فضل تفريج الكرب وقضاء الحوائح + الدعوة إلى التبرع
إبراهيم بن سلطان العريفان
1438/04/01 - 2016/12/30 07:53AM
الحمد لله رب العالمين، أمر بالبر والإحسان، ونهى عن الظلم والعدوان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك والحمد والعظمة والسلطان، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين نشروا دينه في عموم الأوطان، وسلم تسليما كثيرا.
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فالتقوى في مخالفة الهوى، والشقاء في مجانبة الهدى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... فاضل الله بين عباده في الشرف والجاه، والعلم والعبادة، وسخر بعضهم لبعض ليتحقق الاستخلاف وتُعمر الأرض ( وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْ ) وقال تعالى ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ).
ففي شكوى الفقير ابتلاءٌ للغني، وفي انكسار الضعيف امتحان للقوي، وفي توجُّع المريض حكمة للصحيح، ومن أجل هذه السنة الكونية جاءت السنة الشرعية بالحث على التعاون بين الناس، وقضاء حوائجهم، والسعي في تفريج كروبهم، وبذل الشفاعة الحسنة لهم، تحقيقًا لدوام المودة، وبقاء الألفة، وإظهار الأخوة
وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجْلبِت نعمُ الله واستُدفعت نقمه بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه.
عباد الله .. نفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرسل، فالكريم يوسف عليه السلام مع ما فعله إخوته جهزهم بجهازهم، ولم يبخسهم شيئًا منه. وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، رفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما. وخديجة رضي الله عنها تقول في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
وكان أشرف الخلق محمدٌ صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن حاجة لم يردَّ السائل عن حاجته، فما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: لا.
إن خدمة الناس ومسايرة المستضعفين دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، وربنا يرحم من عباده الرحماء، ولله أقوامٌ يختصهم بالنعم لمنافع العباد، وجزاء التفريجِ تفريجُ كربات وكشفُ غمومٍ في الآخرة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا نفَّس اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ. ومن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن ستر مسلمًا ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ. واللهُ في عَونِ العبدِ ما كان العبدُ في عَوْنِ أخيه )
ومن نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفاتحا للخير والإحسان، قال رسول الله عليه وسلم ( عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ ).
ومن نعم الله تعالى على العبد أن يسخره لقضاء حوائج الناس،قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم ( إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ).
عباد الله .. إن نفع الناس من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى، قال رسول الله عليه وسلم ( أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ ).
وتذكروا – عباد الله – وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَاجَتِهِ ).
واعلموا .. أن بذل المعروف والإحسان تحسن الخاتمة، وتُصرف ميتة السوء، يقول عليه الصلاة والسلام ( صنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارع
السُّوءِ، والصدقةُ خَفِيًّا تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العمرِ، وكلُّ معروفٍ صدقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا هم أهلُ
المعروفِ في الآخرةِ، وأهلُ المُنكرِ في الدنيا أهلُ المُنكرِ في الآخرةِ ، وأولُ مَنْ يدخلُ الجنَّةَ أهلُ المعروفِ ).
نسأل الله تعال أن يستخدمنا في طاعته .
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... السعيد من اغتنم جاهه في خدمة الدين ونفع المسلمين، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : من مشى بحق أخيه ليقضيه، فله بكل خطوة صدقة.
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استُخلف قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله. و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل، يسقي لهن الماء ليلاً. وكان أبو وائل رحمه الله يطوف على نساء الحي وعجائزنهن كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يُصلحهن. كان علي بن الحسين - رحمه الله - يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل.
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ.
عباد الله ... المعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شؤون الناس زكاة أهل المروءات. وإن الأمة اليوم ابتليت بإخوان لهم يضطهدون ويقتَّلون على أيدي أعداء الأمة .. فسوريا الجريحة اليوم لهو امتحان واختبار للمسلمين ... ولْيسأل كلُّ واحدٍ نفسه, ما ذا قدم لإخوانه المستضعفين في الشام, الذين أُهدرت دماؤهم, وانتُهكت حرُماتهم, واسْتُبيحت أعراضهم. فإن أُغلق بابٌ من الأبواب, فلا حجة فيه للبخيل والمرتاب, لأن أبواب نُصرتهم كثيرة, وطرق الدعم وفيرة.
وقد عاب الله تعالى, على من تخاذل عن نُصرة المسلمين, فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فخُذلان المستضعفين هي من صفات المنافقين, وسجايا المفتونين, مُتوعَّدٌ صاحبها بالعذاب الأليم, وغضب القويِّ المتين.
إنَّ الواجب على الأمَّة ألا تقف مُتفرِّجة, بل الواجب على كلِّ مَنْ يُؤمن بالله واليومِ الآخر: أنْ يُقدِّم لهمُ المساعدة حَسَبَ اسْتطاعته, وإنه لا أقلَّ من مُساعدتهم بصادقِ دُعائه, وتخفيفِ مُصابهم بأمواله. فهاهو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله ينشئ حملة استغاثة للشعب في سوريا في جمع تبرعات مالية بطريقة منظمة وسهلة، ووضعت لها حساباتٍ لاستقبال التبرعات.
