فضيلة العمل والكسبِ في الإسلام, ونداءٌ للشباب بترك البطالة والكسل 4-12-1434
أحمد بن ناصر الطيار
1434/12/15 - 2013/10/20 07:01AM
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسبحان الله ربِّ العرش عما يصفون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق المأمون، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, الذين هم بهديه مُتَمَسِّكُون, وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد, فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ دين الإسلام دينٌ شاملٌ وكامل, علَّمنا ما نحتاجه في ديننا ودُنيانا, فهاهو القرآن العظيمُ يعلمنا أحكامَ ومسائلَ الدَّين, في أطول آيةٍ فيه, ويَتكلَّمُ في آياتٍ طويلةٍ عن آداب الاستئذان والنكاح, ويُعلمنا التعامل والأخلاق في السلم والحرب, مع المسلمين والكفار, يُعلمنا كيف آداب الصحبة والمعاشرة.
فالحمد لله الذي جعلنا من أبناء هذا الدين, وأتباع سيِّدِ الْمُرسلين.
معاشر المسلمين: وممَّا جاء الإسلامُ بتأكيده والحثِّ عليه: العمل وبناءُ الأرض وعمارِتُها, حتى لحظةَ قيام الساعة, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ". رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح
وأمرَنا أنْ نسعى في الأرض ونبتغيَ من فضله, قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله}.
واعلموا - معاشر الشباب- ويا من يشكي من البطالة وقلَّة الوظائف, ويا من يشمئزُّ من الحرف اليدوية, والتجارةِ الحرّة, اعلموا أنَّ أنبياء الله -عليهم السلام-, مع عَظَمَتهم وشرف رسالتهم, كانوا يُمارسون شتَّى الحِرَف والأعمال، فنوحٌ -عليه السلام- مارس مِهْنةَ صناعة السفن: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) [هود:37].
وداودُ -عليه السلام- الذي كان خليفةً في الأرض، ومع ذلك كان لا يَأْكُلُ إلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ, فأصبح حدَّادًا يصنع الدروع, قال الله تعالى عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} يعني صنعة الدروع.
قال ابن حجرٍ رحمه الله: "الذي كَانَ يَعْمَلُهُ دَاوُدُ بِيَدِهِ: هُوَ نَسْجُ الدُّرُوعِ, وَأَلَانَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ, فَكَانَ يَنْسِجُ الدُّرُوعَ وَيَبِيعُهَا, وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ, مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُلُوكِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَدَدْنَا ملكه}. ا.ه كلامه
ونبيُّ الله زَكرِيّا -عليه السلام- كَانَ نَجَّارًا, كما في صحيح مسلم , فكان يصنع ويُصلح الأخشاب.
ونبيُّ الله موسى -عليه السلام-: أجَّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين.
بل وجميعُ الأنبياء - عليهم السلام-, وفي مُقدِّمتهم محمدٌ خيرٌ الأنام: كانوا رُعاةً للغنم.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ». رواه البخاري
فهل يعي شبابُنا أنَّ مِهنة العمل والبيع شريفة؟
وهاهم أفضل وأكرم الخلقِ بعد الأنبياء, أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كانوا تُجَّاراً في الأسواق, ومُنشغلين بالبيع والزراعة وجلبِ الأرزاق, قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ: كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ. متفق عليه
قال ابن بطالٍ رحمه الله: في هذا الحديث: عمل الصحابة في الحرث والزرعِ بأيديهم، وخدمةُ ذلك بأنفسهم، وأنَّ الامتهانَ في طلب المعاش للرجال والنساء: مِن فعل الصالحين، وأنه لا عار فيه ولا نقيصةَ على أهل الفضل. ا.هـ كلامه
فيا معاشر الشباب, هؤلاء الأنبياء والمرسلون, والصحابة المتقون, والسلف الصالحون, منهم النجارون والمزارعون, ورُعاةُ الأغنام والنَّسَّاجون, ولم يزدهم ذلك إلا رفعة في الدنيا والآخرة, ولم يترفعوا عن هذه الأعمال, فما بالكم تترفعون عنها وتشمئزُّون منها, وترضون بالبطالة.
