فضل العشر ورفادة الحجيج
عبدالرحمن اللهيبي
1433/11/26 - 2012/10/12 11:16AM
هذه خطبة في فضل العشر ورفادة الحجيج من جمعي بتصرف وليست من اعدادي
الحمد لله ذِي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّدُ الأنام، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الدهور والأعوام.
أما بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، فبِها تتحقَّق الخيراتُ وتحصل المسرَّات وتُدفع الكُرُبات.
عبادَ الله، من عظيم رحمة الله وفضله وكرمه وعطائه ما يمن به علينا كل عام من مواسم عظيمة، وأوقات فضيلة هي للمؤمنين مغنَمٌ لاكتساب الخَيرات ، وهي لهم فُرصة لتحصيل الحسناتِ والحَطّ من السيِّئات والترقي لأرفعِ للدّرجات.
إنّها أيّام العشرِ الأول من ذي الحجّة، وهي أعظمُ الأيّام عند الله فضلاً وقدرا وأكثر الأوقات بركة وأجرًا، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ أيام الدنيا وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ ـ تَعَالى. هذه الأيام التي نحن مقبلون عليها هي مغنمًا للطائعين وميدانًا لتنافس المتنافسين، قال ابن رجب: "فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعدَ بها سعادة يأمن بها من النار وما فيها من الدركات".
أيها المحبون لربهم، أروا الله من أنفسكم ما يحب، فإنكم في أيام عشر يحبها الله ويحب العمل فيها،كيف لا وقد أقسم الله بها في كتابه، فقال: وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر والشفع والوترٍ ، والعظيمُ لا يقسم إلا بعظيم. فالليالي العشر هي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة وعلى هذا جمهور المفسيرين.
عشركم هذه يا مسلمون فيها يوم عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم به النعمة على عباده الموحدين وأنزل فيه قوله الكريم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا
وعشركم هذه فيها يوم النحر وهو أعظم الأيام عند الله، قال : ((إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القر)) ويوم القر هو اليوم الذي بعده.
وعشركم هذه قال فيها :((ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما عملٌ أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمَله في عشر الأضحى)) فلن تجد يا عبد الله عملا أحب إلى الله وأزكى ولا أعظم أجرا من العمل هذه الأيام وروى البزّار في مسنده عن النبيّ أنه قال: ((أفضلُ أيّام الدّنيا العشر)) يعني عشرَ ذي الحجّة .
قال ابن رجب رحمه الله: "وقد دلت هذا الأحاديث على أن العمل في أيام العشر أحبُ إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضلَ وأحبَّ إلى الله من العمل في غيرها من أيام السنة كلِّها صار العمل فيه وإن كان مفضولاً أفضلَ من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً" قال ابن حجر:والذي يظهر أن سبب امتياز عشر ذي الحجة عن غيرها لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره
وعشركم هذه يا مسلمون أيّامٌ يفِد المؤمنون فيها إلى حجّ بيتِ الله الحرام، وقد وعَدَهم بالخير العظيمِ والنفع العميم، قال : ((من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه)) متفق عليه، ويقول : ((تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذنوبَ كما ينفي الكير خَبثَ الحديدِ والذّهبِ والفضَّةِ، وليس للحجّة المبرورةِ ثوابٌ إلاّ الجنّة)) ، وفي الصحيحين: ((العمرةُ إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنة)).
وقال : ((إن الله تعالى يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم)) صححه الألباني
وقد حذرنا النبي من تأخير حج الفريضة مع الاستطاعة أشد تحذير، فقال : ((تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) حسنه الألباني، وقال عمر بن الخطاب : (من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديًا أو نصرانيا) وقال أيضا : (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جِدة على الحج ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين).
أبعد هذا يبقى مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر تاركًا لحج الفريضة وقد استطاع؟! كيف يلقى الله وقد ترك ركنًا من أركان دينه؟! ومن يضمن له البقاء إلى السنة القادمة حتى يؤدي فريضة الحج؟! فإن الأعمار بيد الله، فربما مات قبل أن يحج وقد كان باستطاعته أن يحج ولم يحج، أو عرض له أمر من مرض أو فقر أو تغير في الأحوال في السنة القادمة فلم يستطع الحج.
