فضل قيام الليل 1441/10/27
عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
1441/10/25 - 2020/06/17 12:45PM
فضل قيام الليل[1]
الحمدلله, وفق من شاء لطاعته, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً أمَّا بعد:
فإنَّ شأن الصلاة عظيم وفضلها كبير, ذلك أنَّها صلة بين العبد وربِّه, وقد فرض الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة, ورغَّبهم بالنوافل مثل السنن الرواتب وقيام الليل, روى مسلم في صحيحه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ" وفي رواية صحيحة عنده أيضاً: "الصلاة في جوف الليل" قال النووي رحمه الله: "فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أنَّ تطوع الليل أفضل من تطوع النهار" (شرح النووي على مسلم (8/ 55).
ومن فضل صلاة النافلة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة ثم قال: "مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" أخرجه الشيخان.
عباد الله: ومن أفضل النافلة قيام الليل, وقد أثنى الله على من يقوم ليله بالصلاة قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر: 9] قال الحسن، وقتادة: {آناءَ الليل}: أوله وأوسطه وآخره (تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 88). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] قال السعدي رحمه الله: "أي: يُكثرون من صلاة الليل, مخلصين فيها لربهم, متذللين له, كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16](تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن(ص: 586)
عباد الله: لقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته على قيام الليل فقال عليه الصلاة والسلام: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ" أخرجه الترمذي وحسنه الألباني وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا" أخرجه الشيخان ومن صفات أهل التقوى والصلاح قيامهم في ليلهم قال الله تعالى عنهم: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18] قال الحسن رحمه الله: "كانوا لا ينامون من الليل إلا قليلا" وقال في تفسير الطبري: "كانوا قليلاً من الليل هجوعهم، لأنَّ الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحاً لهم، وأثنى عليهم به، فوصفهم بكثرة العمل وسهر الليل ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم" (ينظر تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (22/ 409 و412).
عباد الله: قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه: "كُنْتُ جَارًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ عُمَرَ، إِنَّ لَيْلَهُ صَلَاةٌ، وَإِنَّ نَهَارَهُ صِيَامٌ وَفِي حَاجَاتِ النَّاسِ" (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 54) "وعن علي رضي الله عنه أنَّه كان يصلي أكثر الليل. وعن عثمان رضي الله عنه أنَّه كان يحيي الليل بركعة، وهي وتره. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كان لا ينام من الليل إلا القليل..وعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما معروف عنه أنَّه كان يقوم الليل" (ينظر تفسير السمعاني (5/ 254). وكان أبو هريرة وامرأته وخادمه رضي الله عنهم يعتقبون الليل أثلاثا, فمن بدأ إذا فرغ من ثلثه يوقظ الآخر (ينظر صحيح البخاري حديث رقم (5441) وكان الأحنف بن قيس رحمه الله: كثير الصلاة بالليل، وكان يُسرج المصباح ويُصلِّي ويبكي حتى الصباح، وكان يضع إصبعه في المصباح ويقول: حِسَّ يا أحنف، ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على المصباح فكيف تصبر على النار الكبرى؟ (البداية والنهاية ط إحياء التراث (8/ 360).
وكثير من السلف من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام وعباد الله الصالحين يقومون الليل صلاة وذكراً ودعاء وقصصهم معلومة مشهورة فيا عباد الله أحيوا لياليكم قياماً بالصلاة وتهجُّداً, وربُّوا أبناءكم ورغِّبوهم واذكروا لهم فضل قيام الليل, اجعلوا بيوتكم عامرة بذكر الله وبالصلاة, فإنَّه كلَّما صلح أهل البيت صلحت أحوالهم.
اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] 27/10/1441هـ جامع بلدة الداخلة في سدير عمر المشاري.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق