فقه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

د. محمود بن أحمد الدوسري
1438/12/18 - 2017/09/09 19:18PM

فقه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

د. محمود بن أحمد الدوسري

 20/1/1438

       قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  [الأحزاب: ٥٦] (1).

       دلت الآية الكريمة على رفعة درجته النبي صلى الله عليه وسلم, وعلو منزلته عند الله تعالى, وخلقِه, ورفع ذِكره؛ لأنَّ الله تعالى أثنى عليه بين الملائكة, وفي الملأ الأعلى؛ لمحبَّته وعظيم منزلته عنده, وأمر المؤمنين بالصلاة عليه.        

       وسياق الآية الكريمة يدل على أنَّ هذه الصلاة مستمرة ومتجددة؛ حيث أتى بصيغة الفعل المضارع في قوله تعالى: {يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}, والتي تفيد التجدد والاستمرار.

       والإجماعُ مُنعقدٌ على أنَّ في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها(2).

       (المسألة الأولى): ما معنى صلاة الله وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} ؟

       1- صلاة الله تعالى: ثناؤه عليه عند الملائكة, وصلاة الملائكة الكرام: الدعاء له(3), ورجحه ابن القيم, والسخاوي, وابن حجر, وغيرهم(4).

       2- الصلاة بمعنى: البركة, واختاره الطبري.

       قال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ)(5).

       وقال ابن القيم - رحمه الله: (وهذا لا ينافي تفسيرها بالثناءِ, وإرادةِ التكريمِ والتعظيم؛ فإنَّ التَّبريك من الله يتضمَّن ذلك, ولهذا قُرِنَ بين الصلاة عليه والتبريك عليه) (6) أي: في الصلاة الإبراهيمية.

       والخلاصة: أن الله تعالى يُثني على نبيه الكريم عند الملائكة. والملائكة: تدعوا له بالبركة.

       وفي ذلك يقول الناظم(7):  صَلَّى الإلهُ بعَظَمِه وجلالِه             ثم الملائكةُ الكرامُ على النَّبِي 

                                                 فهو الحبيبُ لربِّنا ربِّ العُلا           وهـو الدليلُ لجنَّةِ لا تختبِي

       (المسألة الثانية): ما الفرق بين صلاة الله على نبيه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}, وصلاته على المؤمنين في قوله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣] ؟

       الصلاة من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثناءٌ وتشريفٌ وزيادةُ تكريمٍ, والصلاة من الله تعالى على مَنْ دون النبيِّ فيها رحمةٌ, ومنه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣], فالصلاة من الله تعالى للمؤمنين: الرحمة. ومن الملائكة: الاستغفار للمؤمنين, وبذلك يظهر الفرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين سائر المؤمنين, فمقامه أعظم وأرفع من سائر المؤمنين(8).

       (المسألة الثالثة): ما معنى صلاة المؤمنين وسلامهم على النبي صلى الله عليه وسلم؟

       قال الله تعالى - آمراً المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} المراد بقوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ}: أي: (ادعوا ربَّكم بالصلاة عليه)(9).

       وكذلك (معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: تعظيمه, فمعنى قولنا: (اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحمدٍ) عَظِّمْ محمداً. والمراد: تعظيمه في الدنيا؛ بإعلاء ذِكره, وإظهار دينه, وإبقاء شريعته. وفي الآخرة؛ بإجزال مثوبته, وتشفيعه في أُمَّته, وإبداء فضيلته بالمقام المحمود) (10).

       وقوله: {وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}: أي: (حيوه بتحية الإسلام) (11).

       معشر الفضلاء .. وفي الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عشر ثمرات وعشر فوائد:

       الأُولى: صلاة المَلِك الجبار, والثانية: شفاعة النبي المختار, والثالثة: الاقتداء بالملائكة الأبرار, والرابعة: مخالفة المنافقين والكفار, والخامسة: محو الخطايا والأوزار, والسادسة: قضاء الحوائج والأوطار, والسابعة: تنوير الظواهر والأسرار, والثامنة: النجاة من عذاب دار البوار, والتاسعة: دخول دار الراحة والقرار, والعاشرة: سلام المَلِك الغفار(12).

       (المسألة الرابعة): ما هي صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟

       صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتنوعة, وأفضلها ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الكرام رضي الله عنهم, ومن ذلك:

       1- ما جاء عن كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ - رضي الله عنه - قال: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فإنَّ اللَّهَ قد عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ, قال: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كما صَلَّيْتَ على إبراهيمَ, وَعَلَى آلِ إبراهيم, إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ على مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كما بَارَكْتَ على إبراهيمَ, وَعَلَى آلِ إبراهيم, إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (13).

       2- وما جاء عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قال: قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ! هذا السَّلاَمُ عَلَيْكَ, فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك؟ قال: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ, كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبراهيمَ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ, وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ, كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبراهيمَ, وَآلِ إبراهيم) (14).

 الخطبة الثانية

       الحمد لله ...

       (المسألة الخامسة): قد يقول قائل: إذا صلَّى اللهُ تعالى وملائكتُه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأيُّ حاجةٍ إلى صلاة المؤمنين عليه؟

       الجواب: صلاة المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم ليس لحاجته إليهم, وإلاَّ فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاةِ اللهِ عليه، وإنما المقصود هو إظهار تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أنَّ الله تعالى أوجب على المؤمنين ذِكرَه سبحانه ولا حاجة له إلى هذا الذِّكر، والفائدة من صلاة المؤمنين على النبي صلى الله عليه وسلم هي إظهار تعظيمه, شفقةً عليهم ليثيبهم على ذلك، ولذلك رتبَّ الله تعالى الأجور العظيمة على مَنْ صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عليه عَشْرًا) (15),  وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ كَتَبَ اللهُ عز وجل لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ) (16).

       فالله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والسلام على رسوله الكريم؛ اقتداءً بالله تعالى وملائكته الكرام، وجزاءً له صلى الله عليه وسلم على بعض حقوقه عليهم، وتكميلاً لإيمانهم، وتعظيماً له صلى الله عليه وسلم ، ومحبةً وإكراماً، وزيادةً في حسناتهم، وتكفيراً عن سيئاتهم (17).

       أيها الأحبة .. والخلاصة: (أنَّ الله سبحانه وتعالى أخبر عبادَه بمنزلةِ عبدِه ونبيِّه عنده في الملأ الأعلى؛ بأنه يُثني عليه عند الملائكة المقربين, وأنَّ الملائكة تُصلِّي عليه, ثم أَمَرَ تعالى أهلَ العالَم السُّفلي بالصلاةِ والتَّسليم عليه؛ لِيَجْتمِعَ الثناءُ عليه من أهلِ العالَمَين العُلوي والسُّفلي جميعاً) (18).

       اللهُ فضَّل خيرَ الخَلْقِ بالكَرَم        وأفْضَل الناسِ من عَرَبٍ ومن عَجَمِ

      هو النبيُّ الذي فاقَتْ فضائِلُه        وخَـصَّه اللهُ بالتَّـنزيلِ والحِـكَـمِ

      اخْتَصَّـه بكتابٍ بيِّنٍ عَلَـمٍ              هـدى العِـباد بـه مِنْ غُمَّةِ الظُّلَمِ 

      اللهُ فضَّـلَه, اللهُ أكْـرَمَـه                  اللهُ أرسلـه مِـنْ جُـملـة الأُمَـمِ 

      صلوا عليه عِبادَ اللهِ كُلُّكُمُوا        إنَّ الصلاةَ له تُنْـجِي مـن الـنِّقَمِ (19)

ــــــــــ

(1) انظر: منهج القرآن الكريم في تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتكريمه, (ص335 – 337).

(2) انظر: فتح الباري, (11/156).

(3) انظر: تفسير مجاهد, (2/520)؛ تفسير الماوردي, (4/43).  

(4) انظر: جلاء الأفهام, (ص168)؛ القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع, للسخاوي (ص13).

(5) أورده البخاري, معلقاً, (4/1802), ووصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن  ابن عباس. انظر: تغليق التعليق على صحيح البخاري,             لابن حجر (4/286).    

(6) جلاء الأفهام, (ص168).

(7) بستان الواعظين ورياض السامعين, (ص289).

(8) انظر: فتح الباري, (11/156).

(9)   فتح الباري, (11/156).

(10)  فتح الباري, (11/156).

(11) تفسير البغوي, (3/542).

(12) انظر: بستان الواعظين ورياض السامعين, عبد الرحمن بن أبي الحسن البغدادي (ص297).

(13) رواه البخاري, (3/1233), (ح3190).

(14) رواه البخاري, (5/2339), (ح4845).

(15) رواه مسلم, (1/306), (ح408).

(16) رواه أحمد في (المسند), (2/262), (ح7551)؛ والنسائي في (الكبرى), (6/21), (ح9889)؛ وابن حبان في (صحيحه), (3/195), (ح913).                         وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة), (7/1080), (3359).

(17) انظر: تفسير السعدي, (1/671).

(18) تفسير ابن كثير, (3/508).

(19) بستان الواعظين ورياض السامعين, (ص293).

 

 

المشاهدات 1032 | التعليقات 0