فضل الصَّلاة عَلَى النَّبيِّ
أيمن عرفان
1438/05/14 - 2017/02/11 06:11AM
[align=justify]
نعيش اليوم في رحاب آية من سورة الأحزاب يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب 56]. هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وأول ما يلفت انتباهنا في الآية أمور: أولا: أن الله عز وجل جعل لكل فريضة نوافل، فهناك فريضة الصلوات الخمس وهناك صلوات النافلة، هناك فريضة صوم رمضان وهناك صيام النافلة، ومن الفرائض شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فنافلة أشهد أن محمدا رسول الله هي الصلاة والسلام على رسول الله.
ثانيا: تظهر لنا فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كون أن الله عز وجل جعل لعباداته عبادات كثيرة يتقربون بها إلى الله، ولكنه لا يشاركهم في هذه العبادات ولا يفعل مثلهم، ولكنه حينما أراد أن يأمرهم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه وثنى بملائكته قبل أن يأمر عباده بالصلاة على النبي. وكأنه يقول للمؤمنين شَرَفٌ وَكَرَامَةٌ لكم أَنْ تُصَلُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْه اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ، وتُصَلِّي عَلَيْهِ المَلائِكَةُ.
ثالثا: ما معنى أن الله يصلي على النبي، وأن الملائكة تصلى على النبي؟ الصلاة من الله رحمته ورضوانه، والصلاة من الملائكة الدعاء والاستغفار، والصلاة المطلوبة من الأمة الدعاء والتعظيم لأمره صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
لماذا أصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) لأن الجزاء من جنس العمل، فإنك إذا صليت على النبي مرة، سيكون الجزاء صلاة الله عز وجل عليك، وكما قلنا صلاة الله على العبد رحمته ورضوانه، ولكنك تتعامل مع الكريم ولذلك سيكون العطاء مضاعفا، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا).
(2) لكي تصلي عليَّ الملائكة، روى أحمد في مسنده بإسناد حسن عن عَامِرِ ابْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لِيُكْثِرْ".
(3) لأن الصلاة والسلام على رسول الله وسيلة من وسائل كسب الحسنات ومحو السيئات، وكلنا حريص على ذلك، روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عَنْ أَبِى طَلْحَةَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِى وَجْهِهِ الْبِشْرُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِى وَجْهِكَ الْبِشْرُ. قَالَ: « أَجَلْ أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا».
(4) لأن كثرة الصلاة والسلام عليه تكون سببا في شفاعته يوم القيامة، خرج السيوطي في الجامع الصغير بإسناد حسنه الألباني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى على حين يصبح عشرا و حين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة). وروى ابْنُ حِبَّان بإسناد حسن عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً).
(5) لأن الصلاة والسلام على رسول الله من أسباب تفريج الكروب ، وذهاب الهموم، وغفران الذنوب، روى الترمذي بإسناد صحيح عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا. قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
(6) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب إجابة الدعاء، فإذا أردت أن يستجيب الله عز وجل لدعائك، فقدم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، روى أبو داود بإسناد صحيح عن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ). وفي رواية للنسائي بإسناد صحيح عن فَضَالَة بْنِ عُبَيْدٍ قَال: (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي. ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ).
هذا وقد وردت تحذيرات نبوية من ترك الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومنها:
(1) روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ). تِرَةً: حَسْرَةً وَنَدَامَةً.
(2) روى الحاكم فِي المُسْتَدْرَكِ بإسناد صحيح عن الحُسَيْن بْنِ عَلِيّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ البَخِيْلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ " .
(3) روى البزار بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ : (آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَقَدْ رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ ، قَالَ : إِنَّ جِبْرِيلَ تَبَدَّى لِي فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ : وَمَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ تَبَدَّى لِي فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ مَنْ ذُكِرْتٌ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ). هذا وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك مواطن يستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله، منها:
(1) بَعْدَ النِّدَاءِ بِالصَّلاةِ، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ).
(2) عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ .روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن فَاطِمَة بِنْت رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ).
(3) فِي صَلاةِ الجَنَازَةِ، كَمَا جَاءَ فِي سُنَنِ البَيْهَقِيِّ بإسناد صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلاةِ عَلَى الجَنَازَةِ أَن يُكِبِّرَ الإِمَامُ ثُمَّ يَقْرَأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيْرَةِ الأُوْلَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجَنَازَةِ).
(4) في يوم الجمعة وليلتها، روى النسائي بإسناد صحيح عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ أَيْ: يَقُولُونَ: قَدْ بَلِيتَ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام). وَ( أَرِمَ ) : بَلِيَ وَفَنِيَ جَسَدُهُ .
(5) فِي التَّشَهُدِ الثَّانِي فِي الصَّلاةِ ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ متعددة للصلاة والسلام عليه وعلى آل بيته، ولكني اخترت لكم صيغتان متفق عليهما عند الإمامان البخاري ومسلم علمهما النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ليصلوا ويسلموا عليه بهما في الصلاة وعند جلوس التشهد، أما السلام فقد روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو). وأما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: (سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). وروى الإمامان البخاري ومسلم عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
[/align]
نعيش اليوم في رحاب آية من سورة الأحزاب يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب 56]. هذه الآية شرف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وأول ما يلفت انتباهنا في الآية أمور: أولا: أن الله عز وجل جعل لكل فريضة نوافل، فهناك فريضة الصلوات الخمس وهناك صلوات النافلة، هناك فريضة صوم رمضان وهناك صيام النافلة، ومن الفرائض شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فنافلة أشهد أن محمدا رسول الله هي الصلاة والسلام على رسول الله.