فهل يعي شبابُنا هذا الْمَبدأ, وهو أنْ يعملوا ويَجِدُّوا في طلب المال, ليُحصِّنوا أنفسهم, ولا ينتظروا الوظائف الرسمية, ولا الأعمال الحكومية, فما بالهم يتأخرون عن الزواج, وإحصانِ فرجهم, بدعوى البطالةِ وعدمِ الوظيفة, فأين هم مِن نبيِّنا وقُدْوتِنا صلى لله عليه وسلم, الذي كان يُتاجر في مال خديجة -رضي الله عنها- أيَّام شبابه, ليتحصل على مالٍ يُغني به نفسه, ويُقدِّمُه مهراً لزواجه, وأين هم مِن موسى -عليه السلام-, الذي كان يُؤجِّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين، لكي يُعفّ نفسه ويصونَها, بزواجه من ابنة الرجل الصالح في مدين.
وأين هم مِن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه, حينما أَرَاد أَنْ يتزوج فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وليس عنده مالٌ ولا وظيفة, إنما كَانَتْ له ناقتان, فبدأ يعمل ويُتاجر بهما, فيحمل عليهما المتاعَ ويبيعه في السوق.
وهكذا كان الأفاضل من التابعين والصالحين, مع اهْتمامهم بأمور الآخرة, إلا أنهم كانوا يُمارسون الحرف والتجارة, ولا يرونها عيباً ومهانة.
قال سفيان الثوري رحمه الله: عليك بعمل الأبطال, الكسب من الحلال, والإنفاق على العيال.
وقد كان كبار الصحابة وزُهُّادُهم وعُلماؤهم: يعملون بالتجارة, ويسعون إلى تنميةِ أموالهم.
روى البخاري في صحيحه , أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ بالبركة, وكَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ, فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, فَيَقُولَانِ لَهُ: أَشْرِكْنَا في تجارتك؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ, فَفعل ذلك وأشْرَكَهُمْ.
وهم يفعلون ذلك؛ لما علموه من منافع الأموال وفائدتِها, والضررِ المترتِّب عند الحاجةِ إليها, قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: إن المال فيه صنائعُ المعروف, وصلةُ الرحم, والنفقةُ في سبيل الله عز وجل, وعونٌ على حسن الخلق, وفيه مع ذلك شرفُ الدنيا ولذتُها.
وصدق القائل :
إذا قلَّ مالُ العبد قلَّ صفاؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدري وإنْ كان حازما ... أَقُدَّامه خيرًا له أو وراؤُه
واعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ تقاعُس شبابنا عن العمل, بحجة عدمِ مُلاءمته لهم, سببٌ رئيسيٌّ في انتشارِ البطالة, مِمَّا زاد في مُعدَّلات الجريمة, بسبب الفراغ والحقد على الدولة وأصحابِ الأموال.
ومن الجهل والحماقة: أنْ ينظُر بعض الناس نحو الحِرَفِ اليدويةِ: نظرةً دُونيَّةً ازدرائيةً.
فهل يليق بأنْ نَصِفَ من يعملُ في رفع القُمامة وإماطةِ الأذى، وتنظيفِ الطُرقات والْممرات، يبتغي من ذلك إطعامَ أطفاله أو إعفافَ نفسه: هل يليق بأنْ نَصِفَه بصفاتٍ قبيحة, ونَنْظُرَ إليه نظرةَ احتقارٍ وازدراء؟.
ما ذا لو امْتَنَعُوا عن العمل، كيف ستكون شوارعنا وطُرُقاتُنا؟ وسنعرف حينها قيمة ما عملوه لِمُجْتَمَعِنا.
نسأل الله تعالى, أنْ يُصلح شباب الأُمَّة, وأنْ يُجنِّبَهمُ الفراغ والبطالة, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: كانت امْرَأَةٌ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وتُنظِّفه, فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا, فَقَالُوا: مَاتَت, قَالَ: « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي», يقول الراوي: فكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا, أي أنها أقل من أنْ يُصلي عليها النبي صلى الله عليه وسلم, فَقَالَ: « دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا.
إنه يُعلِّمُنا صلى الله عليه وسلم, أنه لا يجوز لمن يخدمُ دينَه ومُجتَمَعه, أنْ يُحتَقَر ويُزْدَرى, مهما كانت مِهْنتُه, ومهما كانت جِنْسيَّته ولونه.
هذه المساجد التي نحن فيها, والبيوتُ التي نسكنها, والمصانعُ والفنادقُ والْمُؤسَّسات, مَنِ الذي شيَّد بناءَها وعمرها؟ أليسوا هم أولئك الذين يزدريهم بعضُ الناس؟, ويزدري مِهْنتهم ووظيفتهم؟, ألا يستحق هؤلاء الرِّجالُ الأبطال, أنْ ننظر إليهم نظرةَ إكبارٍ وإجلال, وأنْ يستفيد شبابُنا من خِبْراتهم, ويعملوا مثل أعمالهم أو بعضَها؟.
وهذه امرأةٌ طلَّقها زوجُها, بعد أنْ كبُر سنُّها وكثُّر أولادُها, فضاق بها الحال, وأرهَقَها صياحُ العيال, ولا دخلَ لديها ولا مال, فهل تَكُونُ حبيسةَ الجُدران, عالةً على الأقاربِ والجيران, غارقةً في الهموم والأحزان؟, لا, بل شقَّتْ طريق حياتِها بنفسها, مُعتمدةً على ربِّها, أدارتْ ظهرها نحو ماضيها, فاسْتغلَّتْ آلةَ خياطتِها, واسْتثمرتْ خِبْرتَهَا في إعْدادِ طعامِها, فأنْتَجَتْ أصْنافاً من الطعامِ والشراب, وصنَعَتْ شتَّى أنواعِ الأرْديةِ والثياب, فاغْتنت بعد فقرها, وعزَّتْ بعد ذُلِّها, وصانت وجهها وحفظتْ كرامتها.
فأين أنتم - معاشر العاطلين- من هذه المرأة, أين مَن يقول بأنَّ الأبواب أُغلقت في وجهي, والوظائفَ أُخذت كلَّها عنِّي.
إلى متى وأنتم عالةٌ على آبائكم, إلى متى وأنتم تمدُّون أيْدِيَكم إلى أهليكم؟, ألم تبلغوا في السنّ مبلغ الرجال, فإلى متى وأنتم على هذا الحال, فدعوا الخمول والكسل, وقوموا للجدِّ والعمل.
نسأل الله تعالى, أنْ يوفق شبابنا لما فيه الخير والصلاح, وأنْ يهديهم سُبُل الرشاد, إنه على كلِّ شيءٍ قدر.
أما بعد, فاتقوا عباد الله, واعلموا أنَّ دين الإسلام دينٌ شاملٌ وكامل, علَّمنا ما نحتاجه في ديننا ودُنيانا, فهاهو القرآن العظيمُ يعلمنا أحكامَ ومسائلَ الدَّين, في أطول آيةٍ فيه, ويَتكلَّمُ في آياتٍ طويلةٍ عن آداب الاستئذان والنكاح, ويُعلمنا التعامل والأخلاق في السلم والحرب, مع المسلمين والكفار, يُعلمنا كيف آداب الصحبة والمعاشرة.
فالحمد لله الذي جعلنا من أبناء هذا الدين, وأتباع سيِّدِ الْمُرسلين.
معاشر المسلمين: وممَّا جاء الإسلامُ بتأكيده والحثِّ عليه: العمل وبناءُ الأرض وعمارِتُها, حتى لحظةَ قيام الساعة, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ". رواه الإمام أحمد بإسنادٍ صحيح
وأمرَنا أنْ نسعى في الأرض ونبتغيَ من فضله, قَالَ الله تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله}.
واعلموا - معاشر الشباب- ويا من يشكي من البطالة وقلَّة الوظائف, ويا من يشمئزُّ من الحرف اليدوية, والتجارةِ الحرّة, اعلموا أنَّ أنبياء الله -عليهم السلام-, مع عَظَمَتهم وشرف رسالتهم, كانوا يُمارسون شتَّى الحِرَف والأعمال، فنوحٌ -عليه السلام- مارس مِهْنةَ صناعة السفن: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) [هود:37].
وداودُ -عليه السلام- الذي كان خليفةً في الأرض، ومع ذلك كان لا يَأْكُلُ إلا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ, فأصبح حدَّادًا يصنع الدروع, قال الله تعالى عنه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} يعني صنعة الدروع.
قال ابن حجرٍ رحمه الله: "الذي كَانَ يَعْمَلُهُ دَاوُدُ بِيَدِهِ: هُوَ نَسْجُ الدُّرُوعِ, وَأَلَانَ اللَّهُ لَهُ الْحَدِيدَ, فَكَانَ يَنْسِجُ الدُّرُوعَ وَيَبِيعُهَا, وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ ثَمَنِ ذَلِكَ, مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْمُلُوكِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَدَدْنَا ملكه}. ا.ه كلامه
ونبيُّ الله زَكرِيّا -عليه السلام- كَانَ نَجَّارًا, كما في صحيح مسلم , فكان يصنع ويُصلح الأخشاب.
