلْطَانُ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَاللهُ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
المرفقات
فلا يؤذ جاره-مشكولة.doc
فلا يؤذ جاره-مشكولة.doc
فلا يؤذ جاره.doc
فلا يؤذ جاره.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق