فضل قضاء حوائج الناس

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/07/22 - 2024/02/03 14:51PM

فضل قضاء حوائج الناس

الخطبة الأولى

الحمد لله رفيع الدرجات ، قاضي الحاجات ، مفرج  الكربات ، خالق الأرض والسماوات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وسام تسليما كثيرا .                                      أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ([1])

عباد الله : السعي في قضاء حوائج المسلمين هو خُلق الأنبياء والمرسلين ، وسبيل المتقين الصادقين ، ومن أَحبَّ الله تعالى بذلَ كلَ ما يوصلهُ إلى نيل رحمته ودخول جنته ، ومن أعظم ما ينفعِ العبدَ في حياته وبعد مماته، ويدفع عنه السوء في غابر الأيام : بذلُ المعروف للناس، ومحبة الخير لهم ، والإحسان إليهم ؛ فإن ذلك نتاج قلب طيبٍ رحيمٍ ،  يحب الخير للغير، ومن يَرحم  يُرحم ، و " ‌إنما ‌يرحم ‌الله من عباده الرحماء" و﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾([2]) . 

قضاءُ حوائج الناس صنعها الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام ،  وكانوا أكثر الناس نفعاً للخلق ، فهذا موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أُمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما ، فلم يمنع موسى عليه السلام ما فيه من التعب والجوع والخوف ، من أن يفعل المعروف وأن يبذل الإحسان  .

قال تعالى : ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ ([3]) .

ونبينا صلى الله عليه وسلم كان أكثرَ الناس نفعاً للآخرين ، وأشدُهم حرصاً على قضاء الحوائج من قبل البعثة ، فعن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها قالت عندما رجع صلى الله عليه وسلم  من غار حراء ترجف بوادره ، فقال: زملوني زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لها: لقد خشيت على نفسي، فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلا، أبشر، فوالله ‌لا ‌يخزيك ‌الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتُكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق.. " رواه البخاري ومسلم .

يقول الإمام النووي في  معنى الحديث : إنك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الأخلاق وكرم الشمائل أ.هـ

أما صلة الرحم فتكون : تارة بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك.

و أما حمل الكل: فهو الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال ، وأما إكساب المعدوم فهو أن تكسب غيرك المال تبرعا ،  و أما  الإعانة على نوائب الحق أي : حوادث الدهر وإنما قالت نوائب الحق لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر.

 

عباد الله: صنائع المعروف معاملة مع الله قبل أن تكون معاملةً مع الخلق، فلا يختص بطبقة أو جنسية أو وظيفة دون أخرى ، يقول عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين ، فيقضيَ له الحاجة " رواه النسائي ، وصححه الألباني .

وقد جاءت النصوص في الحث على الإحسان للخلق ، قال صلى الله عليه وسلم: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» رواه البخاري ومسلم.

 

فمن عمل خيرا  وسعى إلى إيصاله للآخرين فلن يُعدم فضلَ عمله، وثمرة نفعه في حياته ، فقد يُفرج الله له به كربة، ويدفع عنه سوء ، وكم من إنسان وقع في ضائقةٍ ، وفي شدةٍ ، وعُسرٍ ؛ فجاءه الفرج من الله ، وكم من إنسان أشرف على الهلاك ؛ فنجاه الله منه بسبب ما قدم من عمل صالحٍ وفعلٍ نافعٍ لغيره ،

قال صلى الله عليه وسلم: « ‌صنائع ‌المعروف ‌تقي ‌مصارع ‌السوء ‌والآفات ‌والهلكات ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة » صححه الألباني في صحيح الجامع.

إن قضاء حوائج الناس له فضل وأجر كبير عند الله تعالى ، بل هو من أحب الأعمال  إلى الله تعالى ، قال ﷺ :" ‌أحب ‌الناس ‌إلى ‌الله ‌تعالى ‌أنفعهم ‌للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يُدخله على مسلم ، أو يكشف عنه كربة ، أو يقضي عنه دينا ، أو يطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهرا ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ، وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل " رواه الطبراني وحسنه الألباني .

وقال ﷺ :" كل سلامى من الناس عليه صدقة – أي كل عَظْم من عِظام الإنسانِ يكون مرهون وينبغي أن يُتصدق عنه-  ، كل يوم تطلع فيه الشمس » قال: «‌تعدل ‌بين ‌الاثنين ‌صدقة- أي تصلح بين متخاصمين- ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها ، أو ترفع له عليها متاعه صدقة » قال: «والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة " رواه مسلم .