ثانيا: تظهر لنا فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من كون أن الله عز وجل جعل لعباداته عبادات كثيرة يتقربون بها إلى الله، ولكنه لا يشاركهم في هذه العبادات ولا يفعل مثلهم، ولكنه حينما أراد أن يأمرهم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بنفسه وثنى بملائكته قبل أن يأمر عباده بالصلاة على النبي. وكأنه يقول للمؤمنين شَرَفٌ وَكَرَامَةٌ لكم أَنْ تُصَلُّوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْه اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ، وتُصَلِّي عَلَيْهِ المَلائِكَةُ.
ثالثا: ما معنى أن الله يصلي على النبي، وأن الملائكة تصلى على النبي؟ الصلاة من الله رحمته ورضوانه، والصلاة من الملائكة الدعاء والاستغفار، والصلاة المطلوبة من الأمة الدعاء والتعظيم لأمره صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد دون أنبيائه تشريفا له، ولا خلاف في أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
لماذا أصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) لأن الجزاء من جنس العمل، فإنك إذا صليت على النبي مرة، سيكون الجزاء صلاة الله عز وجل عليك، وكما قلنا صلاة الله على العبد رحمته ورضوانه، ولكنك تتعامل مع الكريم ولذلك سيكون العطاء مضاعفا، روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا).
(2) لكي تصلي عليَّ الملائكة، روى أحمد في مسنده بإسناد حسن عن عَامِرِ ابْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَخْطُبُ يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً لَمْ تَزَلْ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لِيُكْثِرْ".
(3) لأن الصلاة والسلام على رسول الله وسيلة من وسائل كسب الحسنات ومحو السيئات، وكلنا حريص على ذلك، روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عَنْ أَبِى طَلْحَةَ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِى وَجْهِهِ الْبِشْرُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِى وَجْهِكَ الْبِشْرُ. قَالَ: « أَجَلْ أَتَانِى آتٍ مِنْ رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلاَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا».
(4) لأن كثرة الصلاة والسلام عليه تكون سببا في شفاعته يوم القيامة، خرج السيوطي في الجامع الصغير بإسناد حسنه الألباني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى على حين يصبح عشرا و حين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة). وروى ابْنُ حِبَّان بإسناد حسن عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً).
(5) لأن الصلاة والسلام على رسول الله من أسباب تفريج الكروب ، وذهاب الهموم، وغفران الذنوب، روى الترمذي بإسناد صحيح عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا. قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
(6) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب إجابة الدعاء، فإذا أردت أن يستجيب الله عز وجل لدعائك، فقدم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، روى أبو داود بإسناد صحيح عن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ). وفي رواية للنسائي بإسناد صحيح عن فَضَالَة بْنِ عُبَيْدٍ قَال: (سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي. ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي فَمَجَّدَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ).
هذا وقد وردت تحذيرات نبوية من ترك الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومنها:
(1) روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ). تِرَةً: حَسْرَةً وَنَدَامَةً.
(2) روى الحاكم فِي المُسْتَدْرَكِ بإسناد صحيح عن الحُسَيْن بْنِ عَلِيّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ : قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ البَخِيْلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ " .
(3) روى البزار بإسناد صحيح عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ : (آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَقَدْ رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ ، قَالَ : إِنَّ جِبْرِيلَ تَبَدَّى لِي فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، قَالَ : فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ لِي فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ : وَمَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ تَبَدَّى لِي فِي الثَّالِثَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ مَنْ ذُكِرْتٌ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ). هذا وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك مواطن يستحب فيها الصلاة والسلام على رسول الله، منها:
(1) بَعْدَ النِّدَاءِ بِالصَّلاةِ، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ).
(2) عِنْدَ دُخُولِ المَسْجِدِ وَالخُرُوجِ مِنْهُ .روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن فَاطِمَة بِنْت رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي ، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ).
(3) فِي صَلاةِ الجَنَازَةِ، كَمَا جَاءَ فِي سُنَنِ البَيْهَقِيِّ بإسناد صحيح عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلاةِ عَلَى الجَنَازَةِ أَن يُكِبِّرَ الإِمَامُ ثُمَّ يَقْرَأ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيْرَةِ الأُوْلَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْجَنَازَةِ).
(4) في يوم الجمعة وليلتها، روى النسائي بإسناد صحيح عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ أَيْ: يَقُولُونَ: قَدْ بَلِيتَ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام). وَ( أَرِمَ ) : بَلِيَ وَفَنِيَ جَسَدُهُ .
(5) فِي التَّشَهُدِ الثَّانِي فِي الصَّلاةِ ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغ متعددة للصلاة والسلام عليه وعلى آل بيته، ولكني اخترت لكم صيغتان متفق عليهما عند الإمامان البخاري ومسلم علمهما النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ليصلوا ويسلموا عليه بهما في الصلاة وعند جلوس التشهد، أما السلام فقد روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو). وأما كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: (سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). وروى الإمامان البخاري ومسلم عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).
[/align]