فضل عشر ذي الحجة.. والأعمال الصالحة فيها

عبدالله اليابس
1436/11/26 - 2015/09/10 03:21AM
عشر ذي الحجة الجمعة 27/11/1436هـ
الحمد لله الذي نوَّر بجميل هدايته قلوب أهل السعادة, ودعاها إلى ما سبق لها من عنايته فأقبلت منقادة، الحميدُ المجيد الموصوف بالسمع والبصر والقدرة والإرادة، أحمده على ما أولى من فضل وأفاده، وأشكره معترفًا بأن الشكر منه نعمة مستفادة .
وأشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو على كل شيء قدير, شهادة أَعُدُّها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها ذخرًا إلى يوم لقاءه.
تعطف بفضل منك يا مالك الورى ***فأنت ملاذي سيدي ومعيني
لئن أبعَدَتني عن حماك خطيئتي *** فأنت رجائي شافعي ويقيني
ولستُ أرى لي حجة أبتغي بها *** رضاك فإن العفو منك يقيني
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
أقام الله به منابر الإيمان ورفع عماده، وأزال به سنان البهتان ودفع عناده.
هو الهادي المشفع في البرايا *** نبياً لم يزل أبدا حبيبًا
عليه من المهيمن كل وقت *** صلاة تملأ الأكوان طيبا
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اليوم هو اليوم السابع والعشرون من شهري ذي القَعدة .. ثلاثة أيام أو أربعة تفصلنا عن اليوم الأول من شهر ذي الحجة..
فإذا دخل اليوم الأول من شهر ذي الحجة .. فإنه بدخوله على الدنيا تدخل معه فرصة عظيمة من فرص الطاعة, وموسم كبير من مواسم الخيرات, ويستمر هذا الموسم عشر أيام متتالية, روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهنَّ أحبُ إلى الله من هذه العشر"، فتطاول أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- ورفعوا أيديهم بالسؤال: يا رسول الله كل شيء فاضل في هذه الأيام، كل شيء أفضل من أي عبادة حتى الجهاد في سبيل الله؟
فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه فلم يرجع من ذلك بشيء".
يا الله .. موسمٌ العمل الصالح فضله عظيم .. موسم ورد فيه من التفضيل ما لم يأت لغيره من الأيام .. يقول ابن رجب رحمه الله بعد أن أورد حديث ابن عباس السابق: " وقد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها"
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر كما عند البزار من حديث جابر رضي الله عنه فقال: " أفضل أيام الدنيا العشر".
أفضل أيام الدنيا ؟؟ أفضل من رمضان؟ رمضان ذلك الشهر العظيم الذي يجتهد فيه الناس بالعبادة, ويمكثون في المساجد يقرأون القرآن, ويتعمدون إخراج زكاتهم في أيامه, ويحرصون فيه على قيام الليل, وعلى ختم كتاب الله الكريم عدة مرات .. هذه الأيام العشر المقبلة أفضل من أيام رمضان؟
في العشر أوقات الإجابة *** فبادر رغبةً تلحق ثوابه
ألا لا وقت للعمال فيهِ *** ثوابُ الخير أقربُ للإصابه
من اوقات الليالي العشر حقّاً *** فشمِّر واطلُبنْ فيه الإنابه
أيها الإخوة.. هذه الأيام العشر المقبلة .. هي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خير الأيام.. خير الأيام في العبادة والطاعة, واستغلالها فيما يقرب إلى الله تعالى, ومع ذلك فإنها تمر على أكثر الناس مرور الكرام, يمر الأول من ذي الحجة كالأول من ذي القعدة .. لا فرق ..
إن أكثر الناس لا تعرف قدر هذه الأيام, ,لو عرفوا قدرها ما تركوها.
ولما علم قدر هذه الأيام أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- والرعيل الأول من السلف الصالحين شمروا عن سواعد الجد، فلم يتركوا ميدانًا من ميادين العمل إلا ركبوه ولا فرصة من الصالحات إلا انتهزوها.
فقد كان السلف رحمهم الله يُعَظمون هذه العشر ، فقد روى محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي عثمان النهدي قال : كانوا يعظمون ثلاث عشرات : العشر الأول من المحرم ، والعشر الأول من ذي الحجة ، والعشر الأخير من رمضان.
وكان سعيد بن جبير يجتهد في هذه العشر حتى لا يكاد يقدر عليه، وكان يقول -رحمه الله-: "لا تطفئوا سُرُجكم في هذه العشر".
وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف في شهر رمضان، وعشر ذي الحجة.
أيها المسلمون .. عشر بهذه المنزلة والفضل .. اجتمعت فيها كثير من أمهات العبادة.. فكانت سببًا لتفضيلها على غيرها, فمن الأعمال الصالحة التي تستحب في هذه العشر:
حج بيت الله الحرام, فإنه ركن من أركان الإسلام العظام, وهو واجب على من لم يحج بعدُ, وسنة مؤدة لمن قد حج, فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما روى الترمذي من حديث ابن مسعود: "تابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ فإنَّهما ينفيان الفقرَ ويزيدان في العمرِ والرِّزقِ كما ينفي كيرُ الحدَّادِ خبثَ الحديدِ".
إلا أنه في هذه السنة ولوجود الإصلاحات في الحرم المكي للتوسعة المباركة إن شاء الله, فإنه ينبغي لمن سبق له الحج قريبًا أن يترك الفرصة لإخوانه المسلمين من شتى بقاع الأرض, لضيق المكان وازدحامه, ويحتسب تركه هذا عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
ومن آكد الأعمال التي تستحب في هذه الأيام العشر: الإكثار من التكبير, بل إنه علامة عشر ذي الحجة.
ويسن الجهر به في الأسواق والبيوت، وليس له صفة محدودة ومن أوصافه: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد".
كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهما- يخرجان في هذه الأيام إلى السوق يُكبران لا يخرجهما إلا التكبير.
وعن ثابت البناني قال : كان الناس يكبرون أيام العشر حتى نهاهم الحجاج .
وعن مجاهد أنه كره القراءة في الطواف أيام العشر، وكان يستحب فيه التسبيح ، والتهليل ، والتكبير.
وسمع مجاهدُ رجلاً كبَّر في أيام العشر فقال مجاهد : أفلا رفع صوته ؛ فلقد أدركتهم وإن الرجل ليكبر في المسجد فيرتجُ بها أهل المسجد ، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح فيرتج بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد.
ومن الأعمال الصحة في هذه الأيام العشر: الصيام .. فتصام التسع الأيام الأولى إلى يوم العيد فلا يصام للنهي عن صيامه.
فقد روى هنيدةُ بن خالد ، عن امرأته ، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس .
وقال عبد الله بن عون : كان محمد بن سيرين يصوم العشر - عشر ذي الحجة كلها-.
وقال ليث بن أبي سليم : كان مجاهد يصوم العشر ، قال : وكان عطاء يتكلفها.
ويتأكد الصيام في اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
عباد الله .. الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة, فما منها عوض ولا تساويها قيمة, المبادرة المبادرة بالعمل, والعجل العجل قبل هجوم الأجل, قبل أن يندم المفرط على ما فعل, قبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحا فلا يجابَ إلى ما سأل, قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل, قبل أن يصير المرء مرتهنا في حفرته بما قدم من عمل.
ليس للميت في قبرهِ *** فطر ولا أضحى ولا عشر
ناء عن الأهل على قربه *** كذاك من مسكنه القبر
بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة, ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة, أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أيها المسلمون .. إن من تَمام التقوى ولزوم الإحسان شُكْرُ المولى - عزَّ وجلَّ - والتقرُّب إليه بذبح الأضاحي، وهي سنَّة سنَّها الخليلُ - عليه السلام - وتأسَّى به الأنبِياء، وتَبِعَهم المؤمنون عبر حِقَبِ التاريخ.
وقد أقامَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالمدينة عشرَ سنين مُداوِمًا على الأضحية.
روى البخاري ومسلم عن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضحَّى بكبشَيْن أملحَيْن أقرنَيْن، ذبَحَهما بيده، وسمَّى وكبَّر، ووَضَع رجلَه على صِفاحهما.

