فضل الذكر والشكر
أبامحمد أبامحمد
فضل الْذِّكْرُ والحمد لله
الخطبة الأولى
الحمد الله رَبَّ العالَمِين، وأشهد أن لا إله إلا الله رفع منازل الذاكرين، وأشهد أن محمد سيد الْمُرْسَلِيْنَ، وأفضل الذاكرين وخير الحامدين صَلَّىٰ الله عليه وَعَلَىٰ آلِهِ وعلى صحبه وَعَلَىٰ التابعين وَعَلَىٰ من تبعهم بإحسانٍ وسلّم تسليمًا إلى يوم الدين، أما بَعْدَ؛ فيا أيها الناس اتقوا الله واحمدوه تدركوا محبة ربكم ويكرمكم بما ترجونه وما تودون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أي عباد الله أعظم سورة في القرآن بدأت بالحمد لله رَبَّ العالَمِين، الحمد لله لو تدبرنا معناها لازدادنا تحميدًا لربنا، فالحمد لله والإخبار عن الله تَعَالَىٰ بِصِّفَاتِ كماله سبحانه مع محبته والرضا به سبحانه، فالحمد الله محبةٌ لله مع الثناء عَلَيْهِ، قال نبينا مُحَمَّدٌ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الحمد الله تملأ الميزان»، رواه مُسلِم، صحّ عن سلمان رضي الله عنه موقوفًا، قال: «يُوضع الميزان يوم القيامة، فلو وُزن فيه السماوات والأرض لوسعهما.
فتقول الْمَلَائِكَة: يا رب لمن تزن هذا فيقول الله تَعَالَىٰ لِمَن شئت من خلقي، فتقول الْمَلَائِكَة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك لو يعلم العبد ما في الذِكر من شرف أفضل حياة في تسبيحٍ وتحميد»، فالحمد الله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارك، الحمد لله ما أعظمها من كلمة قال صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحبُّ الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرُّ بأيهن بدأت رواه مُسلِم، الحمد لله ابتدأ الله بها في كتابه في خمس سور من القرآن، فالحمد لله بداية سورٍ هنّ الفاتحة والأنعام والكهف وسبأ وفاطر ما ابتدأ الله بهنّ بالحمد لله إلا لعِظمها ومحبة الله لَهَا.
أي عباد الله نبينا محمد صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسمّى بأحمد؛ لأنه أكثر الناس حمداً لله، فأكثروا لله حمدًا واقتدوا بنبيكم محمدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحمد لله موجبٌ لقبول الدُّعَاءُ.
فعن رفاعة بن رافعٍ الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال: «كنا يوماً نصلي وراء رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمّا رفع رأسه من الرَّكْعَةِ، قال: سمع الله لمن حمده، قال: رجلٌ ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فِيْهِ، فلما انصرف رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال من المتكلم آنفا، فقال الرَّجُل: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقد رأيت بضعاً وثلاثين ملاكَ يبتدرونها أيهم يكتبها أَوَّل»، رواه ابْنُ حِبَّان في صحيحه.
فالحمد لله هي غراس الجَنَّة، الْحَمْدُ لله نقولها عند نومنا، وعند الانتباه مِنْهُ، الحمد لله فالحمد لله ذكرٌ يحبه لله، الحمد لله توجب محبة الله محبة الله تَعَالَىٰ في عباده قال نبينا مُحَمَّد صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّ الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة، فيحمده عَلَيْهَا»، رواه مُسلِم، الحمد لله هي حفظاً لنا في الدنيا وحفظاً لنا يوم القيامة اسمعوا لكلام نبينا محمدٍ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن قال خذوا جنُتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأنهنّ يوم القيامة مقدّمات ومعقبات ومجنبات وهنّ الباقيات الصالحات رواه الطبراني في الْأَوْسَطُ.
فهنيئًا لمن حَفِظَهُ اللَّهُ، أيها المسلم التحميد لا يحتاج منك إلى عناء، التحميد هو باللسان تقول ذلك قائماً وقاعداً مسافراً مقيماً صحيحاً مريضاً أكثر من ذكر الله، وقل الحمد لله فذاك أفضل الأعمال وأحبّ الْأَعْمَالِ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولذكر الله أكبر بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه أنه هوالغفور الرَّحِيْمِ
الخطبة الثانية.
الحمد لله ذكر من ذكره، وشكر من شكره، وأشهد أن لا إله إلا الله تولّى من تولاه ونصره وأشهد أن محمدًا أخلص لربه عمله صَلَّىٰ الله عليه وعلى آله وعلى صحبه المقتفين أثره، وعلى من تبعهم وسلّم تسليماً كثيراً وكتبَ، أما بَعْدَ؛ فيا أيها الناس اتقوا ربكم حقًا، وامتثلوا ما أمركم به صدقاً، أي عباد الله هذا والله المتقون الذكرون الله والمخبتون ألا نلحق بركابهم ونعمل بأعمالهم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ قال رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنّ لله ملائكةً سيّارة فضلاء يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلّموا إلى حاجتكم قعدوا معهم فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فإذا تفرّقوا عرجوا وصعدوا إلى السَّمَاءِ، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم ما يقول عبادي، قَالُوا: يسبحونك ويكبّرونك ويحمدونك ويمجدّونك ويهلّلونك، فَيَقُوْلُ: هل رأوني فَيَقُوْلُ: ولا والله ما رأوك فَيَقُوْلُ: وكيف لو رأوني، فَيَقُوْلُ: لو رأوك كانوا أشدّ لك عِبَادَة، وأشدّ لك تمجيداً وتحميداً وأكثر لك تسبيحاً، فَيَقُوْلُ: فما يسألوني قَالُوا: يسألوك الجَنَّة، فَيَقُوْلُ: وهل رأوها، فيقولون: لا والله يا ربي ما رأوها فَيَقُوْلُ: فكيف لو أنهم رأوها، فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة، قال: فمما يتعودون، قَالُوا: من النَّار، فَيَقُوْلُ: وهل رأوها، فَيَقُوْلُ: لا والله يا ربي ما رأوها، فَيَقُوْلُ: فكيف لو رأوها، فيقول لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا، وأشد منها مخافة، فَيَقُوْلُ: فأشهدكم أني قد غفرت لَهُم، فيقول ملكاً من الملائكة فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة، قال هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم»، رواه البخاري وَمُسْلِم.
لَهَونا لَعَمرُ اللَهِ حَتّى تَتابَعَت
ذُنوبٌ عَلى آثارِهِنَّ ذُنوبُ
فَيا لَيتَ أَنَّ اللَهَ يَغفِرُ ما مَضى
وَيَأذَنُ في تَوباتِنا فَنَتوبُ
أي عباد الله صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فَقَالَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلّم وبارك على نَبْيِّنَا محمد وأرضى اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بقية الصَّحَابَة أَجْمَعِيْنَ وعن التابعين وتابعي التابعين وعنّا مَعَهُمْ برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِيْنَ، وأذّل الشرك وَالْمُشْرِكِيْنَ، وانصر عبادك الموحدين، اللهم احفظ إمامنا بحفظك وتولّه برعايتك وانصر به دينك وأصلح له رعيته، اللهم احفظه وولي عهده وارزقهم البطانة الصالحة الناصعة يا رَبَّ العالَمِين، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والرباء والزنا والزلازل والمِحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رَبَّ العالَمِين.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب وَالشَّهَادَةِ، وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الغنى والفقر، ونسألك نعيم لا ينفد وقرة عينٍ لا تنقطع ونسألك الرضا بعد الْقَضَّاءُ، ونسألك برد العيش بعد الْمَوْتِ، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنةٍ مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقاء والعفاف والغنى، اللهم فرّج هم المهمومين من المُسْلِمِيْنَ، ونفث كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، اللهم اشفِ مرضانا وارحم اللهم موتنا.
اللهم أنت الله لا إله إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم غيثًا مغيثاً هنيئاً مريئاً سحًّا طبقَ عمًّا مجللاً نافعًا غير ضار، اللهم إنّا خلقٌ من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أنزل في أرضنا بركة، اللهم ارحمنا برحمة الشيوخ الرّكع والأطفال الرّضع والبهائم الرّتع، اللهم أغثنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين، اللهم صلِّ وسلم على نبينا مُحَمَّد، عباد الله إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وَيَنْهَىٰ عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45].