فضل الإصلاح

سالم بن محمد الغيلي
1441/03/17 - 2019/11/14 22:50PM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما سُجد للرحمن وما تلى القرآن وما طلع النيران وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[

    • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[

    • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

    عباد الله:

    حديث اليوم عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام غفل عنها أكثر الناس, ولعل من اكبر الاسباب في الاعراض عنها أنها تحتاج بذل جهد كبير وصبر وتحمل واحتساب وبذل وقت وسياسة ودراية ولأنها كذلك ولأنها بهذا المقام والمقال رتب الله على القيام بها الأجر بغير حساب .

    والله تعالى يُعطي الأجر بغير حساب وبلا حدود على عبادات منها..

    الصيام (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعمِئَة ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ وَلَخُلُوفُ فيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ.) صحيح مسلم.

    ومنها.. الصبر  (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) ]سورة الزمر:10[.

     ومنها .. الإصلاح عبادة الاصلاح (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ ) ]سورة الشورى: 40[ , عبادة الاصلاح ما احوجنا إليها في زمن كثر فيه الخلاف والاختلاف والفرقة والقطيعة والغفلة , إن الاصلاح لا يقوم به ولا يسعى فيه إلا مُحب للخير , مُحب لله مُحب لرسوله صلى الله عليه وسلم , مُحتسب... مُحتسب يجيد عبادة الاحتساب ويعرف كيف يحتسب يرجو ما عند الله من عظيم الأجر في الإصلاح, إصلاح ما فسد بين الناس عامة وبين الأقارب خاصة , إصلاح الأزواج , إصلاح الأسر , إصلاح الأرحام , إصلاح أهل الخصام والفرقة, مجهود عظيم ولكن أجره عند الله بغير حساب , ولو أن في كل اسرة أو مجتمع أو حي أو قبيلة لو أن فيها مصلح أو اثنان أو ثلاثة متعاونون ومتفقون على اصلاح ما فسد لكان في ذلك أثر عظيم على حياة الناس وسعادتهم وتراحمهم وترابطهم, ولما وجدنا في المجتمع من يقطع أخاه وعمه وخاله وربما أباه لسنة أو سنوات, ولما وجدنا الأزواج يلجأوون إلى المحاكم والطلاق والفراق وتشتيت الأسر , ولربما لو تدخل مصلح فأصلح لكان الأمر مختلف .

    إن الشيطان الذي يعد الناس بالفقر والفحشاء والقطيعة والنفس الأمارة بالسوء , وقلة الخوف من الله ومن عقابه , والهوى المضل والشح المهلك , والنميمة , واشتباه الأمور والشكوك والأوهام , كل هذه أفسدت بين الكثير من الناس فأوصلتهم إلى القطيعة والتباعد, فلذلك نحتاج إلى مصلحين يصلحون مافسد , يمنعون من التفرق والقطيعة والهجر وفساد البيوت والأسر , قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرُكم بأفضلِ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ.) صحيح ابي داود للالباني, وقال الله: (...إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) ]سورةالأعراف:170[, وقال سبحانه: (۞ لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)]سورة النساء:114[

    إن الإصلاح ... إصلاح النفس, واصلاح المجتمع من الفساد والقطيعة والمعصية أمان لأهل القرى أمان للمدن أمان للأمة من عذاب الله, فا الله تعالى لا يهلك مجتمعاً ولا حياً ولا أمة بسبب الظلم والبعد من الله وبسبب التقاطع والتهاجر وأهل ذلك البلد مصلحون... المصلحون أمان من عذاب الله, قال جل في علاه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ]سورة هود:117[

    إن المصلحين سعداء مطمئنون جعل الله في قلوبهم السعادة والأمن والاطمئنان جزاء مايقومون به والجزاء من جنس العمل, فكم ألّفُوا بين الأزواج وكم أصلحوا بين الأخوة والأقارب والجيران , كم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر, كم دعوا إلى الله كم بذل المصلحون من أوقاتهم وجهدهم وعرقِهم, ولذلك يقول الله تعالى: (..فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) ]سورة الأنعام:48[

    المجتمع المسلم كلهم اخوة وأقارب وجيران فكأنهم أسرة واحدة  (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)]سورة الحجرات: 10[

    اللهم اغفر للمصلحين وتجاوز عن المصلحين وبارك للمصلحين في أنفسهم وأهليهم وبيوتهم وأولادهم , اللهم سددهم في أقوالهم وأفعالهم ومساعيهم.

    اقول ماتسمعون..

    الخطبة الثانية

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى..

    عباد الله:

    المجتمع الذي فيه قطيعة فيه لعنة... لعنة من الله وإذا لعن الله نزعت البركة ونزع الخير وجاء الخوف والحرمان (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) ]سورة محمد: 22,23[, فإذا انعدم المصلحون أو قل سعيهم بقيت اللعنة بين الناس .

    إن المصلح يجب ان يتحلى بصفات حتى يفتح الله عليه ويجعل الصلاح والخير على يديه , منها:

      • الاحتساب عند الله:

      نريد من يصلح ويحتسب لا يجعل همه ما يدخل في جيبه أو بطنه , لا يهمه مدح الناس وثناء الناس ونظر الناس؛ لأن الله تعالى بين في كتابه فقال: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) ]سورة النساء: 114[ احتساب لا شهرة .

      ومن صفات المصلحين:

        • الصدق : يكون المصلح صادق يسعى بالصدق يريد الاصلاح فعلاً, قلبه نظيف من الغش والحقد وحظوظ النفس.

        • ومن الصفات .. السياسة سياسة المتخاصمين وسبر أغوار صدورهم حتى يتبين له الصحيح من السقيم .

        • ومن صفات المصلحين.. اتباعهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأهل البدع والضلالات والجهالات لا يعرفون كيف يصلحون بل ربما يفسدون ويحملون الناس تبعات لا يطيقونها وأحمالاً لا يستطيعونها لأن البعيد من الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمى لا يهتدي الطريق فكيف يصلح بين الناس وهو أعمى بصيرة, قال صلى الله عليه وسلم: (الصُّلحُ جائزٌ بينَ المسلمينَ إلَّا صلحًا أحلَّ حرامًا ، أو حرَّم حلالًا) صحيح ابي داود للالباني , ( ..فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)]سورة الأنفال: 1[

        اللهم سدد المصلحين ويسر أمورهم وفرج همومهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.

        وصلوا وسلموا..

        والله أعلم

        جامع النور 1441/3/4هـ

        المشاهدات 1164 | التعليقات 0