فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ ..
عبدالله محمد الطوالة
1440/08/21 - 2019/04/26 17:31PM
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ الواقِي من اتَّقاهُ، الهادي لمن استَهداهُ، المستجيبُ لمن دعاهُ، لا مانعَ لما أعطاهُ، ولا رادَّ لما قضاهُ، ولا مُضِلَّ لمنْ هَداهُ، ولا هاديَ لمن أغواهُ، بقدرته المطلقةِ أنشأَ الكونَ وسواهُ، وبحكمته البالغةِ دبَّرَ الأمرَ وأمضاهُ، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوْا إِلا إِيَّاهُ} ..
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا معبودَ بحقٍّ سِواه .. الشمسُ والقمرُ مـن أنـوار حِكْمتِـهِ، والبـرُ والبحـرُ فـيـضٌ مــن عطـايـاهُ .. الطـيـرُ سبـَّحَهُ، والـوحــشُ مـجَّــدَهُ، والـمــوجُ كـبَّــرهُ، والـحــوتُ نـاجــاهُ .. والنمـلُ تحـتَ الصخـورِ الصُّـمِ قدَّسهُ، والنحلُ يهتفُ حمداً في خلاياهُ .. والنّاسُ يعصُونهُ جهـراً فيستُرَهُـم، والعبـدُ ينسـى وربـي ليـسَ ينسَــــاهُ ..
وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه ومصطفاهُ، خيرُ البريَّةِ وأزكاهَا، وأبرّهَا وأتقاهَا، وأشرَفَهَا وأعلاهَا، وأطهرَهَا وأنْقاهَا، وأصْدقهَا وأوفَاهَا، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبهِ والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا ..
أمّا بعدُ: فأوصيكم أيها النّاس ونفسي بتقوى الله عزّ وجلَّ، فاتقوا الله رحمكم اللهُ ما اسْتطعتُم، واستدركوا بالتوبة ما أضعتم، وبادروا بالأعمال الصالحةِ ما فرَّطتم .. من أصلحَ سريرتهُ, أصلحَ اللهُ علانيتهُ، ومن عملَ لدينه, يسَّرَ اللهُ لهُ أمرَ دنياهُ، ومن أحسنُ فيما بينهُ وبين اللهِ, أحسنَ اللهُ فيما بينهُ وبين النّاسِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ..
معاشر المؤمنين الكرام: قبل عدة سنوات احتفلت شركة ساترن الألمانية العملاقة لبيع الأجهزة الكهربائية والالكترونية ، احتفلت بافتتاح فرعها رقم (150) .. وكان الاحتفال عبارةٌ عن مسابقةٍ كبيرة، خُصصت لها جائزةٌ فريدة .. وهي أن يُسمحَ للفائز بدخول المحل الجديد لمدة (150) ثانية، ليأخذ منه كلَّ ما يستطيع أن يحمله أو يسحبه إلى منطقة المحاسبة دون أن يدفع شيئاً !! .. وكان الذي فاز بالمسابقة شابٌ اسمه (سباستيان) ، والذي ما إن سمح له بدخول المحل، حتى انطلق بمنتهى السرعة والنظام والتركيز، وكأنه يعرف بدقةٍ ما يريد !! ..
فبدأ بسحب عِدة شاشات كبيرة حتى أوصلها لمنطقة المحاسبة, ثم عاد مسرعاً لينتقى مجموعة معينة من الجوالات والحاسبات والكميرات، وأجهزة أخرى محدَّدة، وكلُّها من أفخم الماركات وأغلى الأسعار ! وقام برصها فوق بعضها وحملها مسرعاً حتى وضعها بجوار الشاشات السابقة، فعل ذلك مرتين، وسط انبهار الجميع من سرعة أداءه، وحسن اختياراته !! لدرجة أنه عرف أخيراً كيف يسحب "ثلاجة" كبيرة ويخرجها في آخر ثانية !! ولقد صفق له الجميع تصفيقاُ حاراً, احتفاءً وإعجاباً بما قام به من تخطيطٍ محكم، وجهدٍ منظم، وانجازٍ رائع .. وحين انتهت الـ(150) ثانية ارتمى سباستيان على الأرض من شدة التعب، فلقد بذل مجهوداً هائلاً !! وحين قاموا بحساب قيمة ما استطاع إخراجه في الـ(150) ثانية .. وجدوا أنه قارب الثلاثين ألف يورو !! أي ما يزيد عن المائة الف ريال سعودي .. أمَّا أول كلمةٍ قالها (سباستيان) بعد ما استردَ انفاسه فكانت : " لقد نجحت خطتي " !! .. إذن فقد كان لديه خطة, ولم تكن مصادفة ..