وقد اختلف العلماء في حكم الأضحية, فالفتوى في مذهب الإمام أحمد بن حنبل أنها سنة، ويكره للقادر أن يدعها.
القول الثاني: أن الأضحية واجبة، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ حيث قال: إن الظاهر وجوبها، وأن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم؛ قال ابن عثيمين: والقول بالوجوب أظهر.
ومَن أراد أنْ يُضحِّي فيجب عليه أنْ يُمسِك عن شعره وأظفاره، فلا يأخُذ منه شيئًا من غروب شمس ليلة الأول من ذي الحجة؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : "إذا رأيتُم هِلالَ ذي الحجَّة وأراد أحدُكم أنْ يُضحِّي، فليُمسِك عن شَعرِه وأظفارِه"؛ رواه مسلمٌ في صحيحه.
ومَن أخَذ من شعره وظفره لحاجةٍ، فلا شيءَ عليه، ومَن قصَّ من شعره وظفره لغير حاجَةٍ وجبَتْ عليه التوبةُ وعدَم العودة، ولا كفَّارة عليه، ولا يؤثر ذلك على سلامة الأضحية, وهذا الحكم في المنْع من أخْذ الشعر والأظفار خاصٌّ بصاحب الأضحية، أمَّا الأهل والأولاد ومَن يُضَحَّى عنهم، فلا يَلزَمُهم ذلك.
ويجب - عبادَ الله - أنْ تبلغ الأضحية السنَّ المُجزِئ شرعًا؛ للغنم سنة، وللضَّأن والكَبْش ستَّة أشهر، وللإبل خمس سنين، وللبقر سنتان.
ويجب أيضًا أنْ تكون الأضحية صحيحةً سليمةً، خالية من العيوب، وخيرُ الأضاحي أغلاها وأنفَسُها عند أهلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "والأجر في الأضحية على قدْر القيمة مطلقًا".
أيها الإخوة.. هذه العشر قد أقبلت.. فأروا الله من أنفسكم خيرًا.. لنحرص على لزوم المساجد في هذه العشر, وإطالة المكث فيها, والتزود من الأعمال الصحة, لنحرص أن تكون لنا ختمة أو أكثر في هذه العشر, لنحرص على الصدقة والبذل وسائر أنواع العبادات, تقبل الله من الجميع صالح القول والعمل, وأعاننا على استغلال مواسم الطاعات إنه سميع قريب مجيب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا ربنا سميع كريم مجيب.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

عشر ذي الحجة 27-11-1436.docx

عشر ذي الحجة 27-11-1436.docx

المشاهدات 1830 | التعليقات 1

جزاك ربي خيرا وفضلا شيخ عبدالله