فضل عشر ذي الحجة من كلام ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم
محمد بن عبدالله التميمي
1441/11/26 - 2020/07/17 01:00AM
الحمد لله العالمِ بعدد الرمل والنمل والقطر، ومصرفِ الوقت والزمن والدهر، الخبيرِ بخافي السر وسامعِ الجهر، القديرِ على ما يشاء بالعز والقهر، أقربُ إلى العبد من العنق إلى النحر {هو الذي يسيركم في البر والبحر} ... أنعمَ فلا فضل لغيره، وقضى بنفع العبد وضَيرِه، وأمضى القدر بشره وخيره، فحثَّ على الشكر والصبر، أقسم والقسم على الحقيقة بقدرته، فتأمل ما تحت القسم من فائدته {والفجر وليال عشر والشفع والوتر}.
أحمده حمدا ليس له نهاية، وأقر له بالتوحيد فكم دلت عليه آية، وأصلي على رسوله [نبينا محمد المبعوث بين يدي الساعة، وعلى الآل والصحابة، ومن تبعهم فأحسن اتّباعه، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، وتزودوا من العمل الصالح ليوم لقاه، واستغفروا من ذنوب عن العمل الصالح تحجُب، وفي المآل والعاقبة تَعْطُب، ولات وقتئذ ملاذ ومهرب، ثم] اعلموا رحمكم الله أن عشركم هذا ليس كعشر، وهو يحتوي على فضائل: الأولى: أن الله عز وجل أقسم به فقال {وليال عشر} .
والثانية: أنه سماه الأيام المعلومات فقال تعالى: " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " قال ابن عباس: هي أيام العشر.
والثالثة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له بأنه أفضل أيام الدنيا.
والرابعة: حدث على أفعال الخير فيه.
والخامسة: أنه أمر بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل فيه.
والسادسة: أن فيه يوم عرفة وصومه بسنتين.
والسابعة: وقوع الأضحية التي هي علم للملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية. ومن أراد أن يضحي [فلا] يأخذ بشرته ولا يقلم أظفاره أو يحلق شعره [كما في صحيح مسلم من حديث] أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ".
عِبَادَ اللَّهِ: هَذِهِ الأَيَّامُ مَطَايَا فَأَيْنَ الْعُدَّةُ قَبْلَ الْمَنَايَا، أَيْنَ الأَنَفَةُ مِنْ دَارِ الأَذَايَا، أَيْنَ الْعَزَائِمُ أَرَضِيتُمْ بِالدَّنَايَا، إِنَّ بَلِيَّةَ الْهَوَى لا تُشْبِهُ الْبَلايَا، وَإِنَّ خَطِيئَةَ الإِصْرَارِ لا كَالْخَطَايَا، أَيُّهَا الشَّابُّ سَتُسْأَلُ عَنْ شَبَابِكَ، أَيُّهَا الْكَهْلُ تَأَهَّبْ لِعِتَابِكَ، أَيُّهَا الشَّيْخُ تَدَبَّرْ أَمْرَكَ قَبْلَ سَدِّ بَابِكَ، لُذْ بِالْجَنَابِ ذَلِيلا، وَقِفْ عَلَى الْبَابِ طَوِيلا، وَاتَّخِذْ فِي هَذَا الْعَشْرِ سَبِيلا، وَاجْعَلْ جَنَابَ التَّوْبَةِ مَقِيلا، وَاجْتَهِدْ فِي الْخَيْرِ تَجِدْ ثَوَابًا جَزِيلا، قُلْ فِي الأَسْحَارِ: أَنَا تائب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ([1]) .
الخطبة الثانية
الحمد لله أحق من شكر وأولى من حمد، وأكرم من تفضل وأرحم من قصد، فاعبده واقصِده ولا تَحِد، وأصلي على رسوله محمد سيد ولد آدم وبيده لواء الحمد عُقِد، صلى الله عليه وعلى آله ومن له صَحِب، ومن لهم بإحسان تبع، أما بعد: فاعلموا عباد الله أن أيام العشر أفضل الأيام عند الله، وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء» ) ، وهي الأيام العشر التي أقسم الله بها في كتابه بقوله: {والفجر - وليال عشر} ولهذا يستحب فيها الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد»([2]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من جهاد لم يذهب فيه نفسه وماله، والعبادة في غيره تعدل الجهاد للأخبار الصحيحة المشهورة، وقد رواها أحمد وغيره([3]).
قال ابن القيم رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء في عشر ذي الحجة، ويأمر فيه بالإكثار من التهليل والتكبير والتحميد، ويذكر عنه «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق فيقول: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد» ) وهذا وإن كان لا يصح إسناده فالعمل عليه، ولفظه هكذا يشفع التكبير، وأما كونه ثلاثا، فإنما روي عن جابر وابن عباس من فعلهما ثلاثا فقط، وكلاهما حسن. قال الشافعي: إن زاد فقال الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر، كان حسنا([4]).
عباد الله: اعلموا أن الأمر في هذا من الله توفيق، ومن رأى من نفسه ضعفا في قَدر هذه الأيام فليرجع على نفسه باللوم، قال أبوطالب المكي رحمه الله: اذا أحب الله عزّ وجلّ عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بأفضل الأعمال ليثيبه أفضل الثواب وإذا مقت عبداً استعمله بأسوأ الأعمال في أفاضل الأوقات ليضاعف له السيّئات بانتقاص حرمات الشعائر وانتهاك المحرمات في الحرمات([5]).
المرفقات
عشر-ذي-الحجة-1441-من-كلام-ابن-الجوزي-وابن-تي
عشر-ذي-الحجة-1441-من-كلام-ابن-الجوزي-وابن-تي