فبادروا يا مَنْ تتقلَّبون بنعم الله, وتعيشون برغد العيشِ ولذة الأمن والعافية, بادروا إلى دعم إخوانكم بما فَضُلَ عندكم, واعلموا أنَّكم إنْ خذلتموهم خذلكم الله, وإنْ منعتموهم ما عندكم منعكم الله ما عنده.
يا أهل الجُودِ واليَسَارِ ... اشْتَرُوا رِضَا رَبِّكم، بِقَلِيْلٍ مِنْ كَثيرٍ ممَّا عِنْدَكُمْ، فَالصَّدقةُ أَيّامَ الجَوَائِحِ والحَاجَاتِ ممَّا يُنْجِي مِنْ نَار تَلَظَّى، قال سبحانه ( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ).
يا أهلَ القلوبِ الرَّحِيْمةِ ... سارعُوا إلى تَفْريجِ الكُرَبَ هُنَا، لِتُفَرَّجَ عَنْكُم كُربٌ مهولةٌ هناك ( ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ).
يا أهل الإيمان ) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ )
يا أهل الإيمان ( أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )
يا أهل الإسلام ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )
اللهم يا ناصر المظلومين، يا ملجأ المستضعفين إن أهلنا في سوريا قد مسهم الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، اللهم فأطعم جائعهم، واكس عاريهم، وأمِّن خائفهم، وتقبل شهيدهم، وآوي طريدهم، الههم وارفع البلاء عنهم.
اللهم عليك بالنصيرية الظالمين، اللهم أذقهم بأسك ورجزك إله الحق، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربنا سوط عذاب، إنك للظالمين بالمرصاد، اللهم شتتهم في الأرض، وارفع عنهم عافيتك، وأذقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يا قوي يا جبار، اللهم لا ترفع لمن آذانا في إخواننا عزَّا، ولا تحقق لهم نصراً ولا مجداً، وسلط عليهم من الأزمات ما يردهم عنا.
اللهم انصر من كان في نصره عزٌّ للإسلام والمسلمين، واخذل من كان في خذلانه عزٌّ للإسلام والمسلمين.
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، فالتقوى في مخالفة الهوى، والشقاء في مجانبة الهدى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... فاضل الله بين عباده في الشرف والجاه، والعلم والعبادة، وسخر بعضهم لبعض ليتحقق الاستخلاف وتُعمر الأرض ( وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْ ) وقال تعالى ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ).
ففي شكوى الفقير ابتلاءٌ للغني، وفي انكسار الضعيف امتحان للقوي، وفي توجُّع المريض حكمة للصحيح، ومن أجل هذه السنة الكونية جاءت السنة الشرعية بالحث على التعاون بين الناس، وقضاء حوائجهم، والسعي في تفريج كروبهم، وبذل الشفاعة الحسنة لهم، تحقيقًا لدوام المودة، وبقاء الألفة، وإظهار الأخوة
وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها على أن التقرب إلى رب العالمين والبر والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير، وأن أضدادها من أكبر الأسباب الجالبة لكل شر، فما استُجْلبِت نعمُ الله واستُدفعت نقمه بمثل طاعته والإحسان إلى خلقه.
عباد الله .. نفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرسل، فالكريم يوسف عليه السلام مع ما فعله إخوته جهزهم بجهازهم، ولم يبخسهم شيئًا منه. وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، رفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما. وخديجة رضي الله عنها تقول في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
وكان أشرف الخلق محمدٌ صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن حاجة لم يردَّ السائل عن حاجته، فما سئل رسول الله شيئًا قط فقال: لا.
إن خدمة الناس ومسايرة المستضعفين دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، وربنا يرحم من عباده الرحماء، ولله أقوامٌ يختصهم بالنعم لمنافع العباد، وجزاء التفريجِ تفريجُ كربات وكشفُ غمومٍ في الآخرة، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كُرَبِ الدنيا نفَّس اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ. ومن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ. ومن ستر مسلمًا ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ. واللهُ في عَونِ العبدِ ما كان العبدُ في عَوْنِ أخيه )
ومن نعم الله تعالى على العبد أن يجعله مفاتحا للخير والإحسان، قال رسول الله عليه وسلم ( عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ ).
ومن نعم الله تعالى على العبد أن يسخره لقضاء حوائج الناس،قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم ( إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ).
عباد الله .. إن نفع الناس من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى، قال رسول الله عليه وسلم ( أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً، ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ، ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ ).
وتذكروا – عباد الله – وصية نبيكم صلى الله عليه وسلم ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ في حَاجَتِهِ ).