ونبيُّ الله موسى -عليه السلام-: أجَّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين.
بل وجميعُ الأنبياء - عليهم السلام-, وفي مُقدِّمتهم محمدٌ خيرٌ الأنام: كانوا رُعاةً للغنم.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ». رواه البخاري
فهل يعي شبابُنا أنَّ مِهنة العمل والبيع شريفة؟
وهاهم أفضل وأكرم الخلقِ بعد الأنبياء, أصحاب النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كانوا تُجَّاراً في الأسواق, ومُنشغلين بالبيع والزراعة وجلبِ الأرزاق, قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ: كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ. متفق عليه
قال ابن بطالٍ رحمه الله: في هذا الحديث: عمل الصحابة في الحرث والزرعِ بأيديهم، وخدمةُ ذلك بأنفسهم، وأنَّ الامتهانَ في طلب المعاش للرجال والنساء: مِن فعل الصالحين، وأنه لا عار فيه ولا نقيصةَ على أهل الفضل. ا.هـ كلامه
فيا معاشر الشباب, هؤلاء الأنبياء والمرسلون, والصحابة المتقون, والسلف الصالحون, منهم النجارون والمزارعون, ورُعاةُ الأغنام والنَّسَّاجون, ولم يزدهم ذلك إلا رفعة في الدنيا والآخرة, ولم يترفعوا عن هذه الأعمال, فما بالكم تترفعون عنها وتشمئزُّون منها, وترضون بالبطالة.
فهل يعي شبابُنا هذا الْمَبدأ, وهو أنْ يعملوا ويَجِدُّوا في طلب المال, ليُحصِّنوا أنفسهم, ولا ينتظروا الوظائف الرسمية, ولا الأعمال الحكومية, فما بالهم يتأخرون عن الزواج, وإحصانِ فرجهم, بدعوى البطالةِ وعدمِ الوظيفة, فأين هم مِن نبيِّنا وقُدْوتِنا صلى لله عليه وسلم, الذي كان يُتاجر في مال خديجة -رضي الله عنها- أيَّام شبابه, ليتحصل على مالٍ يُغني به نفسه, ويُقدِّمُه مهراً لزواجه, وأين هم مِن موسى -عليه السلام-, الذي كان يُؤجِّر نفسه راعيًا للغنم عشر سنين، لكي يُعفّ نفسه ويصونَها, بزواجه من ابنة الرجل الصالح في مدين.
وأين هم مِن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه, حينما أَرَاد أَنْ يتزوج فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وليس عنده مالٌ ولا وظيفة, إنما كَانَتْ له ناقتان, فبدأ يعمل ويُتاجر بهما, فيحمل عليهما المتاعَ ويبيعه في السوق.
وهكذا كان الأفاضل من التابعين والصالحين, مع اهْتمامهم بأمور الآخرة, إلا أنهم كانوا يُمارسون الحرف والتجارة, ولا يرونها عيباً ومهانة.
قال سفيان الثوري رحمه الله: عليك بعمل الأبطال, الكسب من الحلال, والإنفاق على العيال.
وقد كان كبار الصحابة وزُهُّادُهم وعُلماؤهم: يعملون بالتجارة, ويسعون إلى تنميةِ أموالهم.
روى البخاري في صحيحه , أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ بالبركة, وكَانَ يَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ, فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, فَيَقُولَانِ لَهُ: أَشْرِكْنَا في تجارتك؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ, فَفعل ذلك وأشْرَكَهُمْ.
وهم يفعلون ذلك؛ لما علموه من منافع الأموال وفائدتِها, والضررِ المترتِّب عند الحاجةِ إليها, قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: إن المال فيه صنائعُ المعروف, وصلةُ الرحم, والنفقةُ في سبيل الله عز وجل, وعونٌ على حسن الخلق, وفيه مع ذلك شرفُ الدنيا ولذتُها.
وصدق القائل :
إذا قلَّ مالُ العبد قلَّ صفاؤه ... وضاقت عليه أرضه وسماؤه
وأصبح لا يدري وإنْ كان حازما ... أَقُدَّامه خيرًا له أو وراؤُه
واعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ تقاعُس شبابنا عن العمل, بحجة عدمِ مُلاءمته لهم, سببٌ رئيسيٌّ في انتشارِ البطالة, مِمَّا زاد في مُعدَّلات الجريمة, بسبب الفراغ والحقد على الدولة وأصحابِ الأموال.