معاشرَ المسلمين، هذه الأيّام العشر الفاضلةُ يُشرع صومُها، بل ويتأكّد فضلُه فيها، عدا اليوم العاشر منها فيحرم فعند أبي داود والنسائيّ عن بعض نساء النبي وفيه أنّه كان يصوم تسعَ ذي الحجة.
وذلك لما للصيام من أجر عظيم عند الله، قال : ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا))أخرجه البخاري ويزداد أجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام المباركة،لعموم فضل الطاعات في هذه الأيام ويتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج، فقد سئل النبي عن صومه فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) أخرجه مسلم .
معاشرَ المسلمين، وفي خصائِص هذه العشر فضيلةُ الإكثار من التهليل والتكبيرِ والتحميد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ما مِن أيّام أعظمُ عند الله ولا أحبّ إلى الله العملُ فيهنّ من أيّام العشر، فأكثِروا فيهنّ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) ، قال البخاريّ في صحيحه: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السّوق في أيّام العشر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما".
والتكبيرُ ـ عبادَ الله ـ عند أهلِ العلم مطلقٌ ومقيّد، فالمطلق يكونُ في جميع الأوقات من ليل أو نهار ، والمقيّد هو الذي يكون في أدبارِ الصّلواتِ فرضِها ونفلِها على الصّحيح، للرّجال والنّساء.
ويبدأ التكبير المطلق من بداية العشر إلى آخر أيام التشريق أي ثلاثة عشر يوما وأما التكبير المقيد فيبدأ مِن صُبح يومِ عرفة لغير الحاج إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق
وأمّا للحاجّ فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
وأصحُّ ما ورد في صيغِ التكبير ما أخرجَه عبد الرزاق بسندٍ صحيح عن سلمان رضي الله عنه قال: (كبّروا الله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا) ، وصحّ عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما صيغة: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد). فأكثروا يامسلمون في هذه الأيام القليلة القادمة من التكبير والتهليل والتحميد ومن الصلاة وقراءة قرآن والذكر والدعاء والصدقة وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن منكر، وأبواب الخير مشرعة وطرق الخير كثيرة
ومن الأعمال التي تتأكد شرعيتها في هذه الأيام: التوبة، وهي واجبة في جميع الزمان، متأكدة في العشر المباركة، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال صالحة في زمان فاضل فذاك عنوان الفلاح، فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثِيرَةٌ وَقَدرَهَا جَلِيلٌ ، وَيَكفِيهَا أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عِندَ اللهِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ؟
هَل قُلُوبُنَا مُتَهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ أَفضَلِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا ؟
أَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا ؟
أَينَ العَامِلُونَ المُخلِصُونَ فَلْيُعِدُّوا ؟
أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا ؟
أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا ؟
أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا ؟
أَينَ السَّاعُونَ لِلدَّعوَةِ وَنَشرِ الخَيرِ فَلْيَنشَطُوا ؟
أيّها المسلمون، المغبونُ من انصرَف عن طاعة الله لا سيّما في هذه الأيام الفاضلة، والمحروم من حُرم العمل هذه الأيام وجعلها كسائر أيام العام.
فيا ويحَ من أدرك هذه الأيامَ ثمّ لم يغتنِمها، والويلُ لمَن أمضاها في سيِّئ الأخلاق وقطعَها في المعاصي والآثام
فو الله الذي لا رب غيره ولا إله سواه , إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِن سَابِقِ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ ، وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ هذه الأيام ثُمَّ لا تقبل على ربك ولا تلتفت إليه وهو الغني عنك وأنت الفقير إليه ، بَل تَظَلُّ عَلَى مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن أَخطَاءٍ وَمُنكَرَاتٍ ، وَتُصِرُّ عَلَى مَا أنت عليه مِن كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ ؟
أَينَ أَنتُم يَا مَن تَمُرُّ عَلَيكُم الأَيَّامُ لا تُؤَدُّونَ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ هَل أَنتُم عَازِمُونَ عَلَى التَّوبَةِ مِن هَذَا المُنكَرِ في هَذِهِ العَشرِ ؟!