واعلموا .. أن بذل المعروف والإحسان تحسن الخاتمة، وتُصرف ميتة السوء، يقول عليه الصلاة والسلام ( صنائعُ المعروفِ تَقِي مَصارع
السُّوءِ، والصدقةُ خَفِيًّا تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ، وصلةُ الرَّحِمِ زيادةٌ في العمرِ، وكلُّ معروفٍ صدقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا هم أهلُ
المعروفِ في الآخرةِ، وأهلُ المُنكرِ في الدنيا أهلُ المُنكرِ في الآخرةِ ، وأولُ مَنْ يدخلُ الجنَّةَ أهلُ المعروفِ ).
نسأل الله تعال أن يستخدمنا في طاعته .
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...
الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... السعيد من اغتنم جاهه في خدمة الدين ونفع المسلمين، يقول ابن عباس رضي الله عنهما : من مشى بحق أخيه ليقضيه، فله بكل خطوة صدقة.
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة والصالحون، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للحي أغنامهم ، فلما استُخلف قالت جارية منهم : الآن لا يحلبها ، فقال أبو بكر : بلى وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله. و كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعاهد الأرامل، يسقي لهن الماء ليلاً. وكان أبو وائل رحمه الله يطوف على نساء الحي وعجائزنهن كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يُصلحهن. كان علي بن الحسين - رحمه الله - يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، كان ناس من أهل المدينة يعيشون ولا يدرون من أين معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كان يأتيهم بالليل.
من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * * * لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ.
عباد الله ... المعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شؤون الناس زكاة أهل المروءات. وإن الأمة اليوم ابتليت بإخوان لهم يضطهدون ويقتَّلون على أيدي أعداء الأمة .. فسوريا الجريحة اليوم لهو امتحان واختبار للمسلمين ... ولْيسأل كلُّ واحدٍ نفسه, ما ذا قدم لإخوانه المستضعفين في الشام, الذين أُهدرت دماؤهم, وانتُهكت حرُماتهم, واسْتُبيحت أعراضهم. فإن أُغلق بابٌ من الأبواب, فلا حجة فيه للبخيل والمرتاب, لأن أبواب نُصرتهم كثيرة, وطرق الدعم وفيرة.
وقد عاب الله تعالى, على من تخاذل عن نُصرة المسلمين, فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فخُذلان المستضعفين هي من صفات المنافقين, وسجايا المفتونين, مُتوعَّدٌ صاحبها بالعذاب الأليم, وغضب القويِّ المتين.
إنَّ الواجب على الأمَّة ألا تقف مُتفرِّجة, بل الواجب على كلِّ مَنْ يُؤمن بالله واليومِ الآخر: أنْ يُقدِّم لهمُ المساعدة حَسَبَ اسْتطاعته, وإنه لا أقلَّ من مُساعدتهم بصادقِ دُعائه, وتخفيفِ مُصابهم بأمواله. فهاهو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله ينشئ حملة استغاثة للشعب في سوريا في جمع تبرعات مالية بطريقة منظمة وسهلة، ووضعت لها حساباتٍ لاستقبال التبرعات.
فبادروا يا مَنْ تتقلَّبون بنعم الله, وتعيشون برغد العيشِ ولذة الأمن والعافية, بادروا إلى دعم إخوانكم بما فَضُلَ عندكم, واعلموا أنَّكم إنْ خذلتموهم خذلكم الله, وإنْ منعتموهم ما عندكم منعكم الله ما عنده.
يا أهل الجُودِ واليَسَارِ ... اشْتَرُوا رِضَا رَبِّكم، بِقَلِيْلٍ مِنْ كَثيرٍ ممَّا عِنْدَكُمْ، فَالصَّدقةُ أَيّامَ الجَوَائِحِ والحَاجَاتِ ممَّا يُنْجِي مِنْ نَار تَلَظَّى، قال سبحانه ( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ*يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ).
يا أهلَ القلوبِ الرَّحِيْمةِ ... سارعُوا إلى تَفْريجِ الكُرَبَ هُنَا، لِتُفَرَّجَ عَنْكُم كُربٌ مهولةٌ هناك ( ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ).
يا أهل الإيمان ) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ )
يا أهل الإيمان ( أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )
يا أهل الإسلام ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )
اللهم يا ناصر المظلومين، يا ملجأ المستضعفين إن أهلنا في سوريا قد مسهم الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، اللهم فأطعم جائعهم، واكس عاريهم، وأمِّن خائفهم، وتقبل شهيدهم، وآوي طريدهم، الههم وارفع البلاء عنهم.
اللهم عليك بالنصيرية الظالمين، اللهم أذقهم بأسك ورجزك إله الحق، اللهم إنهم قد طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربنا سوط عذاب، إنك للظالمين بالمرصاد، اللهم شتتهم في الأرض، وارفع عنهم عافيتك، وأذقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يا قوي يا جبار، اللهم لا ترفع لمن آذانا في إخواننا عزَّا، ولا تحقق لهم نصراً ولا مجداً، وسلط عليهم من الأزمات ما يردهم عنا.
اللهم انصر من كان في نصره عزٌّ للإسلام والمسلمين، واخذل من كان في خذلانه عزٌّ للإسلام والمسلمين.