وحين أجروا معه لقاءً صحفياً فيما بعد .. قال إنه منذ أن سمع عن المسابقة وهو يذهب يومياً للمحل .. يخطط ويرسم مساره, ويحفظ أماكن الأجهزة الغالية التي يريد أن يأخذها، ويرتب طريقه، ويقدِّر الوقت حتى يخرجَ بأكبر قدرٍ ممكن من المكاسب خلال الـزمن المحدد .. وبالتالي فقد كان جاهزاً حين وقع عليه الاختيار .. !! وكانت أولُ كلمةٍ له بعد إنجازه الرائع : " لقد نجحت خطتي " !! ..
إنها صناعة الأهداف وتحديد الغايات يا عباد الله : فكل من استطاع أن يحفر اسمه في سجل العظماء وقوائم الناجحين، كانت له أهدافٌ واضحةٌ جليلة، وغايات بينةٌ عظيمة ـ. سخَّر من أجل الوصول إليها كل ما يملك من وقتٍ وفكرٍ, وجهدٍ وتركيزٍ, وهمَّةٍ ومال .. وإن قيمة الانسان وفائدته في هذه الحياة, مرتبطٌ بهذه الأهداف وجوداً وعدماً .. والانسان ما لم يكن قد سخَّرَ نفسه ومواهبه وامكانياتِه وكلَّ ما يملك من أجل اهدافٍ كبرى، وغايات عُظمى، فحياته لم تبدأ بعد ..
نعم أُخي المبارك : ما لم تكن قد وهبت نفسك لغاية عظيمة فحياتك لم تبدأ بعد ..
ومن أراد أن يكون في حياته ناجحاً منجزاً متميزاً .. فعليه أن يحددَ أهدافه بكل دقةٍ ووضوح، وبالورقة والقلم ..
أوليس من العجب يا عباد الله، أن الملاعب على كثرتها وتنوعها، لا يمكن أن يخلو ملعبٌ منها من أهداف أو ما يسمى بالمرمى .. ومن العجب أيضاً أن اللعب كله يتمحور حول هذه الأهداف .. وبدونها لا يدري اللاعبون ماذا يفعلون، لا من أين يبدؤون، وإلى أين ينتهون .. بينما حياة أكثر الناس بلا أهدافٍ حقيقية .. ورمضان قادمٌ بإذن الله ، فما هي أهدافنا في رمضان ..
نعم يا عباد الله : إن وجود الأهداف شيءٌ أساسيٌ في الحياة كما هو في اللعب والملعب .. فمن أجلها تتوحد الطاقات، وتُركَّزُ الإمكانيات ، وترسم الخطط، وتنظم البرامج، وتبذل الأموال، وتستفرغ الجهود ..
ومن الجدير بالملاحظة .. أن من شروط الأهداف أو المرمى أن يكون واضحاً بيناً ، يُرى من كل مكان في الملعب .. ولو قُدِّر إنعدام رؤية الهدفِ لأي سببٍ كان، فسيفسد اللعب ويتوقف فوراً .. وكذلك فلا حياة ناجحة, بلا أهدافٍ واضحةٍ محددة ..