أَينَ أَنتُم أَيُّهَا القَاطِعُونَ لأَرحَامِكُم ؟! هَل سَتُرَاجِعُونَ أَنفُسَكُم فَتُسَامِحُوا مَن هَجَرتُم طَاعَةً لِرَبِّكُم ؟! يَا مَنِ امتَلأت بُيُوتُهم بِأَجهِزَةِ الفساد وَسَيِّئِ القَنَوَاتِ ، هَل ستطهرون بُيُوتِكُم من رجس سيء الفضائيات وخبيث القنوات ؟!
يَا من يأَكلونَ الرِّبَا ، يَا مَن يبخَسون العُمَّالَ وَيجَحدون حُقُوقَ الأُجَرَاءِ ، هَل لَكُم في الرُّجُوعِ إِلى رُشدِكُم وَالانتِهَاءِ عَن غَيِّكُم ؟!
هَل لَكُم في إِصلاحِ قُلُوبِكُم لَتُرفَعَ أَعمَالُكُم وَتُقبَلَ قُرُبَاتُكُم ؟
فاغتنِموا ـ رحمكم الله ـ هذه الأيامَ وأَصلِحُوا القُلُوبَ تُقبَلِ الأَعمَالُ ، وَعَمِّرُوا البَوَاطِنَ بِالتَّقوَى تَصلُحِ الظَّوَاهِرُ ... واجتهدوا في العبادةِ بشتّى أنواعها والأعمال الصالحة بمختلف صوَرِها، فوالذي نفسي بيده سَرَعَانَ مَا ستَنْقَضِي هذه الأيام المباركة , وَمَا أَعْجَلَ مَا تُغَادِرُ , فَالرَّابِحُ مَنْ اسْتَغَلَّهَا وَأَوْدَعَهَا مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فنبيُّكم يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآياتِ
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد:
عبادَ الله، مِن أعظمِ القُرُبات التي يتقرَّب بها المسلمون إلى ربِّهم في خِتام هذه الأيام هي الأضاحي، ففيها أجر عظيم وهي سنة أبينا إبراهيم وشرعها لنا نبينا من بعده، قال ابن عمر رضي الله عنهما: أقام النبي بالمدينة عشر سنين يضحي. وقال أنس بن مالك : ضحى النبي بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده.
وقد حذرنا النبي من ترك الأضحية من غير عذر، فقال : ((من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنا مصلانا)) حسنه الألباني
وخيرُ الأضاحي أغلاها وأنفَسُها عند أهلها.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والأجر في الأضحية على قدْر القيمة مطلقًا".
ومَن أراد أن يضحّيَ عن نفسه أو أهلِ بيته ودخل شهرُ ذي الحِجّة فإنّه يحرُم عليه أن يأخذَ مِن شعره وأظفاره أو جِلده حتّى يذبحَ أضحيتَه، لِما روته أمّ سلمة عن النبيّ أنّه قال: ((إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجة وأرادَ أحدكم أن يضحّيَ فلا يأخذ من شعرِه وأظفاره شيئًا حتى يضحّي)) رواه مسلم.
والحكم متعلق بالمضحي فقط، فلا يعمّ من وكله بذبحها ولا بالزوجة والأولاد؛ لأن النبيّ كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه نهاهم عن الأخذ.
ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثنائها أمسك من حين الإرادة والنية ، وإن حلق أو قلم أظافره ناسيًا فلا شيء عليه؛ لأن الله تجاوز عن الناسي، ولو تعمد إنسان وأخذ فعليه أن يستغفر الله ولا فدية عليه.
ولا حرج في غَسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر لأن النبي إنما نهى عن الأخذ فقط وله أن يأخذ ما تضرر ببقائه كانكسار ظفر ونحوه.
