فضل يوم عرفة

الحمد لله ذي المحامد والعطايا، المتودد لعباده بإحسانه وكثير بره ومنّه، فله المحامد والمدائح كلها، والله أكبرُ بكرةً وأصيلًا.

 أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا-، أما بعد،

فاتقوا الله –أيها المؤمنون- حق التقوى، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ [الحشر:18].

🟔 أيها المؤمنون: لقد منَّ الله عليكم إذ أدركتم عشر ذي الحجة، وإن لله فيها نفحاتٍ ورحمات، والموفق من اغتنمها، فاستكثر من الصالحات، فطوبى لمن ملأها بالخيرات، وحفظ وقته عن الملهيات.

 إنكم في عشرٍ عظيمةٍ أجورها، كل عبادةٍ فيها هي أحبُّ إلى الله منها في غيرها، فاغتنموا الفرصة؛ فإن العمر لا يعود.

🟔 أيها المؤمنون: لقد مضى من أيامكم الفاضلة بعضها، فما هو عملكم فيها؟ 

فمن كان محسنًا فليحمد الله، ومن قصر فليستعتب.

أفضل الأعمال ذكر الله، وهو أخفها، وأحبها إلى ربكم، الهجوا به في كل حين، املأوا به بيوتكم، وأسواقكم، جملوا بها مجالسكم، املأوا الدنيا تكبيرًا وتهليلًا وتسبيحًا وتحميدًا.

إن فضل الله على عباده كبير، فلما أن علم تعلق عباده بتلك البقاع المباركة والمشاعر المقدسة، وكان هذا متعذرًا عليهم أجمعين، جعل لأهل الأمصار ما يعوضهم ويجبرهم ويغنيهم فيه، فلئن كان الحاج يلبي ويهدي فإن أهل الأمصار يكبرون ويضحون.

ويوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة! يباهي الله بأهل الموقف ملائكته، وهو يعم بفضله كل عباده، صيامه كفارة السنة الماضية والباقية، كما رواه مسلم عن نبيكم –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 

وما رُأي الشيطان أغيظ منه من يوم عرفة؛ فيه تجاب الدعوات، وينزل الرب لأهل الموقف عشية عرفة، فيعم بفضله أهل الأرض كلهم.

في صحيح مسلم أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: »ما من يومٍ أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة«()، فما أعظمه من يومٍ! وأبركه!

تفرغوا فيه من أشغالكم، أخلصوا لله فيه أعمالكم، إن من موافقات هذا العام أن يوم عرفة يوافق يوم الإثنين، وهو يومٌ تُرفع فيه الأعمال إلى ربكم، فاستكثروا فيه من كل خيرٍ يقربكم إلى الله، من صيامٍ وصدقةٍ، ومن قراءة قرآنٍ وذكرٍ، ومن دعاءٍ وتوبة.

قال الإمام ابن رجب –رَحِمَهُ اللَّه-: "يوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين في جميع الأمصار، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم يوم عرفة في العتق والمغفرة".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يا أُوْلِي الأَلْبَاب﴾ [البقرة:197].

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله يغفر لي ولكم.

 

 

 

 

 

 

 

 

الـخطبـة الثانيـــة

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه –صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا-. أما بعد، 

🟔 أيها المؤمنون: يوم عرفة يومٌ عظيم، والمغبون من فرط فيه، اجتهدوا فيه من العبادة، وأكثروا الدعاء، فإن لله فيه نفحاتٌ فوق أمانيكم.

قال الأوزاعي –رَحِمَهُ اللَّه-: "أدركتُ أقوامًا كانوا يخبئون الحاجات ليوم عرفة".

اسألوا الله –أيها المؤمنون- كل حاجاتكم؛ اسألوه المغفرة والرحمة والبركة، اسألوه قضاء ديونكم وشفاء مريضكم، وصلاح أولادكم، ادعوا لأمواتكم؛ فإن ربكم ينزل فيه، ويُنْزلُ فيه على القلوب من السكينة والخشية والإيمان والبركة ما لا يعلمه إلا هو.

ولإن كانت ليلة القدر مجهولة فإن عشية عرفة معلومة. 

وقد روى أحمد وغيره أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: »خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير"().«.

يوم عرفة يوم حفظ الجوارح، جاء في مسند أحمد أن النبي –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: »يوم عرفة هذا يومُ من ملك فيه سمعه وبصره وجوارحه غفر الله له«().

وقد أجمع المسلمون عامةً على فضل صيامه، ورُوي عن أنس بن مالكٍ –رضي الله عنه- أنه قال: (كان يقال يوم عرفة بعشرة آلاف يوم)؛ يعني: بالفضل.

⮈ ورُوي عن عطاء أنه قال: (من صام يوم عرفة كان له كأجر ألفي يوم).

اجتهدوا –أيها المؤمنون-، فإن ربكم شاكرٌ عليم، وهو الجواد الكريم. 

واحرصوا على صلاة العيد.

قال مخلف بن سليم، وهو معدودٌ من الصحابة: (الخروج يوم الفطر يعدل عمرة، والخروج يوم الأضحى يعدل حجة).

🖐 فأين المشمرون؟

فاللهم استعملنا في طاعتك، وأعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

ثم صلوا وسلموا على رسول الهدى وإمام أولي النهى، كما أمركم ربكم.