فضل يوم عرفة-7-12-1437-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1437/12/07 - 2016/09/08 17:43PM
[align=justify][align=justify]
أما بعدُ: ففَضَائِلُ هَذِهِ الْأَيَّامِ كَثِيرَةٌ، وَلِبَعْضِهَا خَصَائِصُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهَا كَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَهَذَا حَدِيثٌ عَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ لِنَعْلَمَ قَدْرَهُ، وَنُعَظِّمَ حُرْمَتَهُ، ونغتنمَه فيما يرضي اللهَ-سبحانَه-ويقربُنا إلى جنتِه.
إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهُوَ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ المُفَضَّلَةِ، وَهُوَ مِنَ الْأَيَّامِ المَعْلُومَاتِ المَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ-تَعَالَى-: [لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ]، وَقَدْ أَقْسَمَ اللهُ-تَعَالَى-بِهِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ وَعَظَمَتِهِ، فقالَ: [وَاليومِ الموعودِ*وشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ]، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، والشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ".
وَهُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامُ النِّعْمَةِ؛ قالَ يهوديٌ لأميرِ المؤمنينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ نَزَلَتْ عَلَيْنَا-مَعْشَرَ اليَهُودِ-لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا]، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ".
وَهُوَ كَذَلِكَ يَوْمُ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ؛ قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: "يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ".
وَهُوَ رُكْنُ الْحَجِّ الْأَعْظَمِ، فَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَاتَهُ الْحَجُّ مَعْذُورًا كَانَ أَمْ غَيْرَ مَعْذُورٍ.
وَهُوَ يَوْمُ المُبَاهَاةِ بِأَهْلِ المَوْقِفِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ِوَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا".
وَهُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ِوَسَلَّمَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ-رَحِمَهُ اللهُ-تَعَالَى-: وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللهُ-تَعَالَى-مِنَ النَّارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنَ المُسْلِمِينَ؛ فَلِذَلِكَ صَارَ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ المَوْسِمَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهُ، لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْعِتْقِ وَالمَغْفِرَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
وَهُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ عامةً، وَيومُ الْإِكْثَارِ مِنَ الدُّعَاءِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ خاصةً، لِتَأْكِيدِ الْوَفَاءِ بِالمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ-تَعَالَى-عَلَى الْبَشَرِ قَبْلَ وُجُودِهِمْ عَلَى الْأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ِوَسَلَّمَ: "أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ–يَعْنِي: عَرَفَةَ-فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا"، قَالَ: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ]، فيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ المُسْلِمُونَ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَيْنَمَا كَانُوا، فَلَعَلَّ نَفَحَاتِ اللهِ-تَعَالَى-تُصِيبُهمْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ يقِفُوا بِهَا، وَفَضْلُ اللهِ-تَعَالَى-يَسَعُ أَهْلَ المَوْسِمِ وَغَيْرَهُمْ، فَلَا يَحْرِمَنَّ عَبْدٌ نَفْسَهُ خَيْرَ اللهِ-تَعَالَى-وَفَضْلَهُ فِي ذَلِكُمُ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ.
وَهُوَ يَوْمُ إِصْغَارِ الشَّيْطَانِ وإذلالِه وَدَحْرِهِ؛ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ رَحَمَاتِ اللهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ.
وَإِذَا كَانَ أَهْلُ المَوْسِمِ قَدْ ظَفِرُوا بِالْوُقُوفِ فِي عَرَفَةَ رُكْنِ الْحَجِّ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَصَوْمُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله ِوَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"، كانَ السلفُ يَدَّخِرونَ حاجاتِهم لدعاءِ يومِ عرفةَ، فكم من الحاجاتِ والأمنياتِ والدعواتِ استجيبتْ عشيةَ عرفةَ؟!، فإن استطعتَ أنْ تخلوَ بنفسِك مع ربِك عشيةَ يومِ عرفةَ من بعدِ صلاةِ العصرِ إلى أذانِ المغربِ فافعلْ، يقولُ أحدُ الصالحينَ: "واللهِ ما دعوتُ دعوةً يومَ عرفةَ وما دارَ عليها الحولُ(السنةُ)إلا رأيتُها مثلَ فلقِ الصبحِ"، أسْأَلُ اللهَ-تَعَالَى-أَنْ يتَقْبَلَ مِنَّا ومنكم وَمِنَ المُسْلِمِينَ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أما بعدُ: فَأَكْثِرُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ مِنْ ذِكْرِهِ وَتَكْبِيرِهِ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ اللهِ-تَعَالَى-مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، [وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ]، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ".
إخواني: عِيدُ الْأَضْحَى هُوَ أَكْبَرُ أَعْيَادِ المُسْلِمِينَ وَأَفْضَلُهَا؛ لِأَنَّهُ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَأَشْرَفِهَا، وَفِيهِ أَكْثَرُ الشَّعَائِرِ وَأَعْظَمُهَا، وَتُشْرَعُ فِيهِ الْأَضَاحِي الأطيبُ والأسمنُ، الخاليةُ من العيوبِ، وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّهَا، فقد ضَحَّى النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وضعَ قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وسمَّى وكبَّر وذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ.
وَمَنْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَةُ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ كَانَ لَا يَجِدُ ثَمَنَهَا ثُمَّ وَجَدَهُ، فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ-وَلَوْ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ فِي الْعَشْرِ-، وَأَهْلُ الْبَيْتِ تَكْفِيهِمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ، لَا تَجُوزُ فِيهَا المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ.
وَيَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ الْعِيدِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ".
فما أحسنَ الإكثارَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ-تَعَالَى-فِيمَا تَبَقَّى مِنْ هَذَا المَوْسِمِ الْكَرِيمِ، واجتنابَ مُنْكَرَاتِ الْعِيدِ، وجعلَه مَعَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَيَّامَ شُكْرٍ وَذِكْرٍ لِلهِ-تَعَالَى-عَلَى هدايتِه وكرمِه، وجودِه وفضلِه، [وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ].
[/align][/align]
المرفقات

فضل يوم عرفة-7-12-1437-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.pdf

فضل يوم عرفة-7-12-1437-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.pdf

فضل يوم عرفة-7-12-1437-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.docx

فضل يوم عرفة-7-12-1437-إبراهيم الحقيل-الملتقى-بتصرف.docx

المشاهدات 1635 | التعليقات 1

مما وصلني وأعجبني.
-كان السلف يدخرون حاجاتهم لدعاء يوم عرفة، فكم من الحاجات والأمنيات والدعوات استجيبت عشية عرفة.
-في رمضان تغيب عنّا ليلة القدر فلا نعرف متى هي؟!
وَ في ذي الحجة يُخبرنا اللّه بيوم عرفة وَ مع ذلك هل سنقصر!!
-إن استطعت أن تخلو بنفسك مع ربك عشية يوم عرفة فافعل(العشية من بعد صلاة العصر إلى أذان المغرب).
-يقول أحد الصالحين والله ما دعوت دعوة يوم عرفة وما دار عليها الحول إلا رأيتها مثل فلق الصبح.