ولا يلزم المضحي أيام العشر ترك الجماع والطيب وغيرها من محظورات الإحرام للحاج والمعتمر كما يظن البعض
عباد الله : إن أهل الجاهلية في جاهليتهم كانوا يفتخرون بخدمة الحجيج وهم على الكفر البواح والشرك الصراح فأنت أحق أن تفتخر بذلك لأنك حينما تقوم على خدمتهم إنما تؤدي عبادة جليلة وقربة عظيمة فالحجيج وفد الله وضيوف الرحمن ، وحَقٌ على أهل البلد الحرام أن يكرموا وفد الله وضيوف الرحمن ,, وما يدريك قد تحسن إلى ضيف من ضيوف الرحمن فيرفع يده في يوم عرفه يوم الموقف الأكبر يدعو لك فتكون تلك الدعوة سبب لرحمة تهبط عليك من ربك ومولاك .
فافسحوا لهم في الطريق وقف بسيارتك لتمكينهم من العبور وأرشدوهم للطريق الصحيح وأغيثوا ملهوفهم من ضائع أو مريض أو جائع أو ضمآن وأطعموا الطعام وسبلوا لهم الماء وأفشوا عليهم السلام وقابلوهم بوجه طلق وعلى محياكم ابتسامة مشرقة وعلى التجار الحذر من أن يغالوا عليهم في الأسعار
واعلموا أن إكرام الحجيج وخدمتهم من أحب الأعمال إلى الله تعالى فكيف إذا وافقت شرف المكان وفضل الزمان
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ واجْتَهِدُوْا رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى فِيْ هَذِهِ الْعَشْرِ المُبَارَكَةِ، وَفَرِّغُوا فِيْهَا أَنْفُسَكُمْ لِلْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ وتقربوا إلى الله تعالى بألوان الطاعات وأنواع العبادات فقد كان السلف الصالح يجتهدون في هذه الأيام ما لا يجتهدون في غيرها ,وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وأَكثِرُوا مِنَ التَّكبِيرِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ ، وليكن لأحدكم ختمة في هذه الأيام وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا ، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصَّدَقَاتِ ، وأكثروا فيها من الصيام فقد ذكر الإمام النووي أن صيام هذه الأيام مستحبا استحبابا شديدا )
[وَمَا تَفْعَلُوَا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الْزَّادِ الْتَّقْوَىْ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِيْ الْأَلْبَابِ {
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد، اللهمَّ ارضَ عن صحابته أجمعين…
الحمد لله ذِي الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّدُ الأنام، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الدهور والأعوام.
أما بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجلّ، فبِها تتحقَّق الخيراتُ وتحصل المسرَّات وتُدفع الكُرُبات.
عبادَ الله، من عظيم رحمة الله وفضله وكرمه وعطائه ما يمن به علينا كل عام من مواسم عظيمة، وأوقات فضيلة هي للمؤمنين مغنَمٌ لاكتساب الخَيرات ، وهي لهم فُرصة لتحصيل الحسناتِ والحَطّ من السيِّئات والترقي لأرفعِ للدّرجات.
إنّها أيّام العشرِ الأول من ذي الحجّة، وهي أعظمُ الأيّام عند الله فضلاً وقدرا وأكثر الأوقات بركة وأجرًا، لَحَظَاتُهَا أَنفَسُ اللَّحَظَاتِ ، وَسَاعَاتُهَا أَغلَى السَّاعَاتِ ، وَأَيَّامُهَا هِيَ أَفضَلُ أيام الدنيا وَأَحَبُّهَا إِلى اللهِ ـ تَعَالى. هذه الأيام التي نحن مقبلون عليها هي مغنمًا للطائعين وميدانًا لتنافس المتنافسين، قال ابن رجب: "فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعدَ بها سعادة يأمن بها من النار وما فيها من الدركات".
