فضل عشر ذي الحِجة وما يشرع فيها

محمد بن عبدالله التميمي
1442/11/28 - 2021/07/08 18:58PM
الحمد لله العلي الكبير، العليم القدير، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نظير، وأشهد أن محمدا أرسله الله شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى بأن تطيعوه فلا تعصوه، وتذكروه فلا تنسوه، وتشكروه فلا تكفروه، فتوبوا إلى الله واستغفروه. عباد الله.. إنها أيام جليلة القدر، لو تأملها الإنسان لوجد سعة فضل الله سبحانه وتعالى، التي تظهر جلية من جهات، من جهة تخصيص مواسم المضاعفات، ومن جهة الأماكن المخصوصات، ومن جهة أنواع الطاعات، وقد اجتمع كل ذلك في هذه العشر المباركات، عشر ذي الحِجة، وذلك على الكمال للحاج فاختص بمضاعفة المكان، ولغيره في مضاعفة نوع العمل الصالح في هذا الزمان؛ ففي صحيح البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» وفي رواية لغيره: «مَا مِنْ عَمَلٍ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَا أَعْظَمَ مَنْزِلَةً» وفي رواية: «مِنْ خَيْرٍ عُمِلَ» وفي رواية: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ» وفي رواية:  «مَا مِنْ أَيَّامٍ يُتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ فِيهَا بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر». قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ» وفي رواية: « إِلَّا أَنْ يَخْرُجَ رَجُلٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» وفي رواية: «فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ» وفي رواية: «والتَّسْبِيحَ» وفي رواية: « فَإِنَّهَا أَيَّامُ تَهْلِيلٍ وَتَكْبِيرٍ». عباد الله.. إن هذه العشر فاضلة حتى قبل الإسلام، قال الله جل وعلا: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}، فضل الله تعالى قد كان في هذه الأيام لموسى عليه السلام، وقد جاء تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين، أن المراد بهذه الأربعين هي: شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة. بل إن الله جل وعلا قد أقسم بهذه الليالي –وإذا أقسم الله بشيء فهو دليل على عظمته- فقال الله جل وعلا: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} قال أكثر المفسرين في المراد بالعشر هنا: هي عشر ذي الحجة. وذكر الله عز وجل في كتابه العظيم عشر ذي الحجة في قوله: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} قال أكثر المفسرين في المراد بالأيام المعلومات: هي عشر ذي الحجة. ومن وجوه فضلها: أن الله عز وجل شرع فيها جملة من العبادات لا تكون في غيرها من الأيام، فشرع الله عز وجل فيها: النسك وهو الحج وهو ركن من أركان الإسلام فإن الله عز وجل أمر عباده بالحج. ومن ذلك أن هذه الأيام موضع للصيام، وآكدها في الصيام: يوم عرفة ؛ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عدا يوم النحر فإنه يحرم صيامه لكونه عيدًا، كان السلف يصومون ذلك بل إنه آكد من صيام ستة أيام من شوال وأفضل من صيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر؛ وذلك لعموم تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم للعمل الصالح فيهن على سائر الأيام، والصوم من أفضل الأعمال – ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: « كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ»- فاجتمع لاختصاص الصوم في هذه العشر فضائل، مع ما قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا عن أصحابه كعُمَرَ بنِ الخطاب وجماعة. ومن ذلك: الصدقة، فإن الله يضاعف الصدقة أضعافا كثيرة {والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}. ومن ذلك: صلةُ الرحم وأحقهم الوالدان بصلة الحي منهم والدعاء، وصلة الميت منهم بالدعاء والصدقة وصلةِ أهلِ وُدِّهم. بارك الله ولكم في هذه الأيام العشرِ المعلومات، وأعاننا على التزود من الطاعات، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله ربِّنا الأعلى، والصلاة والسلام على نبينا الخليلِ المصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الرضى، ومن تبعهم على الهدي واقتفى، أما بعد: فإن من الأعمال الصالحة التي يُعنى بها المسلم في هذه العشر: ما خصه الله بالذكر وهو الذكر فقال: { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}، وذلك شامل لأفضل الذكر وهو قراءة القرآن، وللاستغفار والتوبة، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من الذكر فقال: «فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ» وفي رواية: «والتَّسْبِيحَ». والتكبير في أيام العشر: مطلق، ومقيد، فالتكبير المطلق يكون من دخول العشر ويمتد بعدها إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وتكبير مقيد بأدبار الصلوات مع الجماعات، من فجر عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق. يكبر المسلمُ اللهَ على أيِّ حالٍ كان عليها، يجهر بالتكبير للعلي الكبير. إنَّ شعار هذا الأيام، الذي يُجهر فيه بين الأنام: الله أكبر. التكبيرُ هو تعظيمُ الربّ تبارك وتعالى وإجلالُه، واعتقادُ أنّه لا شيء أكبرُ ولا أعظمُ منه، فيصغر دون جلاله كلُّ كبير، فهو الذي خضعت له الرقاب، ودانت له الخلائق. وكمال صيغة التكبير: ما جمع التهليل والتحميد مع التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، ألله أكبر الله أكبر ولله الحمد. أو تكثر ثلاثا في أوله، ونحو ذلك. ومن ذلك: أن خاتمة هذه العشر: موضع مخصوص للذبح والنحر، فآكد مواضع النحر هو يوم النحر، والمرغَّب فيه تعظيم هذه الشعيرة {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} وذلك بالتزام الإمساك عن الشعر وقلم الظُّفر من دخول العشر لمريد الأضحية، وتعظيمُ الأضحية باستشعار مقصدها، وطلب الأفضل منها، والإخلاص في التقرب بها {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم}.                                                              
المرفقات

1625770888_فضل عشر ذي الحِجة وما يشرع فيها.docx

1625771840_فضل عشر ذي الحِجة وما يشرع فيها 1442.docx

1625771840_فضل عشر ذي الحِجة وما يشرع فيها 1442.pdf

المشاهدات 3903 | التعليقات 0