فضل العشر الأواخر ...

علي الفضلي
1435/09/23 - 2014/07/20 08:49AM
المشاهدات 2317 | التعليقات 2

تذكير بالعشر الأواخر وليلة القدر
https://app.box.com/shared/static/cphophvlgjno94jbit79.mp3


!
https://app.box.com/s/cphophvlgjno94jbit79


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله تعالى فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
نزل بنا ليال عظيمة مباركة هي أعظم ليالي السنة وأعظم ليالي الشهور،وأعظم ليالي الدنيا،وفيها ليلة من حرم خيرها فقد حرم كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد نزل بنا عشر رمضان الأخيرة ،التي فيها الخيرات الجزيلة ،والأجور الكثيرة،وفيها الفضائل المشهورة،والخصائص العظيمة.
فمن فضائلها:
أن النبي –صلى الله عليه و سلم – كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها ، ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِى غَيْرِهِ.
وفي الصحيحين عنها-واللفظ للبخاري- قالت:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَه.
هذه الأحاديث فيها دليل على فضيلة هذه العشر ، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم – كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها ، وهذا الاجتهاد شامل لجميع أنواع العبادة من صلاة و قرآن وذكر وصدقة وغيرها ؛ و كان –صلى الله عليه و سلم – يشد مئزره في هذه العشر ، وهذا كناية عن أمرين :
الأول:
اعتزال نسائه ليتفرغ للصلاة والذكر ، وفي المصنف لعبدالرزاق عن سفيان قال:(شد المئزر :لا يقرب النساء)اهـ
الثاني:الْجِدَّ فِي الْعِبَادَةِ والاجتهاد فيها كَمَا يُقَالُ:شَدَدْت لِهَذَا الْأَمْر مِئْزَرِي أَيْ:تَشَمَّرْت لَهُ. قاله الخطّابي كما في الفتح.
فكان عليه الصلاة و السلام يحيي ليله فيها بالقيام والقراءة والذكر بقلبه ولسانه وجوارحه،لشرف هذه الليالي، طلبا لليلة القدر فيها التي قال فيها النبي –صلى الله عليه وسلم – (من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه ) كما في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه-
ومما يدلك على فضيلة هذه العشر من هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله فيها للصلاة والذكر حرصا على اغتنام هذه الليالي المباركة ، فإنها فرصة العمر ، وغنيمة لمن وفقه الله تعالى ، قال تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون }.
فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله فما هي إلا ليال معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى جل وعلا ، فيفوز بسعادة الدنيا والآخرة
قال النبي –صلى الله عليه وسلم -
(رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ أهله فصلت ، فإن أبت نضح-في رواية :رش- في وجهها الماء ، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ، وأيقظت زوجها فصلى ، فإن أبى نضحت- في رواية: رشت- في وجهه الماء).رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة –رضي الله عنه .
وصححه العلامة الألباني.
وفي الموطأ أن عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي ، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة فيقول لهم : "الصلاة الصلاة" ، ويتلو هذه الآية
{ وأمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها }.
و كانت امرأة حبيب العجمي أبي محمد تقول له بالليل :
"قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد ، وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدّامنا ونحن قد بقينا".
وإنه لمن الحرمان يا عباد الله،الحرمان العظيم،والخسارة الفادحة أن ترى كثيرا من المسلمين يمضون هذه الأوقات المباركة والثمينة فيما لا ينفعهم،بل فيما يضرهم،يسهرون معظم الليل في اللهو الباطل على المفسديون،والمسلسلات الهابطة،والأغاني الماجنة ،والغيبة والنميمة،فإذا جاء وقت القيام ناموا عنه،بل وحتى عن صلاة الفجر! ، ففوتوا على أنفسهم خيرا كثيرا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذا؛وهذا والله من إغواء الشيطان لهم وتلاعبه بهم ، وصده إياهم عن سبيل الله ، قال تعالى:
{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}
ومن خصائص هذه العشر المباركة أن فيها ليلة القدر التي شرفها الله عزوجل على غيرها ، ومنّ على هذه الأمة المحمدية بها بجزيل فضلها وعميم خيرها ؛ وقد أشاد الله تعالى بفضلها في كتابه المبين ، فقال سبحانه :
{إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يُفرق كل أمر حكيم }.[الدخان:3-4]
وهذه الليلة المباركة هي ليلة القدر ، قال تعالى:
{ . إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ (4) أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(5)}.
وقال صاحب المحرر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسي الصالحي:
وهو قول أكثر المفسرين، لقوله تعالى :
{ إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يُفرق كل أمر حكيم}.
فإن المراد بذلك ليلة القدر عند ابن عباس.اهـ

وصفها الله تعالى بأنها مباركة لكثرة خيرها وبركتها ، وفضلها ، ومن بركتها أنّ هذا القرآن أنزل فيها.
سميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ، قاله في الفروع
وقال الزهري :
"سميت ليلة القدر، لعظمها و قدرها و شرفها".
وقال أبو بكر الوراق –رحمه الله تعالى- :
سميت ليلة القدر ، لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر على لسان ملك ذي قدر ، على رسول ذي قدر ، وعلى أمة ذات قدر ".
وليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان لقول النبي –صلى الله عليه وسلم – في الحديث المتفق عليه :
(تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).
وهي في الأوتار أقرب من الأشفاع لقوله –صلى الله عليه وسلم – كما هو عند البخاري :
(تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).
وهي في السبع الأواخر أقرب لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- المتفق على صحته :
"أن رجالا من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر"،فقال النبي –صلى الله عليه وسلم - :
(أرى رؤياكم قد تواطأت –أي:اتفقت- في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر).
وأرجى هذه السبع هي ليلة السابع والعشرين كما نص على ذلك الإمام أحمد ، لحديث مسلم في صحيحه عن حديث زر بن حبيش قال : سمعت أبي بن كعب يقول -وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر- فقال أبي رضي الله عنه : رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس ،والذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلم أي ليلة هي ؟
هي الليلة التي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين،وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وليلة القدر لا تختص بليلة معينة في جميع الأعوام على الصحيح ، بل تنتقل فتكون في عام ليلة سبع وعشرين مثلا ، وفي عام آخر ليلة خمس وعشرين ، وهكذا تبعا لإرادة الله وحكمته ، ويدل لذلك حديث النبي –صلى الله عليه وسلم – الذي رواه البخاري:
(التمسوها في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى).
قال الحافظ:
(وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين ")اهـ.
قال السفاريني –رحمه الله تعالى – في (كشف اللثام) بعد أن سرد الخلاف فيها:
( ..وقال غيره تنتقل ليلة القدر في العشر الأخير ، قاله أبو قلابة التابعي ، وحكاه ابن عبد البر عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وقاله أبو حنيفة)اهـ.
وقد أخفى الله عزوجل علمها على العباد ليكثر عملهم في طلبها بالذكر والصلاة والدعاء في هذه الليالي كلها ، فيزدادوا قربة من الله سبحانه ؛ وكذلك لكي يختبرهم ، ويرى الجاد منهم ، والكاسل عنها .
ومن فضائل ليلة القدر :
أن من قامها إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه.
كما في الصحيحين عن النبي –صلى الله عليه وسلم - :
( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه).
قال الخطابي:
( قوله : "إيمانا واحتسابا " أي : نية وعزيمة ، وهو أن يقومها على التصديق والرغبة في ثوابها ، طيبة بذلك نفسه غير كاره)اهـ.
وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" :
(قال البغوي: قوله : "احتسابا" أي : طالبا لوجه الله)اهـ.
والحمد لله رب العالمين.