أيها المحبون لربهم، أروا الله من أنفسكم ما يحب، فإنكم في أيام عشر يحبها الله ويحب العمل فيها،كيف لا وقد أقسم الله بها في كتابه، فقال: وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْر والشفع والوترٍ ، والعظيمُ لا يقسم إلا بعظيم. فالليالي العشر هي عشر ذي الحجة، والشفع هو يوم النحر، والوتر هو يوم عرفة وعلى هذا جمهور المفسيرين.
عشركم هذه يا مسلمون فيها يوم عرفة، ذلك اليوم العظيم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم به النعمة على عباده الموحدين وأنزل فيه قوله الكريم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا
وعشركم هذه فيها يوم النحر وهو أعظم الأيام عند الله، قال : ((إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القر)) ويوم القر هو اليوم الذي بعده.
وعشركم هذه قال فيها :((ما مِن أيّام العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهادُ في سبيل الله إلاّ رجلٌ خرج بنفسه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما عملٌ أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمَله في عشر الأضحى)) فلن تجد يا عبد الله عملا أحب إلى الله وأزكى ولا أعظم أجرا من العمل هذه الأيام وروى البزّار في مسنده عن النبيّ أنه قال: ((أفضلُ أيّام الدّنيا العشر)) يعني عشرَ ذي الحجّة .
قال ابن رجب رحمه الله: "وقد دلت هذا الأحاديث على أن العمل في أيام العشر أحبُ إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان العمل في أيام العشر أفضلَ وأحبَّ إلى الله من العمل في غيرها من أيام السنة كلِّها صار العمل فيه وإن كان مفضولاً أفضلَ من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً" قال ابن حجر:والذي يظهر أن سبب امتياز عشر ذي الحجة عن غيرها لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره
وعشركم هذه يا مسلمون أيّامٌ يفِد المؤمنون فيها إلى حجّ بيتِ الله الحرام، وقد وعَدَهم بالخير العظيمِ والنفع العميم، قال : ((من حجَّ هذا البيتَ فلم يرفث ولم يفسُق رجع من ذنوبه كيوم ولدَته أمُّه)) متفق عليه، ويقول : ((تابِعوا بين الحجِّ والعمرة؛ فإنّهما ينفيان الفقر والذنوبَ كما ينفي الكير خَبثَ الحديدِ والذّهبِ والفضَّةِ، وليس للحجّة المبرورةِ ثوابٌ إلاّ الجنّة)) ، وفي الصحيحين: ((العمرةُ إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنة)).
وقال : ((إن الله تعالى يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم)) صححه الألباني
وقد حذرنا النبي من تأخير حج الفريضة مع الاستطاعة أشد تحذير، فقال : ((تعجلوا إلى الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) حسنه الألباني، وقال عمر بن الخطاب : (من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديًا أو نصرانيا) وقال أيضا : (لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من كان له جِدة على الحج ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية؛ ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين).
أبعد هذا يبقى مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر تاركًا لحج الفريضة وقد استطاع؟! كيف يلقى الله وقد ترك ركنًا من أركان دينه؟! ومن يضمن له البقاء إلى السنة القادمة حتى يؤدي فريضة الحج؟! فإن الأعمار بيد الله، فربما مات قبل أن يحج وقد كان باستطاعته أن يحج ولم يحج، أو عرض له أمر من مرض أو فقر أو تغير في الأحوال في السنة القادمة فلم يستطع الحج.
معاشرَ المسلمين، هذه الأيّام العشر الفاضلةُ يُشرع صومُها، بل ويتأكّد فضلُه فيها، عدا اليوم العاشر منها فيحرم فعند أبي داود والنسائيّ عن بعض نساء النبي وفيه أنّه كان يصوم تسعَ ذي الحجة.
وذلك لما للصيام من أجر عظيم عند الله، قال : ((ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا))أخرجه البخاري ويزداد أجر الصيام إذا وقع في هذه الأيام المباركة،لعموم فضل الطاعات في هذه الأيام ويتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج، فقد سئل النبي عن صومه فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) أخرجه مسلم .
