فضل لا حول ولا قو إلا بالله

أيمن عرفان
1438/01/21 - 2016/10/22 19:34PM
لا حول ولا قوة إلا بالله
لقاؤنا اليوم مع كنز من كنوز الجنة، لقاؤنا اليوم مع ذكر من الأذكار أوصى به النبي –صلى الله عليه وسلم- أكثر من خمسة من أصحابه في أحاديثَ متفرقةٍ، هذا الكنز وهذا الذكر هو الحوقلة، أو قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قبل أن نبدأ في ذكر فضائل الحوقلة نريد أن نعرف معناها، معنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلاّ بالله، أي: إلاّ بعونه وتوفيقه وتسديده. وقيل معناها : (لا حول بنا على العمل بالطاعة إلاّ بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلاّ بالله). وقيل: (لا حولَ في دفع شر، ولا قوةَ في تحصيل خير إلاّ بالله). فهي كلمة إسلام واستسلام، وتفويض وتبرإٍ من الحول والقوة إلا بالله، وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً، فلا تحول للعبد من معصية إلى طاعة إلا بالله، ولا تحول للعبد من الذل إلى العزة إلا بالله، ولا تحول من المرض إلى الشفاء إلا بالله، ولا تحول من الفقر إلى الغنى إلا بالله، ولا تحول من الفشل إلى النجاح إلا بالله، ولا تحول من الهزيمة إلى النصر إلا بالله، ولا تحول من وهَن إلى قوة إلا بالله، ولا تحول من نقصان إلى كمال وزيادة إلا بالله، ولا قوة إلا بالله. أي: ولا يعينك على كل هذه التحولات إلا الله، فإن أعياك الذل لغير الله فأكثِرْ من قول لا حول ولا قوة إلا بالله, فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهي كلمة تعني الإخلاص لله وحده بالإستعانة.
* روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: (لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَيْبَرَ - أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - - أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ [ارفق بنفسك واخفض صوتك]، إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهْوَ مَعَكُمْ». وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَنِى وَأَنَا أَقُولُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَقَالَ لِى: « يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ » . قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟». قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِى وَأُمِّى. قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ» . ومعنى الكنْز هنا: أنّه ثواب مدّخر في الجنّة، وهو ثواب نفيس، كما أنّ الكنْزَ أنفسُ أموالكم. وروى ابن ماجه بإسناد صحيح عَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: « يَا حَازِمُ أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ». وروى الترمذي بإسناد حسن عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْدُمُهُ. قَالَ: فَمَرَّ بِىَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ صَلَّيْتُ، فَضَرَبَنِى بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ». قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ».بل وجاء الأمر بها صريحا للأمة في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ). فهي كنز من كنوز الجنة، وهي باب من أبواب الجنة، وهي استسلام بالكلية لله رب العالمين، روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ». قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: « لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ». قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَسْلَمَ عَبْدِى وَاسْتَسْلَمَ ».
* وليست هذه الكلمة كلمة استرجاع كما يفعله كثير من الناس إذا قيل له: حصلت المصيبة الفلانية، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن كلمة الاسترجاع أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ أما هذه الكلمة فهي كلمة استعانة، إذا أردت أن يعينك الله على شيء فقل: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولذلك أوصانا النبي –صلى الله عليه وسلم- بها في كل موطن يتطلب الاستعانة بالله عز وجل، مثال ذلك إذا سمعنا المؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، نقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فنستعين بقوة الله على أداء فرائض الله. ومثل ذلك أيضا إذا خرجت من بيتك فأنت تحتاج إلى أن تستعين بالله عز وجل في هدايتك وحمايتك، روى أبو داود بإسناد صحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ: «يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ». يقول ابن تيميه: هذه الكلمه –يعني لا حول ولا قوة إلا بالله- بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال.
* هذه الكلمة العظيمة، لا حول ولا قوة إلا بالله، مع جملة من الأذكار، ذكرُها سببٌ في قبولِ الدعاءِ، وقبولِ صلاةِ الليلِ، روى البخاري عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ [أرق واستيقظ] فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ». بالإضافة إلى أن لا حول ولا قوة إلا بالله في ذاتها دعاء، إذ أنك تطلب العون من الله عز وجل، ولا ريب أنَّ أنفعَ الدعاء وأفضلَه للعبد هو طلبُه من الله العونَ على مرضاته والتوفيقَ لطاعته، وهو الذي علَّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لِحِبِّه معاذ ابن جبل رضي الله عنه ، روى أبو داود بإسناد صحيح عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: « يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّكَ ». فَقَالَ: « أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ». وهذه كلمة استعانة كما هو الشأن في قول لا حول ولا قوة إلاَّ بالله، استعانةٌ بالله لتحقيق أفضل الغايات وأجلِّ المطالب على الإطلاق، عبادة الله سبحانه التي أوجد الخلقَ لتحقيقها.
* هذه الكلمة، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبب في مغفرة الذنوب وإن كانت كثيرة، روى الترمذي بإسناد حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما على الأرض أحد يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر). و روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة يرفع الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قال لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إله إلا الله ولا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعقدهن خمسا بأصابعه، ثم قال: من قالهن في يوم أو في ليلة أو في شهر ثم مات في ذلك اليوم أو في تلك الليلة أو في ذلك الشهر، غفر له ذنبه).
* كيف يحرِصُ الواحدُ منَّا في دُنياه على إحسانِ غِراسِ بيتِه وتجميلِه بأطايِبِ الغِراسِ المُثمِر والغِراسِ الزاكِي، مهما كلَّفَه ذلك من الجُهد والمال والفِكر. فهل نستحضِر أمام ذلكُم غِراسًا عظيمًا في دارٍ فيها ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذُنٌ سمِعَت، ولا خطرَ على قلبِ بشر؟! إنه غِراسٌ لا يُمكن أن يتصوَّرَه أحدٌ مهما أُوتِيَ من قوَّة الخيالِ والتخيُّل، ولا يُمكنُ أن يُحيطَ بكُنهِه لا في يقظَةٍ ولا في منام. إنها غِراسُ الجنَّة: هذه الكلمة، لا حول ولا قوة إلا بالله، هي غِراس الجنة أي ما يغرس فيها من شجر، روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أَبي أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَنْ مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا مُحَمَّدٌ. فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهُيمُ: مُرْ أُمَّتَكَ فَلْيُكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ وَأَرْضَهَا وَاسِعَةٌ. قَالَ: «وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ؟». قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ).
* هذه الكلمة، لا حول ولا قوة إلا بالله، من الباقيات الصالحات، روى البزار بإسناد حسن عن الْحَارِث مَوْلَى عُثْمَانَ قال: (جَلَسَ عُثْمَانُ عَلَى الْمَقَاعِدِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ دَعَا بِمَاءٍ يَكُونُ قَدْرَ مُدٍّ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي الظُّهْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ، وَمَنْ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ، وَمَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ، أَوْ قَالَ الصُّبْحِ، ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، قَالُوا: هَذِهِ الْحَسَنَاتُ، فَمَا الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: هِيَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ).
* روى أبو داود بإسناد حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنِّى لاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِى مَا يُجْزِئُنِى مِنْهُ. قَالَ «قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِى؟ قَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَارْزُقْنِى وَعَافِنِى وَاهْدِنِى». فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ»).
لا حول ولا قوة إلا بالله كلمةٌ عظيمةٌ تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة، كما أنَّ كلمةَ التوحيد لا إله إلا الله تعني الإخلاص لله بالعبادة، فلا تتحقق لا إله إلا الله إلاَّ بإخلاص العبادة كلِّها لله، ولا تتحقّق لا حول ولا قوة إلاَّ بالله إلاَّ بإخلاص الاستعانة كلِّها لله، وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فالأول تبرؤٌ من الشرك، والثاني تبرؤٌ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل، العبادةُ غاية، والاستعانة وسيلة، فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلاَّ بهذه الوسيلة: لا حول ولا قوة إلاَّ به.
لا حول ولا قوة إلا بالله تدل على معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك، وإِن اِجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشيءٍ لَمْ يَضروك إلا بشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ). وهي تدل كذلك على معنى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. فمن لازم هذه الكلمة مع استشعاره لهذه المعاني والدلالات, لابد وأن يستنير قلبه, وينشرح صدره, وتقوى عزيمته, وتطمئن نفسه, وتسلَمَ من المخاوِفِ والقلقِ, وتَشَتُّتِ الحال والهموم. فلا يخافُ إلا الله, ولا يثق إلا به, ولا يفوض الأمر إلا إليه.
ثم نختم بتنبيه مهم: نسمع كثيرا من الناس يُخطئ في ذكره لله عز وجل بألفاظٍ يقلبها عليه الشيطان وهو لا يعلم ولا يشعر, ومن أمثلة ذلك ما درج على ألسُنِ بعض الناس من قلب هذه الكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقولون لا حول لله، فمعنى لا حول أي لا تحول ولا قوة فنفاها جميعا، أي أن الله لا يقدر على تحويل الأمور، ولا قوة له في ذلك, تعالى الله وتقدس عن ذلك، وهذا كلام كفري خطير، فيه تنقص من حق الله عز وجل ، لكن الناس لا ينتبهون لألفاظهم.
المشاهدات 1917 | التعليقات 2

جزاك الله كل خير


وجزاكم وبارك فيكم