وسأل رجلٌ النبيَ ﷺ  عن المعروف؟ فقال: " لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تعطي صلة الحبل، ولو أن تعطي شسع النعل، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم ، ولو أن تلقىَ أخاك ووجهك إليه منطلق ، ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه ، ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض – أي الشخص المغتم والمهموم- .." رواه الإمام أحمد بسند صحيح .

عباد الله :إن دروب الخير كثيرة، وأنواع البر متعددة، ومجالات الإحسان متنوعة، ومن أعظم ذلك السعي في حوائج المسلمين ، والإحسان إلى المؤمنين ؛ من إطعام للجائع، وكسوة للعاري، وإغاثة للملهوف، وعيادة للمريض، وتعليم للجاهل، وإنظار للمعسر، وإعانة للعاجز، وإسعاف للمنقطع ، وكفالة لليتيم، وتفريج للهم، وتنفيس للكرب، وشفاعة في الخير، وتسهيل إجراءات المراجعين بما لا يخالف النظام ، ومساعدة من تعطلت سيارته أو وقع له حادث ، والسماح لمن أراد الانعطاف بسيارته أمامك،    وتقديم الضعيف و كبير السن في الطابور، ودلالة شخص على الطريق ، أو طفل ضائع رددته لأهله ، أو محفظة نقود أوصلتها لصاحبها، والكلمة الطيبة صدقة ، وخير الناس أنفعهم للناس.

﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾([4]) 

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا،    أما بعد:

عباد الله : الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ، وقد قيل : السعي في شؤون الناس زكاة أهل المروءات .

وليعلم المسلم أن المعروف الذي يبذله رجاء ما عند الله تعالى ، لا يوزن بالقلة والكثرة ، بل هو محمود على كل حال ، قليله وكثيره ، قال ﷺ : "  اتقوا النار ولو بشق تمرة " رواه البخاري .

وقال ﷺ : " ‌لا ‌تحقرن ‌من ‌المعروف ‌شيئا ‌ولو ‌أن ‌تفرغ من دَلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط .." رواه أحمد وصححه الألباني.

ومن الدلائل الواضحة على فضل صنائع المعروف وأعمال الخير ما جاء في الحديث أن النبي ﷺ  قال : " لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين " رواه مسلم  .

وهذا أحد الأمثلة على صنائع المعروف وهو : إماطة الأذى عن الطريق ، وهي أحد شعب الإيمان ، قال

ﷺ :" «‌الإيمان ‌بضع وسبعون - أو بضع وستون – شعبة ، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان » رواه مسلم  .

فأنظروا إلى عظيم الأجر المترتب على العمل الصالح وعلى خصال الإيمان ، فإذا كان هذا ثواب أدنى شعب الإيمان ؛ وهو: المغفرة ودخول الجنة ، فما ظنكم بأجر أعلى مراتب الإيمان نسأل الله تعالى أن يبلغنا وإياكم إياها.

وفي الرواية الثانية من الحديث ، " مرّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم ، فأُدخل الجنة" رواه مسلم .

ففي هذه الرواية أن هذا الرجل لم يقطع غصن الشجرة ، بل نوى إزالة الغصن ، وحلف أنه سيزيله ، أي عزم على فعل الخير ، فشكر الله له فأدخله الجنة على نيته الحسنة التي فيها محبة الخير للآخرين ، ومصداق ذلك قوله ﷺ : «‌لا ‌يؤمن ‌أحدكم ‌حتى ‌يحب ‌لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري .

قال ابن حجر في فتح الباري : أي لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان وكماله ، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، ولا يقدر على هذه الخصلة ويقوى عليها إلا من رزق سلامة الصدر ، وكان قلبه خاليا من الغل والغش والحسد ، فمن كان كذلك سره ما سر أخاه ، وساءه ما ساء أخاه  .أ. هـ .

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ([5])  .

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ([6]) .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، وهيئ له البطانة الصالحة  ، التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه  يا رب العالمين.

اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم انصر إخواننا المرابطين على الحد الجنوبي ، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام .

عبادَ الله، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.                      



([1]) النساء : 131
([2]) الأعراف : 56
([3]) القصص : 23-24
([4]) البقرة :195
([5]) الحج : 77
([6]) سورة الأحزاب : 56

المشاهدات 1107 | التعليقات 0