فضل شعبان والعمل الصالح فيه

محمد الأحمد
1433/08/02 - 2012/06/22 02:55AM
فضل شعبان والعمل الصالح فيه
2/8/1433هــ



الحمد لله الذي عظَّم بعض الليالي قدْراً، نحمده سبحانه بكمالاته التي بهرت العقول بهراً، ونشكره شكراً يتوالى على نِعمه التي فاقت العدَّ حصْراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ أرفع العالمين قدْراً، صلَّى الله وسلم على محمد بن عبدالله وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم إحساناً وفخراً. أما بعد:
فيا أيها المؤمنون الكرام، قد أظلّكم شهرٌ عظيم الشان، ألا وهو شهرُ شعبان، فيه تتنزل الرحمة من الله المنّان، وقد عظّمه رسولنا بصالح العمل، واجتهد فيه من غير تعبٍ ولا كلل.
شهرٌ كريم بين شهريْن كريمين.. يغفل الناس عنه، والغفلة في هذه الأيامِ أشدُ وأكثر، فالناس منشغلون بالإجازة الصيفية وترفيهها، وبالحوادث السياسية وأخبارها، وبالفتن التي تحل على المسلمين ولا يدرون عن أي قوسٍ يتقون، لا يدرون ماذا يفعلون في هذا القيظ الشديد، وماذا يصنعون وقد غلّتهم الديون واجتالتهم الهموم..
ولكن للنبي صلى الله عليه وسلم منهجٌ آخر في التعامل مع ذلك، فمنهج رسولنا صلى الله عليه وسلم هو قَنْصُ الفرصة واستغلالُها، لا يفوت عليه شهرٌ كريم أو عمل صالحٌ عظيم إلا وقد ضرب فيه بسهم .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بصيامه، حتى أن الصحابة لَحِظُوه، فاستفهموا منه عن ذلك فقال له أسامةُ بنُ زيدٍ رضي الله عنه: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))( ).
فطُوبى لم استغل هذا الشهرَ فصامَه، وإن لم يتيسّر له شيئٌ من ذلك صامَ بعضَ أيامه كالاثنين والخميس..
طوبى لم صام في هذا الحرِّ الشديد يوماً واحداً ليتّقيَ يوماً في الآخر شديداً حرُّه، فـ(مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [يعني في مرضاته ويريد به وجه الله والدار الآخرة( )] إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)( ).
وواللهِ من جرِّب صيام يومٍ واحد، لوجَد في قلبه سعادة وفي نفسِه راحةً لا يَعلمها إلا من جرَّبها.
فكُنْ أيها المؤمن ممن أنار الله بصيرته فازداد من العبادة في هذا الشهر الذي يغفَل الناسُ عنه، والعبادة في الفتنة والهرج كالهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الحياةُ كما أسلفنا لا نَشكُّ أنها من أزمنةِ الفتنة والغَفْلة..
هذا الشهر الكريم أيها الإخوة فيه ليلةٌ يَغفرُ الله فيها لعباده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن))( ).
فانظر إلى عِظَم الشرك بالله سبحانه وتعالى، وانظر أيضاً إلى عِظَم الشحناء التي قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك، والشحناءُ هي العداوة التي تملأ القلب، الشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضًا له؛ لهوى في نفسه، لا لغرض شرعي ومندوحة دينية، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، والحرمان من هذا الفضل ليس مختصاً بشعبان، بل حتى في الرحمة الأسبوعية، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبى هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا [أي: حتى يرجعا إلى الصلح والمودة( )])). والمسلم الحصيف هو من طهّر قلبه من هذها لشحناء لينال مغفرة الله تعالى ورحمتَه.
أيها الأحبة: هذا الشهرُ الكريم كالتهيئة والتمرين لشهر رمضان( )، وكالمقدِّمة له، ولذلك شُرِع فيه صيام التنفّل، وكان بعض السلف يُسمي هذا الشهرَ شهرَ القراء، لانكبابهم على القرآن، وقد روي عن عمرو بنِ قيسٍ أنه كان إذا دخل رمضان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، وكانوا يُسمون شهر شعبان: شهرَ الغرسِ والسقي، باعتبار أن الحصادَ والعملَ الصالح الأكبرَ في شهر رمضان..
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ويسّر لنا عملاً صالحا في هذا الشهر الكريم نتزوّد به من رحمتك وفضلِك.. أقوم ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي غمَر العبادَ بإنعامه، وعمَّر قلوب المؤمنين بأنوار الدين وأحكامِه، وأشهد ألا إليه إلا الله وحده لا شريك له؛ فضّل بعض الشهورِ على بعضٍ ليتزوّد العبد في سيره إلى ربه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله وسلّم على محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فأوصيكم أيها المؤمنون ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلّ، فإن التقوى خيرُ زادٍ يتزوّد بها المسلم إلى دار المعاد ((وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى)).
وتنبّه من أن ينقطع بك الطريق إلى الله وأن لم تتزوّد في هذه الدنيا، واحذر أن يُفاجئك الموتُ ولم تعمل من الصالحات إلا ما تتمنى وتترجى فِعْلَه في المستقبل، فالموت لا ينتظرك، ويقطع عليك أمَلَك فلا رجعةَ إلى هذه الدنيا.
والسعيدُ –والله- من عمل صالحاً في هذا الشهر المبارك، والموفَّق هو من وفَّقه الله لتطهير صدره من الشحناء والبغضاء، وعالجَ قلبَه من أمراض القلوب؛ ليحظى بمغفرة الله له سبحانه، فيُقْبِل على شهر رمضان وقد خفّت روحه من أثقال المعاصي وَ صَفَتْ نفسُه من سخائمها، وابيضّ قلبه من غيهبه

اللهم ارزقنا عملاً صالحاً في هذا الشهر الكريم..
اللهم وفقنا فيه للصيام والصدقة وقراءة القرآن .. اللهم وفقنا فيه للعمل الصالح وتقبّله منا يا أرحمَ الراحمين.
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.. اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.. اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلا ورزقنا حلالا طيبا مباركا فيه.
اللهم احفظنا وادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.. عن بلدنا هذا خاصةً وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. .... اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
عِبَادَ اللهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ المُسْدَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فاللهم صلِّ وسلم على محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

فضل شعبان.doc

فضل شعبان.doc

المشاهدات 5111 | التعليقات 2

للرفع والاستفادة


ترفع لمناسبتها هذه الجمعة