فضل مسجد قباء (فيديو + Doc + PDF)

المساجد الثلاثة
1442/03/25 - 2020/11/11 19:05PM


خطبة الجمعة 20 ربيع الأول 1442هـ – 6 نوفمبر 2020م
مسجد قباء
فضيلة الشيخ : سليمان الرحيلي
بعنوان: فضل مسجد قباء

لمشاهدة الخطبة:
https://youtu.be/c2jKmCWFrWo

نص الخطبة:

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} [آل عمران: 102].

عباد الله عباد الله: أتدرون في أي مكانٍ انتم؟ إنكم في بيتٍ من بيوت الله عز وجل، وربكم سبحانه وتعالى، يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَيُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ يُسَبِّحُ لَهُۥ فِيهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلۡهِيهِمۡ تِجَٰرَةٌ وَلَا بَيۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَوٰةِ يَخَافُونَ يَوۡمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَٰرُ * لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٍ} [النور: 36-38].

إنكم يا عباد الله في مسجد قباء الذي سُمِّي من زمن النبي صلى الله عليه وسلم باسم المنطقة التي هو فيها، والتي سمِّيت باسم بئرٍ كان فيها.

إنكم في مسجد قباء الذي وصفه الله عز وجل بوصفٍ كريم، وأثنى على أهله ثناءً عظيمًا، فقال سبحانه: {لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].

نعم يا عباد الله، إن هذه الآية الكريمة نزلت في مسجد قباء وفي أهل قباء، فمسجدكم هذا مسجدٌ أسس على التقوى من أول يوم، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك منه.

فأنتم يا عباد الله، يا أهل المدينة: أنعم الله عليكم بهذين المسجدين؛ بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وبمسجد قباء الموصوفين بأنهما أسسا على التقوى من أول يوم.

وكيف لا يكون مسجد قباء يا عباد الله قد أسس على التقوى من أول يوم؟ والذي خطّه على الراجح هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناه مع أصحابه رضوان الله عليهم أول مقدمه إلى المدينة.

بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أول مسجدٍ بني للمسلمين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليكون مسجدًا عامًّا، فأول مسجدٍ خط على وجه الأرض بعد بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليكون مسجدًا عامًّا هو مسجدكم هذا مسجد قباء.

إنكم يا عباد الله في مسجدٍ هو رابع أفضل مساجد المسلمين، فمساجد المسلمين فاضلة، وأفضلها أربعة: المسجد الحرام بمكة، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، والمسجد الأقصى بالقدس فك الله أسره، ومسجد قباء وهي على الراجح على هذا الترتيب. أولها فضلًا: المسجد الحرام، ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى، ثم مسجد قباء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" [متفق عليه]، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مشتركةً في هذا الوصف، وأما مسجد قباء فقد جاء فيه من الفضل ما تسمعون، وإن كان من السلف من الصحابة ومن بعدهم من قدَّم مسجد قباء على المسجد الاقصى في الفضل، لكن الراجح إن شاء الله أن الترتيب كما ذكرناه. وهذا يعني يا عباد الله أن هذا المسجد هو رابع أحب البقاع إلى الله عز وجل. فقد أخبر جبريل عليه السلام نبينا صلى الله عليه وسلم: "أن أحب البقاع إلى الله المساجد" [المستدرك للحاكم]، وأفضل المساجد كما سمعنا هي هذه الأربعة، فهل استشعرت يا عبد الله؟ هل استشعرت يا عبد الله أنك تجلس في رابع بقعةٍ يحبّها الله على وجه الأرض؟

إنّكم يا عباد الله في مسجدٍ أخبر نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم أنّ فيه خيرًا كثيرًا، فقد تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: هو مسجد قباء. فسئل رسول الله صلى الله وسلم؟ فأخذ كفًّا من الرمل وضرب به الأرض، وقال: "هو هذا -أي مسجده صلى الله عليه وسلم- وفي ذلك خيرٌ كثير" [سنن الترمذي]. قال العلماء: ليس المقصود قصر كونه أسس على التقوى من أول يوم على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود بيان أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الوصف وأحق من مسجد قباء.