معاشرَ المسلمين، وفي خصائِص هذه العشر فضيلةُ الإكثار من التهليل والتكبيرِ والتحميد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ما مِن أيّام أعظمُ عند الله ولا أحبّ إلى الله العملُ فيهنّ من أيّام العشر، فأكثِروا فيهنّ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) ، قال البخاريّ في صحيحه: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السّوق في أيّام العشر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما".
والتكبيرُ ـ عبادَ الله ـ عند أهلِ العلم مطلقٌ ومقيّد، فالمطلق يكونُ في جميع الأوقات من ليل أو نهار ، والمقيّد هو الذي يكون في أدبارِ الصّلواتِ فرضِها ونفلِها على الصّحيح، للرّجال والنّساء.
ويبدأ التكبير المطلق من بداية العشر إلى آخر أيام التشريق أي ثلاثة عشر يوما وأما التكبير المقيد فيبدأ مِن صُبح يومِ عرفة لغير الحاج إلى العصرِ من آخر أيّام التشريق
وأمّا للحاجّ فيبدأ التكبيرُ المقيّد عقِب صلاةِ الظهر من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
وأصحُّ ما ورد في صيغِ التكبير ما أخرجَه عبد الرزاق بسندٍ صحيح عن سلمان رضي الله عنه قال: (كبّروا الله: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرًا) ، وصحّ عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما صيغة: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد). فأكثروا يامسلمون في هذه الأيام القليلة القادمة من التكبير والتهليل والتحميد ومن الصلاة وقراءة قرآن والذكر والدعاء والصدقة وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن منكر، وأبواب الخير مشرعة وطرق الخير كثيرة
ومن الأعمال التي تتأكد شرعيتها في هذه الأيام: التوبة، وهي واجبة في جميع الزمان، متأكدة في العشر المباركة، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وإذا اجتمع للمسلم توبة نصوح مع أعمال صالحة في زمان فاضل فذاك عنوان الفلاح، فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ فَضَائِلَ العَشرِ كَثِيرَةٌ وَقَدرَهَا جَلِيلٌ ، وَيَكفِيهَا أَنَّهَا أَفضَلُ أَيَّامِ الدُّنيَا عِندَ اللهِ ، فَهَل نَحنُ عَلَى استِعدَادٍ لاستِقبَالِ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ ؟
هَل قُلُوبُنَا مُتَهَيِّئَةٌ لِدُخُولِ أَفضَلِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا ؟
أَينَ الَّذِينَ يَسعَونَ إِلى مَا يُحِبُّهُ اللهُ فَلْيَجِدُّوا ؟
أَينَ العَامِلُونَ المُخلِصُونَ فَلْيُعِدُّوا ؟
أَينَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا فَلْيُشَمِّرُوا ؟
أَينَ المُنفِقُونَ والمُتَصَدِّقُونَ فَلْيُكثِرُوا ؟
أَينَ مَن يَقضُونَ الحَاجَاتِ وَيُفَرِّجُونَ الكُرُبَاتِ فَلْيَبذُلُوا ؟
أَينَ السَّاعُونَ لِلدَّعوَةِ وَنَشرِ الخَيرِ فَلْيَنشَطُوا ؟
أيّها المسلمون، المغبونُ من انصرَف عن طاعة الله لا سيّما في هذه الأيام الفاضلة، والمحروم من حُرم العمل هذه الأيام وجعلها كسائر أيام العام.
فيا ويحَ من أدرك هذه الأيامَ ثمّ لم يغتنِمها، والويلُ لمَن أمضاها في سيِّئ الأخلاق وقطعَها في المعاصي والآثام
فو الله الذي لا رب غيره ولا إله سواه , إِنَّهَا لَخَسَارَةٌ مَا بَعدَهَا خَسَارَةٌ ، أَن تَمُرَّ هَذِهِ العَشرُ وَالعَبدُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِن سَابِقِ حَالٍ قَد لا تُرضِي اللهَ ، وَأَيُّ إِعرَاضٍ أَشَدُّ مِن أَن يُحِبَّ اللهُ مِنكَ العَمَلَ الصَّالِحَ هذه الأيام ثُمَّ لا تقبل على ربك ولا تلتفت إليه وهو الغني عنك وأنت الفقير إليه ، بَل تَظَلُّ عَلَى مَا أَنتَ عَلَيهِ مِن أَخطَاءٍ وَمُنكَرَاتٍ ، وَتُصِرُّ عَلَى مَا أنت عليه مِن كَبَائِرِ السَّيِّئَاتِ ؟
أَينَ أَنتُم يَا مَن تَمُرُّ عَلَيكُم الأَيَّامُ لا تُؤَدُّونَ صَلاةَ الفَجرِ مَعَ الجَمَاعَةِ ؟ هَل أَنتُم عَازِمُونَ عَلَى التَّوبَةِ مِن هَذَا المُنكَرِ في هَذِهِ العَشرِ ؟!
أَينَ أَنتُم أَيُّهَا القَاطِعُونَ لأَرحَامِكُم ؟! هَل سَتُرَاجِعُونَ أَنفُسَكُم فَتُسَامِحُوا مَن هَجَرتُم طَاعَةً لِرَبِّكُم ؟! يَا مَنِ امتَلأت بُيُوتُهم بِأَجهِزَةِ الفساد وَسَيِّئِ القَنَوَاتِ ، هَل ستطهرون بُيُوتِكُم من رجس سيء الفضائيات وخبيث القنوات ؟!
يَا من يأَكلونَ الرِّبَا ، يَا مَن يبخَسون العُمَّالَ وَيجَحدون حُقُوقَ الأُجَرَاءِ ، هَل لَكُم في الرُّجُوعِ إِلى رُشدِكُم وَالانتِهَاءِ عَن غَيِّكُم ؟!
هَل لَكُم في إِصلاحِ قُلُوبِكُم لَتُرفَعَ أَعمَالُكُم وَتُقبَلَ قُرُبَاتُكُم ؟
فاغتنِموا ـ رحمكم الله ـ هذه الأيامَ وأَصلِحُوا القُلُوبَ تُقبَلِ الأَعمَالُ ، وَعَمِّرُوا البَوَاطِنَ بِالتَّقوَى تَصلُحِ الظَّوَاهِرُ ... واجتهدوا في العبادةِ بشتّى أنواعها والأعمال الصالحة بمختلف صوَرِها، فوالذي نفسي بيده سَرَعَانَ مَا ستَنْقَضِي هذه الأيام المباركة , وَمَا أَعْجَلَ مَا تُغَادِرُ , فَالرَّابِحُ مَنْ اسْتَغَلَّهَا وَأَوْدَعَهَا مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فنبيُّكم يروي عن ربِّه عزّ وجلّ قوله: ((يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآياتِ
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الدّاعي إلى رضوانه، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أمّا بعد:
عبادَ الله، مِن أعظمِ القُرُبات التي يتقرَّب بها المسلمون إلى ربِّهم في خِتام هذه الأيام هي الأضاحي، ففيها أجر عظيم وهي سنة أبينا إبراهيم وشرعها لنا نبينا من بعده، قال ابن عمر رضي الله عنهما: أقام النبي بالمدينة عشر سنين يضحي. وقال أنس بن مالك : ضحى النبي بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده.
وقد حذرنا النبي من ترك الأضحية من غير عذر، فقال : ((من وجد سعة فلم يضح فلا يقربنا مصلانا)) حسنه الألباني
وخيرُ الأضاحي أغلاها وأنفَسُها عند أهلها.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والأجر في الأضحية على قدْر القيمة مطلقًا".
ومَن أراد أن يضحّيَ عن نفسه أو أهلِ بيته ودخل شهرُ ذي الحِجّة فإنّه يحرُم عليه أن يأخذَ مِن شعره وأظفاره أو جِلده حتّى يذبحَ أضحيتَه، لِما روته أمّ سلمة عن النبيّ أنّه قال: ((إذا رأيتُم هلالَ ذي الحجة وأرادَ أحدكم أن يضحّيَ فلا يأخذ من شعرِه وأظفاره شيئًا حتى يضحّي)) رواه مسلم.