ومن الجدير بالملاحظة أيضاً .. أن الوصول إلى الأهداف ليس بالأمر الهين .. فأمامها الكثير من العوائق والموانع والصعوبات، والشواغل التي لا بد أن تعترضَ طريق الواصل، وتصعِّبُ من مهمته، ولا سبيل للوصول إلا بتحدي هذه الصعوبات وتخطيها ..
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله .. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا .. وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً ..
إذا علم هذا .. يا عباد الله : فكيف يَقبَلُ الانسان على نفسه أن يعيش حياته الغالية بلا أهداف مميزة ولا غايات سامية ..
إلا إن اللحظةَ التي يستيقظُ فيها الانسانُ من غفلته، وقد انكشفت له الرؤية، واتَّقَدت بصيرته، واشتعَلت روحهُ حماساً، وارتقت همَّته، ووجدَّ نفسه وعرف قيمته، واتضحت له معالم الطريق إلى نهايته .. فيثب منطلقاً نحو هدفه وغايته، مُسخِراً من أجل ذلك مواهبه وطاقاته وكلَّ ما في جعبته .. تلك اللحظة الحاسمة يا عباد الله : هي البدايةُ الحقيقيةُ لولادته .. {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} .. {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} .. {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ..
يا عباد الله : إن اختيار الأهداف السامية, وتحديدها بدقة, هو الفارق الحقيقي بين الـمُنجِز المنتج, وبين المشتت الضائع .. وهي التي تعطي شعوراً إيجابياً مريحاً بأن المرء يسير في الاتجاه الصحيح بإذن الله .. كما أن الأهداف الواضحة تساهم في تجاوزَ العقبات والعراقيل، وأن يُنجِزَ في وقتٍ قصير أضعافَ ما يُنجِزهُ غيرُهُ في وقت أطولَ .. إنها عمليةٌ مبنيةٌ على مبدأ التركيز، ( ركز تنجز ) .. مبينةٌ على جمع الأشعة المبعثرة في عدسةٍ قادرةٍ على الإشعال، وإدارة الذات بشكل مثمرٍ فعال .. وهذا ما أثبتَتْه دراساتٌ عدة في هذا المجال؛ فقد تبيَّن أن النَّاجحين في تحقيقِ ما يصْبُون إليه .. عندهم تعلُّقٌ شديدٌ بهدفٍ معيَّن، وقد لوحظ أنه بمجرد تبيُّنِ الهدف واتِّضاحه، فإن إمكانات المرء تتضاعف، ويزداد نشاطُه وانتاجيته، ويتيقَّظ عقلُه ومداركه، ويتحسن مزاجه ونفسيته، وتتحرَّك دوافعه ورغباته، وتتولَّد لديه الأفكارُ الابداعية التي تخدُمُ غرضه، وتُسهِلُ عليه الوصول إليه .. ورمضان قادمٌ بإذن الله يا عباد الله، فما هي أهدافنا في رمضان ..
ذلكم يا عباد الله : أن المرءَ بلا أهدافٍ واضحة .. إنسانٌ مشتتٌ ضائع، يُهدِرُ أوقاتهُ وطاقاته بلا إنجاز .. ولتقريب الصورة أكثر، تصوَّر نفسك قائداً لسفينةً ضخمة، ذات امكانيات متعددة, تسير وسط بحرٍ هائلٍ متلاطم ، يموج بالمفاجئات والمصاعب .. إلا أن هذا القائد لا يدري عن حال سفينته شيئاً ، لا عن طاقمها، ولا عن حمولتها، ولا عن مسارها ، ولا عن وجهتها ، فهو يخبط بها خبط عشواء .. فما حال هذه السفينةُ, وكيف ستكون رحلتُها .. فإذا تصورت أن هذه الرحلةِ ستمتد سنواتٍ وأعماراً بأكملها .. فما هو حجم المأساة يا عباد الله .. هذا بالضبط ما يفعله الكثيرون بأنفسهم .. فألي متى يا عباد الله .. {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ..
