فكلا أخذنا بذنبه 7/6/1447

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1447/06/06 - 2025/11/27 18:06PM

الحمد لله ذي المن والعطاء ، أنعم علينا بالأمن والرخاء، وجاد علينا بالراحة والهناء وأشهد أن لا إله إلا هو رب الأرض والسماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم والوجه الوضاء صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء والأبطال الكرماء وسلم تسليما كثيرا أما بعد

فاتقوا الله يا أمة خير الأنام واشكروا نعمة ربكم بلدة طيبة ورب غفور

فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية وأما قرى لوط فجعل عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجيل ، وأما قوم نوح فمما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ، وأما فرعون فأخذه الله نكال الخرة والأولى وأما قارون فخسفنا به وبداره الأرض ( فكلا أخذنا بذنبه .. )

سنة من سنن الله ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا

سنة قررها القرآن وأكدتها الأحداث والحوادث على مر العصور

سنة نصها (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

إنها حقيقة تقرر عدل الله في معاملة العباد فلا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم ويبدلوا سلوكهم ويقلبوا أوضاعهم

إن سنة الله لاتحابي أحدا وإن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب ولا رابطة إلا هذا الدين فمن وفى وفى الله له. ومن نكث فإنما ينكث على نفسه. ( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين .)

إنها حقيقة ينساها الناس أن الذنوب تهلك أصحابها وأن الله هو الذي يهلك المذنبين بذنوبهم وأن هذه سنة ماضية ولو لم يرها فرد في عمره القصير أو جيل في أجله المحدود، ولكنها سنة تصير إليها الأمم حين تفشو فيها الذنوب وحين تقوم حياتها على الذنوب.

لقد نص كتاب الله أن الأمم تهلك ويذهب عزها إذا ساد فيها الظلم بشتى صوره وأيا كان مصدره ،  ( ولقد أهلكا القرون من قبلكم لما ظلموا )

ويتنزل العذاب حينما يسود البطر والأشر وينعدم الشكر ويكفر بنعم الله ويستعان بها على معصية الله (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ).

وحينما يسكت أفراد الأمة عن قول الحق ويتخلون عن الإصلاح يحق عليهم قول ربهم ويعرضون أنفسهم لمقت الله وسخطه ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )

ويحل الخوف وتنزل المسغبة وينعدم الاستقرار وتخرب الديار إذا اهتزت عقيدة الولاء والبراء ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).

وبين كتاب الله سببا من اسباب العذاب مصدره المترفون ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها .. )

إن هذه الآية تقرر سنة إلهية فإذا قدر الله لأمة أنها هالكة لأنها أخذت بأسباب الهلاك فكثر فيها المترفون فلم تدافعهم ولم تأخذ على أيديهم سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها فحقت عليها سنة الله وأصابها الدمار والهلاك وهي المسؤولة عما يحل بها لأنها لم تأخذ على أيدي المترفين. ولم تقف في وجه المفسدين .

وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعض أنواع العذاب الذي يحل بالأمة إذا هي انحرفت عن منهج الله وضلت الطريق السوي وعملت بالمعاصي ولم يوجد التغيير ولم يوجد من يقف في وجه الباطل ويقاوم المنكر فيقول عليه السلام: يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتليتم بهن ونزلن بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن.لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم

إن الأمة معرضة لعقوبة من السماء حينما يجاهر أفرادها بمعصية الله ويستعلنون بمخالفة أوامر الله، وإذا جاهر الناس بالمعصية وكثرت الخبائث وانتشر الفسق وظهر الفجور كان ذلك إيذانا بقرب الخراب والدمار والهلاك وهذه سنة الله في الكون ولن تجد لسنة الله تبديلا

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أم المؤمنين زينب بنت جحش فزعا يقول: «لاإله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بالإبهام والتي تليها. فقالت زينب: يارسول الله، أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث.

وعذاب الله أيا كان نوعه يتنزل حينما تستحل الأمة ما حرم الله عليها وتتساهل في أحكام دينها وشريعة ربها.

إن استحلال المحرمات والتساهل في دين الله يوجب المقت والغضب والبلاء، وإذا نزل البلاء فإنه لا يقتصر على الفسقة والمجرمين (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة

وبالجملة فإن عذاب الله شديد وبطشه أليم ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ماترك عليها من دابة وإنما يصيبهم ببعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون )

نسأل الله أن يرحمنا برحمته ويلطف بنا بلطفه إنه بعباده لطيف خبير ..  اقول ها القول ...

الخطبة الثانية

أما بعد : فإن ربنا كان بالمؤمنين رحيما ، وليس لله حاجة في أن يعذب عباده وإنما يريهم آياته ونذره حتى يتبين لهم أنه الحق وحتى ينيبوا إلى ربهم ويسلموا له ولعلهم يتقون

وربنا برحمته ماكان ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون وماكان معذبا أمة حتى يبعث رسولا ويريهم نذيرا

إن عذاب الله يستدفع بالاحتساب والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بأضعف الإيمان ( وماكان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) فلابد من القيام بهذه الشعيرة وأن لاتترك سفينة المجتمع لعبث العابثين وتصرفات المنحرفين والفاسدين والمفسدين الذين إن تُركوا أرخصوا القيم العليا التي لاتعيش الشعوب إلا بها ولها ومن ثم تتحلل الأمة وتسترخي وتفقد حيويتها وعنصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : «إن الله لايعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة.

استدفعوا عذاب الله وعقابه بكثرة الاستغفار ( وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فلولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون

أشيعوا الاستغفار ورطبوا به ألسنتكم فإنكم لاتدرون متى تنزل الرحمة ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية ورزقه من حيث لايحتسب ، ولو استغفرت الأمة ربها لأرسل عليهم السماء مدرارا ، وأمدهم بأموال وبنين وجعل لهم جنات وأنهارا

استمطروا رحمة الله واتقوا عذابه بشكر نعمه بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم (مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ) وما هلكت أمم إلا حينما كفرت بأنعم الله فأذاقها لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ( ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور )

استدفعوا عذاب الله وعقابه بكثرة الدعاء ( قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم ) ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ) ومن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا إلا الالتجاء بحماه ، والتضرع إليه ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض .. أإله مع الله )

وختاما يامسلمون: ( إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا )

إنها دعوة للأمة أفرادا وجماعات رجالا ونساء أن يشتعل فتيل العبودية بين جوانحهم فيزدادوا إقبالا على أعتاب المولى الكريم وأن يقوموا فيطرقوا باب الله عز وجل بانكسار وأن يلجأوا إليه بالضراعة وأن يبسطوا أكف الافتقار الحقيقي إلى الله عز وجل، ولا عليهم إن كانوا قبل ذلك عصاة ، ولا عليهم إن كانوا إلى هذه اللحظة شاردين عن باب الله فإن الله يحب أنين التائبين .

اطرقوا باب الله غدوا وعشيا ولوذوا بباب الله أينما كنتم وفي أي مكان وجدتم ..خاطبوا ربكم الذي يراكم ولاترونه والذي هو أقرب إليكم من حبل الوريد لايكن حظنا من هذا الكلام أن نطرق الرؤوس ونردد نحن أحسن من غيرنا فلقد أُهلكت ثمود بقتل ناقة، وهزم جيش المسلمين في أحد بمعصية .

ها أنتم هؤلاء تدعون للعودة إلى الله وتغيير الحال في النفس والأهل والمشاركة في حفظ أمن الأمة ورخائها وما أجمل الاستجابة وما أحلى الانابة وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم

اللهم أدم علينا نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان ،

المرفقات

1764248787_فكلا أخذنا بذنبه.docx

المشاهدات 903 | التعليقات 0