والحكم متعلق بالمضحي فقط، فلا يعمّ من وكله بذبحها ولا بالزوجة والأولاد؛ لأن النبيّ كان يضحي عن آل محمد ولم ينقل أنه نهاهم عن الأخذ.
ومن أخذ من شعره أو ظفره أول العشر لعدم إرادته الأضحية ثم أرادها في أثنائها أمسك من حين الإرادة والنية ، وإن حلق أو قلم أظافره ناسيًا فلا شيء عليه؛ لأن الله تجاوز عن الناسي، ولو تعمد إنسان وأخذ فعليه أن يستغفر الله ولا فدية عليه.
ولا حرج في غَسل الرأس للرجل والمرأة أيام العشر لأن النبي إنما نهى عن الأخذ فقط وله أن يأخذ ما تضرر ببقائه كانكسار ظفر ونحوه.
ولا يلزم المضحي أيام العشر ترك الجماع والطيب وغيرها من محظورات الإحرام للحاج والمعتمر كما يظن البعض
عباد الله : إن أهل الجاهلية في جاهليتهم كانوا يفتخرون بخدمة الحجيج وهم على الكفر البواح والشرك الصراح فأنت أحق أن تفتخر بذلك لأنك حينما تقوم على خدمتهم إنما تؤدي عبادة جليلة وقربة عظيمة فالحجيج وفد الله وضيوف الرحمن ، وحَقٌ على أهل البلد الحرام أن يكرموا وفد الله وضيوف الرحمن ,, وما يدريك قد تحسن إلى ضيف من ضيوف الرحمن فيرفع يده في يوم عرفه يوم الموقف الأكبر يدعو لك فتكون تلك الدعوة سبب لرحمة تهبط عليك من ربك ومولاك .
فافسحوا لهم في الطريق وقف بسيارتك لتمكينهم من العبور وأرشدوهم للطريق الصحيح وأغيثوا ملهوفهم من ضائع أو مريض أو جائع أو ضمآن وأطعموا الطعام وسبلوا لهم الماء وأفشوا عليهم السلام وقابلوهم بوجه طلق وعلى محياكم ابتسامة مشرقة وعلى التجار الحذر من أن يغالوا عليهم في الأسعار
واعلموا أن إكرام الحجيج وخدمتهم من أحب الأعمال إلى الله تعالى فكيف إذا وافقت شرف المكان وفضل الزمان
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ واجْتَهِدُوْا رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى فِيْ هَذِهِ الْعَشْرِ المُبَارَكَةِ، وَفَرِّغُوا فِيْهَا أَنْفُسَكُمْ لِلْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ وتقربوا إلى الله تعالى بألوان الطاعات وأنواع العبادات فقد كان السلف الصالح يجتهدون في هذه الأيام ما لا يجتهدون في غيرها ,وَاعمَلُوا صَالِحًا يُنجِيكُم مِن عَذَابٍ أَلِيمٍ ، وأَكثِرُوا مِنَ التَّكبِيرِ وَالتَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّحمِيدِ ، وَاقرَؤُوا القُرآنَ فَإِنَّهُ أَفضَلُ الذِّكرِ ، وليكن لأحدكم ختمة في هذه الأيام وَتَزَوَّدُوا مِن نَوَافِلِ الصَّلَوَاتِ بَعدَ الفَرَائِضِ وَوَاظِبُوا عَلَيهَا ، وَخُذُوا حَظَّكُم مِن قِيَامِ اللَّيلِ وَصَلاةِ الضُّحَى وَالصَّدَقَاتِ ، وأكثروا فيها من الصيام فقد ذكر الإمام النووي أن صيام هذه الأيام مستحبا استحبابا شديدا )
[وَمَا تَفْعَلُوَا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوْا فَإِنَّ خَيْرَ الْزَّادِ الْتَّقْوَىْ وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِيْ الْأَلْبَابِ {
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد، اللهمَّ ارضَ عن صحابته أجمعين…