فتذكر أُخي المبارك : تذكر جيداً أنه سيفوتك الكثير من الأشياء الرائعة إن لم تستهدفها مسبقاً .. وتذكر أن في أعماق كلٍّ منا قوةٌ هائلة, لا يوقظها إلا أهدافٌ عظيمةٌ محددةٌ ، تنطلق من رؤيةٍ واضحةٍ مُلهِمةٍ ، وعزيمةٍ صادقةٍ جازمةٍ .. ومن وضع الهدف فلن يٌعدمَ وسيلةً توصِلهُ إليه .. ورمضان قادمٌ بإذن الله يا عباد الله، فما هي أهدافنا في رمضان ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ..
بارك الله ..
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه .....
أما بعد فاتقوا الله عباد الله وكونوا من الصادقين, وممن يستمع القول فيتبع أحسنه .. واعلموا أن الناس يتفاوتون في مقاماتهم ومنازلهم بتفاوت صفتين أساسيتين من صفاتهم، وهما العلم والعزيمة .. ولذا كان من أكثر دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد" .. فالثبات في الأمر هو العلم ، والرشد هو صلاح الأحوال واستقامة الأمور .. والعلم مع قوةُ الإرادة ومضاءُ العزيمةِ هما بإذن الله وعَونه سرُّ النجاح في الحياة ، والعزيمةُ على الرشد لا يقدرُ عليها إلا عُظماء الرجال، الذين إذا توجَّهوا إلى شيءٍ وصلوه ، وإذا أرادوا أمراً نفذوه ، وإذا حددوا هدفاً حققوه ..
العزيمة على الرشد : تتطلب من الإنسان أن يرتقى بنفسه من الحال التي هو عليها إلى الحال الأكمل والأفضل .. إذا كنت ذا رأيٍّ فكن ذا عزيمةٍ .. فإن فساد الرأيِّ أن تترددا .. {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ..
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك, واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا, ولكن قل: قدَّر اللهُ وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتحُ عمل الشيطان" ..
المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله : لأنه يأخذ أمره بعزيمةٍ لا رخاوة معها ، ومضاءٍ لا تراجع فيه : ﴿خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ .. وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ .. وإنَّ صدق العقيدة وصحتها ليضفي على المؤمن قوةً تظهَرُ في أعماله كلها، فإذا تكلمَ كان واثقاً، وإذا عزمَ كان ماضياً، وإذا عمِلَ كان ثابتاً، وإذا جادلَ كان واضِحاً، وإذا فكّرَ كان مطمئناً، لا يعرف التردد ولا الرخاوة، يأخذ تعاليم دينه بكل ثقةٍ وقوة : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} ..
المؤمن القوي واضح الهدف ، بيِّن العزيمةِ ، مجتَمِعُ النِّيةِ، مُتَمَاسِك البُنيَةِ ، يسير في طريقه على بصيرة من أمره، إذا رآى الناس على الحق أعانهم، وإن رآهم على الخطأ جانبهم، متمثلاً قول ابن مسعود رضي الله عنه: " لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت ، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تتجنبوا أساءتهم " ..
والعزيمة على الرشد من صفات الصفوة .. قال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ .. وأصحاب العزائم القوية يتحقق لهم ما يشبه المستحيل في نظر غيرهم، قال المتنبي: عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ .. وتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ .. وتَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا .. وَتَصغُرُ فِي عَيْنِ العَظِيمِ العَظَائِمُ ..
وقد ذم الله المنافقين على ضعف عزائمهم، وكسل هممهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ ..
فدعِ النوم وسابق للعُلا .. فالعُلا وقفٌ على من لم يَنَمِ .. ومن طلب العُلا سَهَرَ الليالي .. وبقدر الكدِّ تُكتَسبُ المعالي .. والمرءُ يقاسُ بهمَّتهِ، وربَّ همَّةِ أحيت أًمَّة ، وأوصلتها للقمة .. فكن رجلاً إن أتو بعدهُ .. يقولون مرَّ وهذا الأثر ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، البر لا يبلى والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، وكما تدين تدان .. اللهم صل ..