(فضل المشي إلى المسجد) مستفادة من خطب بعض المشائخ الكرام
Abosaleh75 Abosaleh75
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أما بعد:
فَاتَّقوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: ٤].
أيها المسلمون: إن التجارة الرابحة التي لا خسارة فيها ولا بوار هي التجارة مع الله وإن من الأعمال التي نتاجر بها مع الله ونحصل بها مكاسب عظيمة وحسنات وفيرة عَمَلٌ ذَكَرَهُ اللهُ في كتابِهِ، وأَخْبَرَ أنَّه يدَّخِرُهُ للْعَبْدِ فِي صحِيفَةِ عَمَلِهِ؛ إنَّه المشْيُ إِلى الصَّلاةِ. نعم أيها الكرام خُطْوَاتٌ تمشيها إلى المساجد قَدْ لَا تتْرُكُ أثرًا عَلى الأَرْضِ، وإِنْ ترَكَتْ أَثَرًا محته الرِّيحُ، تبْلُغُ عندَ اللهِ مَنْزِلَةً عظِيمَةً، قالَ اللهُ -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: ١٢]؛ فسَّرها عُمَرُ وابْنُ عبَّاسٍ وابْنُ جُبَيْرٍ أن الآثَارُ هِي الممْشَى إِلى المسَاجِدِ للصَّلَاةِ.
بل رَوى الترْمِذِيُّ عنْ أبِي سعيدٍ الخدْرِيِّ -رضي الله عنه-, قال: كانت بنو سَلِمَةَ في ناحِيَةٍ مِن المدينة، فأرادوا أن يَنْتَقِلُوا إلى قريبٍ مِن المسْجِدِ، فنزلَتْ: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: ١٢]؛ فقال لهم النبيُّ: "إن آثاركم تكتب" فلم ينتقلوا. (أخرجه الترمذي).
عباد الله: إن الماشي إلى المسجد هو في خير ممشى، لأنه بين خُطوتين، خُطوة تَكتبُ له حسنةً وترفعه درجة، وخُطوةٌ تُكفِّرُ عنه ذنباً وتمحو عنه سيئة جاءَ في صحيح مسلمٍ عَنْ أَبِي هُريْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً".
وفي الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هُريْرَةَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وَأَتَى الْمَسْجِدَ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ".
ومن كرم الله وفضله أن الأجر مكتوبٌ لك في ذهابِك ورٌجوعِك، فليس الأجرُ خاصًّا بالذهابِ فقَطْ، بَلْ حتَّى رجوعُك مكتوبٌ لكَ؛ بدليل ما رواه مسلم من حديثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ لاَ أَعْلَمُ رَجُلًا أَبْعَدَ مِنَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ، فَقِيلَ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِى الرَّمْضَاءِ, قَالَ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي, فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ".
عباد الله: إنّ الماشي إلى المسجدِ بمنزلةِ الضيفِ على الله، والزائرِ له، وحقُّ الزائرِ أن يُكرَمَ قال ﷺ «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ» مُتّفَقٌ عليه، والنُّزُلُ هو ما يُقَدَّمُ للضيفِ عند أولِ نزولهِ بأهلِ الدار. والماشي إلى المسجدِ في ظلامِ الليلِ كالعشاءِ والفجرِ يُثيبهُ اللهُ تعالى بالنُّور التّامِّ يومَ القيامة؛ فإنّ الجزاءَ في الآخرةِ مِن جِنسِ العملِ الذي كان في الدنيا، ومُناسِبٌ له، قال ﷺ: “بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ” رواه الترمذي.
ولما كان أجرُ المشيِ إلى المسجدِ على عدد الخُطُوات كان الأبعدُ منه أكثرَ أجراً من الأقرب لكثرة خطواته إليه قال ﷺ “إنّ أعظَمَ الناسِ أجراً في الصلاةِ أبعدُهم إليها مَمْشىً فأبعدُهم” متفق عليه. وللحرص على كثرة الخُطَى إلى المسجد كان بعضُ الصحابةِ إذا مشى إلى المسجدِ قاربَ بين خُطاه لتكثر عدد حسناته ويكثر ما يُمحى من سيئاته منهم أنس وزيد بن ثابت، قال حَمـَّادُ بنُ سَلَمة: “مشيتُ مع أنسِ بنِ مالك إلى الصلاة وقد أُقيمتْ الصلاة، وكان يُقارِبُ بين الخُطَى، فقال لي: أتدرى لِمَ أفعل هذا؟ فقلت: لم تفعله؟ قال: كذا فعل بي زيد بن ثابت، ليكون أكثرَ لِخَطْوِنَا” رواه العقيلي.
فَليحرصِ المسلمُ أيها الكرام ما استطاعَ أن يتطهرَ في بيته وأن يخرجَ للمسجد ماشياً، ويرجعَ منه ماشياً، وأن يمشيَ وعليه السكينةُ وأن يقارِبَ في خَطوه ليكون أعظمَ لثوابه، وأرفعَ لدرجاتِه، وأكثرَ في تكفيرِ سيئاتِه.
ومن كان يا عباد الله عنده عذر يمنعه من المشي الى المسجد ويأتي اليه راكبا على سيارته أو عربته المتحركة فإنه يكتب له أجر المشي الى الصلاة بإذن الله كما بين ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لرياض الصالحين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: عباد الله: البلاء كل البلاء حين يكون المسجد جوار المسلم ثم يصلي في بيته ويترك هذه الأجور تفوته، وهو آثم في تركه للمسجد إذ صلاة الجماعة واجبة، لا يجوز للمسلم تركها بدون عذر.
فاتقوا الله عبادَ الله، وكونوا من عُمّارِ بيوتِ الله، الذين قال الله فيهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. واحرصوا على حضور ما يقام فيها من مجالس العلم والذكر وتلاوة القرآن. فإنها خيرُ ما مشتْ إليه الأقدام، وأُتعبت فيه الأجسام.، وبُذِلتْ فيه نفائسُ الأيام. اللهم اجعلنا ممن لا تلهيه تجارةٌ ولا وَلدٌ عن ذكرك وعمارة بيوتك، فجزيتَهم أحسن أعمالهم، وتجاوزتَ عن سيئاتهم، ورفعتَ درجاتِهم، وزدتهم من فضلك، ورزقتهم بغيرِ حساب. فأنت أكرم الأكرمين.
عباد الله ثم صلوا وسلموا .....