إنكم يا عباد الله في مسجدٍ كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبتٍ ماشيًا وراكبًا ويصلي فيه ركعتين، واختلف العلماء في المراد بالسبت في الحديث. فقال أكثر العلماء: هو يوم السبت المعروف. وسبب ذلك أن الناس كانوا يجمّعون في زمن النبي صلى الله وعليه وسلم في مسجدين؛ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء في يوم السبت ليتفقد أصحابه الذين لم يصلّوا الجمعة معه وهذه سنةٌ شريفة، وخلقٌ كريم، بدأنا نفقده في هذا الزمان. أعني أن يتفقد المسلم إخوانه، وأن يتفقد أصحابه، ولا سيما إذا غابوا، ولا سيما إذا كانوا من الأقارب. فيا ليتنا يا عباد الله نحيي هذه السنة الشريفة والخلق الكريم. الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء يوم السبت؛ ليجمع بين الفضيلتين؛ ليصلي في مسجد قباء، وليتفقد أصحابه. وقال جمعٌ من العلماء: إن المراد بالسبت في الحديث هو الأسبوع؛ وذلك أن العرب تسمي الأسبوع سبتًا. لكن الأرجح والله أعلم يا عباد الله هو الأول، وهو الذي فهمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي مسجد قباء ماشيًا وراكبًا كلّ سبت ويصلّي فيه، وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فيه ركعتين؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلّم كان يأتيه في وقت الضحى، فإذا دخل المسجد لا يخرج منه حتى يصلي ركعتين صلى الله عليه وسلم، فكان حبيبنا ونبينا صلى الله عليه وسلم لا يُخلِي أسبوعه من صلاةٍ في مسجدكم هذا في مسجد قباء.

إنكم يا عباد الله تصلون في مسجدٍ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاةٌ في مسجد قباء كعدل عمرة" [سنن الترمذي]، أي: كأجر عمرة، صلاةٌ في مسجد قباء تشمل كل صلاة سواءً كانت فريضة أو كانت نافلة تساوي لك أيها المؤمن أجر عمرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلَّى فيه صلاة كان له كأجر عمرة" [سنن ابن ماجه]، فالأكمل يا عباد الله لمن أراد أن يصلي في مسجد قباء أن يتطهر في بيته، ثم يخرج من بيته قاصدًا مسجد قباء؛ لفضله الذي علم، ويصلّي فيه صلاة سواءً كانت فريضة أو كانت نافلة فيكتب له بذلك أجر الصلاة وأجر عمرةٍ كاملة كأنه قد أدى العمرة. وعلى الراجح من أقوال أهل العلم ليس شرطًا أن يتطهر في بيته، بل حيثما تطهر ثم خرج من المكان يريد مسجد قباء لفضله فإنه يحصل له هذا الأجر بإذن الله عز وجل.

وقد نبّه بعض العلماء على أمرٍ عظيم ينبغي أن يتنبه له يا عباد الله، وهو أن هذا الفضل إنما يحصل لمن قصد مسجد قباء لفضله الذي كان فيه، وينبّه جيران مسجد قباء على هذا الأمر، فإنه من أتى منهم مسجد قباء لفضله نال بإذن الله هذا الفضل العظيم. أما إذا أتاه لمجرد أنه قريبٌ من بيته وليس مستحضرًا في نيته هذا القصد وهذا الفضل فإنه لا يكتب له إلا أجر الصلاة. نبّه على هذا جمعٌ من العلماء منهم سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله رحمةً واسعة. فليتنبه لهذا يا عباد الله.

الله أكبر يا عباد الله. ما أعظم النعم! وما أكرم المنن! وما أعظم الأجور! ألا فاشكروا الله على نعمه، واذكروه ذكرًاً كثيرًا.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: فيا أهل المدينة سكّانًا وزوّارًا: إن الله عز وجل أنعم عليكم بهذين المسجدين: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء. واعلموا أن الأكمل أن يكثر المسلم من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يصلّي في مسجد قباء هكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويا أهل قباء، يا أهل قباء: اعلموا أن الزوار يكثرون في مسجدكم، وهم ينظرون إليكم نظرة حسنة، ويظنون فيكم الخير، ويقتدون بكم، فعلّموا الناس الخير، وأظهروا الخير، واقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ليحمل الناس عنكم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واعلموا أن من سنّ في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا.

