فضل العلم + وقفات مع بداية العام الدراسي
زكي اليوبي
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة آل عمران: 102]
إخواني: إن العِلْمُ نورٌ للعُقولِ، وقد حَثَّ الإسْلام عَلى طَلبِ العِلْم النَّافِعِ لِمَا فيه من إقامةِ الدِّينِ الحَقِّ على الهُدى والنُّورِ والبَيِّناتِ، وجَعَلَ لِطُلابِ العِلْمِ ولِلعُلَماءِ المشتغلين بالعلم على قواعده وأصوله الصحيحة، مَنزِلةً رَفيعةً بين النَّاسِ قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك اللهُ به طريقًا من طرُقِ الجنَّةِ ، وإنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضًا بما يصنع، وإنَّ العالمَ لَيستغفرُ له مَن في السمواتِ ، ومن في الأرضِ ، والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ، لم يُوَرِّثوا دينارًا ، ولا درهمًا، إنما وَرّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ" أخرجه أبو داود واللفظ له، والترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني،
أبناؤنا الطلاب جدوا، واحرصوا ما استطعتم على تحصيل العلم من كل طريق وباب، من بداية الفصل الدراسي، ففي ذلك سبب لرسوخ العلم وتيسير لحصوله لأنه إذا اجتهد الطالب من بداية الفصل الدراسي، وأخذ العلم شيئا فشيئا سهل عليه، وأما إذا توانى فإنه يصعب عليه بعد ذلك وتتراكم عليه الدروس ولا يستطيع تصورها تصوراً جيداً، وانتبهوا لشرح المعلم، واسألوا عما غمض عليكم فهمه، قيل لابن عباس كيف نلت العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول - وقال الخليل: العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها. وإن من واجب المتعلم أن يكون طلبه للعلم الشرعي خالصاً لله تعالى، وإذا تعلم مسألة أن يطبقها على نفسه ويعمل بها ليكون علمه نافعا له فإن العلم النافع هو ما طبقه الإنسان عمليا، والعمل بالعلم هو ثمرة العلم. وأنتم أيها المعلمون عليكم حقوقا عظيمة يجب عليكم أن تقوموا بها مخلصين لله وبه مستعينين، فإن الله تعالى ائتمنكم على أبناء المسلمين، أخلصوا في التعليم وبينوا العلم بأسهل الطرق وأقربها للتفهيم حتى ينتفع بها الطلاب، محتسبين الأجر والثواب من الله عز وجل، فإن تعليم الناس الخبر له فضل عظيم، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ" أخرجه الترمذي والطبراني وصححه الألباني، كونوا قدوة حسنة للطلاب بامتثال الأخلاق الحميدة والآداب الفاضلة، ووجهوا الطلاب إليها واجتنبوا الأخلاق السيئة، وحذروا الطلاب منها، فإن الطالب يتلقى من معلمه الأخلاق والسلوك كما يتلقى منه العلوم، فإن المعلم الناصح من يجمع بين التعليم، والأخلاق والآداب الحسنة والله يحب المحسنين،
أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيننا على شكره وذكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأستغفر اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
عباد الله: اتقوا الله تعالى فإن منِ اتّقى الله وقاه، وأرشدَه إلى خير أمور دينه ودنياه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)) [سورة الأحزاب]
أما بعد:
وأنتم أيها الآباء-وفقكم الله- مروا أبناءكم وبناتكم بالصلاة، وكونوا عوناً لهم بتوجيههم وارشادهم إلى الخير، وكونوا قدوة لهم في ذلك. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {21}} الطور.
حثوا أبناءكم على الجد في طلب العلم، تابعوهم، نشئوهم على احترام المعلمين وتوقيرهم، هيئوا لهم الظروف المناسبة لطلب العلم، وحذروهم من إضاعة الوقت في الأمور الجانبية التي تصرفهم عن الدراسة، وحذروهم من رفقاء السوء، فإن رفقاء السوء لهم أثر سيء على من رافقهم، على دينه وأخلاقه ومستواه الدراسي
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين الأربعة المهديين أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اللهم تول أمر إخواننا المستضعفين في فلسطين، وفي السودان، اللهم احقن دماءهم، اللهم كن لهم عوناً ونصيرا، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلما، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم كل من أراد بلدنا هذا بسوء وسائر بلاد المسلمين، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح، البلاد والعباد، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [سورة النحل:آية 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون