فضل صلة الرحم والتحذير من قطعها

خالد الشايع
1445/12/28 - 2024/07/04 18:17PM

 

 

 

 

 

 

 


  صلة الرحم 29/12/1445

 

 

 

 


الخطبة الأولى

 


إن الحمد لله نحمده و..( خطبة الحاجة)

 


أما بعد فيا أيها الناس :

 


لقد من الله سبحانه على هذه الأمة بأن فرض عليها أفضلَ شرائعِ دينه ، فهي شريعةٌ كاملةٌ صالحة لكل زمان ومكان ، من تمسك بها أفلح ونجح في الدنيا والآخرة ومن أعرض عنها خاب وخسر في الدنيا والآخرة.

 


وإن مما حثت عليه الشريعة الغراء الإحسان إلى الناس بجميع أنواعهم ، وحفظ الود لهم ، ولين الجانب فيما بينهم ، فلن يستطيع الإنسان أن يملك قلوب الناس أو يعطفها إليه ، بل لن يسعهم بماله ، ولكنَّ حسن الخلق وكريم الطباع يفعل في النفس مالا يفعله غيره .

 


أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان

 


ولهذا وردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة والآثار عن سلف الأمة التي تحث على صلة الرحم التي مامن مسلم إلا وله رحم بأخيه المسلم ابتداء بالرحم الأول من حواء عليها السلام ، فالناس كلهم يرجعون إلى أصل واحد وإن اختلفت لغاتهم ولهجاتهم ودماؤهم وألوانهم ، قال الله ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة .. )فذكر سبحانه أن أصل الخلق أب واحد وأم واحدة ، وذكّر به ليعطف بعضهم على بعض ويحثهم على البر بضعفائهم وأخبر أنه سبحانه مراقب لهم في جميع تصرفاتهم وأعمالهم.

 


ولنعلم أنه كلما اقترب العمود النسبي إليك كلما ازادت عليك الحقوق زيادة على حق الإسلام ، حتى تصل إلى أولهما وأعظمهما حقا ألا وهما ( الأب والأم ) .

 


معاشر المسلمين : إن صلة الرحم هي من أول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، كما جاء ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن أبا سفيان حين سأله هرقل قائلا : فما يأمركم ؟

 


يعني النبي r قا ل أبو سفيان : يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة )

 


بل إن النبي r جعل صلة الرحم من علامات الإيمان أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قالr ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه )

 


وكيف لا تكون صلة الرحم من أهم ركائز وشعائر المسلمين ، وإن الناظر إلى حال الكفار الغربيين يجد أن القطيعة شعارُهم فلا صلة بين الآباء والأبناء بل لا يعرف له قريبُ رحمٍ وإنما رحمهم الدنيا كما قال تعالى (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ)

 


أيها المؤمنون :إن قطيعةَ الرحم كبيرةٌ من كبائر الذنوب التي توعد الله مرتكبها بـألوان من الوعيد والعقوبات العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة ، فقاطع الرحم مقطوع من الله ومن قطعه الله فأي خير يرجو ، واي شر وسوء يأمن في عاجل أمره وآجله .

 


أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا ( إن الله تبارك وتعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال الله نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك )

 


وإن قطيعة الرحم من الذنوب التي تعجل عقوبتها في الدنيا زيادة على ما يدخر لصحبها من العقوبة في الآخرة ، أخرج أبو داود من حديث أبي بكرة مرفوعا ( ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم )

 


ولقد توعد الله القاطع لرحمه باللعنة وبسوء الدار في الآخرة (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْض أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)

 


عباد الله : إن قطيعة الرحم من أسباب طمس القلوب وعمى البصائر والحرمان من العلم النافع بل ومن كل خير لأنها من الفساد في الأرض (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {22 {اُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ )

 


ومن عقوبة قاطع الرحم أنه قد عرض نفسه لعدم استجابة الدعاء فقد رُوى أن ابن مسعود كان جالسا في حلقة بعد الصبح في المسجد فقال : انشد اللهَ قاطعَ رحم إلا قام عنا ، فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبوابَ السماء مرتجةٌ دون قاطع الرحم )

 


بل إن قاطع الرحم ليعم بسوء عمله على من حوله ، أخرج مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى مرفوعا ( لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع ) بل أعظم من ذلك يا عباد الله أن قاطع الرحم متوعد بعدم دخول الجنة والعياذ بالله أخرج البخاري ومسلم من حديث جبير بن مطعم مرفوعا ( لا يدخل الجنة قاطع ) يعني رحمه

 


أيها المؤمنون : تلك جملة من عقوبات قاطع الرحم أسأل الله أن يعافينا منها وإخواننا المسلمين إنه سميع مجيب الدعاء .أقول قولي...

 


 

 

 

 

 


الخطبة الثانية

 


الحمد لله الملك القدوس أمر بصلة الأرحام وجعلها من خصال المؤمنين ، الذين وعدهم الله الجنةَ دارَ السلام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام صلى الله .......

 


أما بعد فيا أمة محمد :

 


إن صلةَ الرحم حاجةٌ فطرية وضرورة اجتماعية تقتضيها الفطرة الصحيحة ، وتميل إليها الطباع السليمة فبها يتم الأنس وتنتشر المحبة وتسود المودة .