يا أئمة مسجد قباء، يا أئمة مسجد قباء: إن الله عز وجل أكرمكم فكنتم أئمة في مسجدٍ أمَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول مقدمه المدينة على ما جاء في بعض الروايات، وأمَّ فيه أفاضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّ فيه الفضلاء من الأمة، فيا له من فضلٍ عظيم، فأخلصوا لله عز وجل، كونوا مخلصين لله عز وجل، وعلّموا الناس التوحيد والسنة والعلم الصافي النقي، واحرصوا على أن ترشدوهم إلى ما يرضي الله عنهم؛ ليرضى الله عنكم وعنهم ويرضي عنكم الناس، كونوا للناس قدوةً حسنة بأن تقتدوا بالأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم، وإياكم أن تكونوا فتانين للناس في صلاتكم أو في أقوالكم أو في أفعالكم.

يا مؤذني مسجد قباء: إن الله شرفكم مع تشريفكم بالأذان، أن تؤذنوا في هذا المسجد الذي أذن فيه فضلاء الأمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فأخلصوا لربكم؛ لتنالوا الشرف العظيم والمقام الكريم، وتجنبوا ما ذكره العلماء مما يتجنب في الأذان، وكونوا للناس قدوةً حسنة.

عباد الله، عباد الله: إن نبيكم محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةٌ للعالمين، جاء بالخير لأهل الأرض أجمعين، بل جاء بالخير للإنس والجن أجمعين، ومن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.

ووالله والله والله، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يا من آمنتم به: إنه صلى الله عليه وسلم ما جاءكم بما يشق عليكم ولا ما يعنتكم بل جاءكم بيسركم وخيركم، ومن الخير الذي جاء به الله عليه وسلم أن من صلى عليه منكم واحدة يصلي الله عليه بها عشر صلوات ويرفعه عشر درجات ويكتب له عشر حسنات ويحط عنه عشر خطيئات.

{يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا} [الأحزاب: 56].

فاللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وسلم تسليمًا كثيرًا، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وارض عنا معهم بمنك وكرمك، يا أكرم الاكرمين. اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها، اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها، اللهم اجعلنا ممن رضيت أقوالهم وأعمالهم وقبلتها.

إلهنا يا حي يا قيوم يا غفور يا رحيم إنّا عبادٌ مذنبون مسرفون أذنبنا وأسرفنا أتيناك يا ربنا إلى بيتٍ عظيمٍ من بيوتك نرجو رحمتك ونرجو مغفرتك اللهم فارحمنا أجمعين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، ولأهلينا، ولذرياتنا، ولأحبابنا، وللمسلمين والمسلمات يا رب العالمين.

إلهنا إلهنا إنّ اجتمعنا في بيتٍ من بيوتك وأنت أعلم بنا من أنفسنا اللهمّ من علمته منّا مريضًا فاشفه، ومن علمته منّا مهمومًا فاكشف همّه، ومن علمته منّا مَدِينًا فاقض دينه، ومن علمته منّا له رغبة اللهم فحقق له رغبته، وزده من فضلك يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الخير كله، ونعوذ بك من الشر كله يا رب العالمين. اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكّها أنت خير من زكاها. اللهم كما أكرمتنا بسكن المدينة وبكوننا من أهل مسجد قباء اللهم فأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما تحب وترضى، اللهم زده خيرًا إلى خيره، وعافيةً إلى عافيته، وتوفيقًا إلى توفيقه، واجعله رحمةً على البلاد والعباد من أهلها والمقيمين يا رب العالمين. اللهم يا ربنا وفقه، واشرح صدره، وأعنه واحفظه يا رب العالمين. اللهم واجعل لولي عهده نصيبًا عظيمًا من هذا يا رب العالمين. اللهم زده نشاطًا إلى نشاطه، وخيرًا إلى خيره يا رب العالمين.

اللهم ادم الألفة بيننا، اللهم أدم الألفة بيننا، اللهم أدم الألفة بيننا. اللهم احفظ لنا جماعتنا، اللهم احفظ لنا جماعتنا، اللهم احفظ لنا جماعتنا.

{رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} [البقرة: 201].

والله تعالى أعلى وأعلم. وصلى الله على نبينا وسلم.



المرفقات

فضل-مسجد-قباء

فضل-مسجد-قباء

فضل-مسجد-قباء-2

فضل-مسجد-قباء-2

المشاهدات 1944 | التعليقات 0