ومن الجهل والحماقة: أنْ ينظُر بعض الناس نحو الحِرَفِ اليدويةِ: نظرةً دُونيَّةً ازدرائيةً.
فهل يليق بأنْ نَصِفَ من يعملُ في رفع القُمامة وإماطةِ الأذى، وتنظيفِ الطُرقات والْممرات، يبتغي من ذلك إطعامَ أطفاله أو إعفافَ نفسه: هل يليق بأنْ نَصِفَه بصفاتٍ قبيحة, ونَنْظُرَ إليه نظرةَ احتقارٍ وازدراء؟.
ما ذا لو امْتَنَعُوا عن العمل، كيف ستكون شوارعنا وطُرُقاتُنا؟ وسنعرف حينها قيمة ما عملوه لِمُجْتَمَعِنا.
نسأل الله تعالى, أنْ يُصلح شباب الأُمَّة, وأنْ يُجنِّبَهمُ الفراغ والبطالة, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: أيها المسلمون: كانت امْرَأَةٌ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ وتُنظِّفه, فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهَا, فَقَالُوا: مَاتَت, قَالَ: « أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي», يقول الراوي: فكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا, أي أنها أقل من أنْ يُصلي عليها النبي صلى الله عليه وسلم, فَقَالَ: « دُلُّونِي عَلَى قَبْرِها ». فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهَا.
إنه يُعلِّمُنا صلى الله عليه وسلم, أنه لا يجوز لمن يخدمُ دينَه ومُجتَمَعه, أنْ يُحتَقَر ويُزْدَرى, مهما كانت مِهْنتُه, ومهما كانت جِنْسيَّته ولونه.
هذه المساجد التي نحن فيها, والبيوتُ التي نسكنها, والمصانعُ والفنادقُ والْمُؤسَّسات, مَنِ الذي شيَّد بناءَها وعمرها؟ أليسوا هم أولئك الذين يزدريهم بعضُ الناس؟, ويزدري مِهْنتهم ووظيفتهم؟, ألا يستحق هؤلاء الرِّجالُ الأبطال, أنْ ننظر إليهم نظرةَ إكبارٍ وإجلال, وأنْ يستفيد شبابُنا من خِبْراتهم, ويعملوا مثل أعمالهم أو بعضَها؟.
وهذه امرأةٌ طلَّقها زوجُها, بعد أنْ كبُر سنُّها وكثُّر أولادُها, فضاق بها الحال, وأرهَقَها صياحُ العيال, ولا دخلَ لديها ولا مال, فهل تَكُونُ حبيسةَ الجُدران, عالةً على الأقاربِ والجيران, غارقةً في الهموم والأحزان؟, لا, بل شقَّتْ طريق حياتِها بنفسها, مُعتمدةً على ربِّها, أدارتْ ظهرها نحو ماضيها, فاسْتغلَّتْ آلةَ خياطتِها, واسْتثمرتْ خِبْرتَهَا في إعْدادِ طعامِها, فأنْتَجَتْ أصْنافاً من الطعامِ والشراب, وصنَعَتْ شتَّى أنواعِ الأرْديةِ والثياب, فاغْتنت بعد فقرها, وعزَّتْ بعد ذُلِّها, وصانت وجهها وحفظتْ كرامتها.
فأين أنتم - معاشر العاطلين- من هذه المرأة, أين مَن يقول بأنَّ الأبواب أُغلقت في وجهي, والوظائفَ أُخذت كلَّها عنِّي.
إلى متى وأنتم عالةٌ على آبائكم, إلى متى وأنتم تمدُّون أيْدِيَكم إلى أهليكم؟, ألم تبلغوا في السنّ مبلغ الرجال, فإلى متى وأنتم على هذا الحال, فدعوا الخمول والكسل, وقوموا للجدِّ والعمل.
نسأل الله تعالى, أنْ يوفق شبابنا لما فيه الخير والصلاح, وأنْ يهديهم سُبُل الرشاد, إنه على كلِّ شيءٍ قدر.
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بورك فيك شيخنا أحمد موضوع نادر الطرح وبين الشرح نعم. إنها ظاهرة مرضية سيئة
والحقيقة لأن يعيش المسلم يعمل في مهن متنوعة ولو كانت غير مرغوبة لديه يكتسب من ورائها يحفظ ماء وجهه ويصون أهله ويعول أسرته خير من أن يبقى عالة على غيره ينتظر عطاءهم ويتطلع إلى أياديهم .
تعديل التعليق