 


إذا علم هذا ، وجب على المسلم أن يتعرف من نسبهِ ما يصل به رحمَه ، أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ، فإن صلة الرحم محبةٌ في الأهل مثراةٌ في المال ، منسأةٌ في الأثر ) لعل البعض يتسآءل ما معنى صلة الرحم ؟

 


فنقول إن الأرحام جمع رحم ، وهو في الأصل مكان تكوين الجنين في بطن أمه ثم استعير لقبا للقرابة مطلقا لكونهم خارجين من رحم واحدة فصار اسما لكافة أقارب الشخص كأمه وأبيه وأخته وأخيه وابنه وبنته وكلِ من بينهم وبينه صلةٌ من هذه الجهات كالأجداد والجدات وإن علو ، والأبناءِ والبنات وإن نزلوا والإخوةِ والأخوات والأعمامِ والعمات ، والأخوالِ والخالات وأبناءِ الجميع سواء أكان الواحد منهم قريبا مباشرا أو غير مباشر محرما أو غير محرم كل من هؤلاء له صلة وهي بحسب منزلته منك وقربه وحاله وحاجته .

 


أيها المؤمنون : إن من لا يعرف معنى صلة الرحم و لامتى يكون الإنسان واصلا لرحمه ، لا يستطيع أن ينال تلك الهبات الربانية لأهل الصلة ، وقد يقع في الوعيد لمن قطع رحمه ، ولهذا سنبين معنى الصلة فقد قال النووي : ( هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول ، فتارة تكون بالمال وتارة تكون بالخدمة ، وأخرى تكون بمجرد الزيارة والسؤال عن الحال وغير ذلك .

 


وقال ابن أبي جمرة : تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء) وقال القرطبي : تجب مواصلة الرحم بالتودد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام

 


بالحقوق الواجبة والمستحبة والنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم )أهـ

 


وتكون الصلة كذلك بإيثارهم بالإحسان والصدقة والهدية على من سواهم ودعوتهم وتوجيههم إلى الخير قبل جميع الناس تحقيقا لقوله سبحانه ( وأنذر عشيرتك الأقربين )

 


والمعنى الجامع لصلة الرحم هو إيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم بحسب الوسع والطاقة .

 


ولنعلم جميعا أن لذوي الأرحام مراتبَ في الصلة قال النووي : يستحب أن تُقدم الأم ُفي البر ثم الأبُ ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الإخوة والأخوات ثم سائرُ المحارم من ذوي الأرحام )

 


أخرج أبو داود من حديث أبي رمثة قال انتهيت إلى رسول الله r فسمعته يقول (أمَّك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك )

 


وصلة الرحم لا تقتصر على القريب فقط بل حتى على الرحم البعيدة فينبغي للمسلم أن يعطيها حقها من الصلة ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر مرفوعا ( إنكم ستفتحون مصرَ و هي أرضٌ يسمى فيها القيراط فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمةً و رحما فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة فاخرج منها) .‌

 


قال النووي : قال العلماء الرحم التي لهم كون هاجرَ أمِ إسماعيل منهم ، والصهرُ كون ماريةَ أمِ إبراهيم ابنِ النبي r منهم )

 


معاشر المؤمنين : ليس الواصل بالمكافئ بل الواصل الذي إذا قَطعتْ رحمه وصلها فإننا وللأسف نسمع من يقول : إنما أذهب إلى من يأتي إلي والذي لا يزور لا يزار ، وهذا خلاف الهدي النبوي فإن صلة الرحم من لفظها يتبين أنها في الأصل لمن انقطعت الصلة بينه بينهم فيصلهم.

 


عباد الله :بعد هذا العرض السريع لما يتعلق بالصلة نحب أن ننبه أن الواصلَ لرحمه مأجورٌ على صلته في الدنيا والآخرة ، فالقاطع قد فوت على نفسه أجورا كثيرة ، فمن ذلك أنها سبب لصلة الله لهذا لعبد كما سبق ذكره في الحديث ( من وصلك وصلته) كما أنها سعة في الرزق وزيادة في العمر.

 


أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس مرفوعا ( من سره أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه) وذلك بأن يبارك الله له في عمره فيعملَ فيه مالا يعمله الغني المعمر .

 


وإن أجر صلة الرحم ليفوق أعمالا كثيرة من الخير فمن ذلك أن صلة الرحم خير من إعتاق الرقاب أخرج البخاري ومسلم من حديث ميمونة قال يا رسول الله أشعرت أني أعتقت وليدتي قال أو فعلتي قالت نعم قال أما إنك لو أعطيْتها أخوالك كان أعظم لأجرك ) فأين الذي يستغني عن شيء من أثاثه أو مطعمه ، فيقوم برميه أو بيعه أو هبته لآخرين وينسى أقاربه المحتاجين ، أين هو من هذا الحديث !!!!

 


أيها المؤمنون : إن من أعظم صلة الرحم ، صلة الوالدين بالعطف عليهما ولين الجانب لهما ، وتقديم حقهما على حق كل أحد سوى اللهِ تعالى ، خصوصا عند كبرهما وحاجتهما ، فويل لمن يهين أمَّه ويصل امرأته ، وويل لمن يبعد أباه ويقرب صديقه فمن فعل ذلك فهو المحروم حقا أعاذنا الله وإياكم من ذلك .

 


اللهم أعنا على صلة أرحامنا ...

 


اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمةفي الدنيا والآخرة

 


اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر الشرك..  ... ربنا ظلمنا أنفسنا .. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا ..

 

 

 

 

 

 

المشاهدات 252 | التعليقات 0