فضل الإثنين والخميس

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: الله -جل في عليائه- خلق الزمان وفضل بعضه على بعض؛ فاختص بعض الشهور والأيام بمزايا فاقت بها ما سواها من الأيام؛ ففضل رمضان على بقية الشهور، وفضل العشر الأول من شهر ذي الحجة على أيام العام، وفضل يوم الجمعة على أيام الأسبوع، وفضل -سبحانه- الإثنين والخميس بفضائل ليست في غيرهما من الأيام؛ وفي هذا المقام المبارك نتحدث إليكم عن فضائل الإثنين والخميس والأعمال الفاضلة التي اختصهما الله بها؛ ألا وإن من فضائلهما:

أن أعمال العباد تعرض على الله -عز وجل- يومي الإثنين والخميس؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرَض الأعمالُ يومَ الإثنين والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ"(صححه الألباني)؛ جاء في شرح الزرقاني على الموطأ أن النبي الكريم -عليه أطيب الصلاة وأزكى التسليم- كان يتحرى صيام الإثنين والخميس ويحرص على ذلك فقال: "يوم الإثنين ويوم الخميس فيه فضلهما على غيرهما من الأيام وكان -صلى الله عليه وسلم- يصومهما ويندب أمته إلى صيامهما وكان يتحراهما بالصيام"؛ وهكذا كان أصحابه الكرام والسلف الأعلام يكثرون من صيام الإثنين والخميس لما سمعتم في فضل ذلك.

 

وفي الحديث يتجلى للعاقل خطورة الإشراك الله بالله -تعالى-؛ وأنه مانع من موانع المغفرة، وقد أخبر الواحد الديان في القرآن في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)[النساء:48]؛ فليحافظ المؤمن على توحيده لربه حتى يسعد في الدنيا والآخرة.

 

 كما أن في الحديث -أيضا-: بيان عقوبة الشحناء والعداوة والبغضاء وأنها تؤخر مغفرة الله عن المتخاصمين حتى يصطلحا ويصلحا شأنهما ويتوبا من ذنوبهما؛ يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- معلقا على هذا الحديث: "دل الحديث على أنه يجب على الإنسان أن يبادر بإزالة الشحناء والعداوة والبغضاء بينهم وبين إخوانه حتى وإن رأى في نفسه غضاضة وثقلا في طلب إزالة الشحناء فليصبر وليحتسب لأن العاقبة في ذلك حميدة والإنسان إذا رأى ما في العمل من الخير والأجر والثواب سهل عليه وكذلك إذا رأى الوعيد على تركه سهل عليه وإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يذهب إلى الشخص ويقول يجب أن نصطلح ونزيل ما بيننا من العداوة والبغضاء فبإمكانه أن يوسط رجلا ثقة يرضاه الطرفان ويذهب إليه ويقول إني أجد بينك وبين فلان كذا وكذا فلو اصطلحتما وأزلتما ما بينكما من العداوة والبغضاء فيكون هذا حسنا جيدا والله الموفق".

 

فياد -عباد الله- احذروا من الموانع التي تحول بينكم وبين نيل عفو ربكم ومحو ذنوبكم، من الإشراك بالله والشحناء والبغضاء والتدابر والتهاجر، وأطيعوا أمر رسولكم الحريص عليكم الرؤوف بكم حيث قال: "لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيّامٍ".

 

ومن فضائل الإثنين والخميس: أن أبواب الجنة تفتح فيهما وأن الله -تعالى- يغفر فيهما لعباده؛ ففي صحيح الإمام مسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا".

 

ومن الأعمال التي يستحب فعلها يومي الإثنين والخميس: الإكثار من الدعاء لا سيما من صامهما؛ فدعوة الصائم لا ترد، كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا تردُّ دعوتُهم... والصّائمُ حتّى يفطرَ"(صححه الألباني).

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: 

 

إخوة الإيمان: تلكم -بعضا- من فضائل الإثنين والخميس؛ فاحرصوا عليها تغنموا وتمسكوا بها تسعدوا؛ ولعلنا نقف مع بعض المزايا التي اختص بها يوم الإثنين والأحداث التي جرت فيه دون غيره؛ فمن ذلك:

أن يوم الإثنين كان يوم مولد خير البرية وأزكى البشرية -عليه الصلاة والسلام- فقد كان مولده مطلع فجر النبوة في صبيحة يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، للعام الأول من حادثة الفيل، الموافق للعشرين من أبريل من سنة 571م بمكة المكرمة في شعبة من شعب بني هاشم والمعروفة بشعب أبي طالب، يتيم الأب؛ وبمولده امتلأ الكون ضياء وبهجة وسرورا، وحق للكون كله أن يبتهج بمولد نبي الرحمة ومعلم الحكمة، ولله در الشاعر حين قال:

ولد الهدى فالكائنات ضياء *** وفم الزمان تبسم وثناء

الروح والملأ الملائك حوله *** للدين والدنيا به بشراء

اسم الجلالة في بديع حروفه *** ألف هنالك واسم طه الباء

يا خير من جاء الوجود تحية *** من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا

 

ومن مزايا يوم الإثنين: أنه يوم افترض الله فيه الصلاة عماد الدين وقرة أعين المؤمنين؛ فقد فُرضت الصّلاة في بداية الإسلام ودعوة خير الأنام -عليه الصلاة والسلام- في مكة المكرمة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قبل الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة بما يقارب خمس سنواتٍ، وكان ذلك في يوم الإثنين في السابع والعشرين من شهر رجب.

 

ومن مزايا يوم الإثنين: أن معركة بدر الكبرى وقعت في هذا اليوم المبارك؛ يقول عامرِ بنِ عبدِ اللهِ البدريِّ: "كانت صبيحةُ يومِ الإثنين لسبعَ عشرةَ من رمضانَ"؛ يعني غزوة بدر، وهذا اليوم هو يوم الفرقان؛ كما سماه الله في القرآن فقال: (يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)[الأنفال: 41].

 

ومن مزاياه: أن معركة اليرموك وقعت يوم الإثنين، وكان وتصنف بأنها "معركة القرن" و"أهم المعارك المحورية في تاريخ العالم"، بل وُصف قائد المسلمين فيها خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في بعض المصادر الغربية بأنه "أعظم عقلية عسكرية في تلك الحقبة".

 

أيها المسلمون: اعرفوا لأيام الله فضلها، واحفظوا لها قدرها، وبادروا فيها بالأعمال الصالحة تسعدوا، وخصوا الإثنين والخميس بالتزود من الطاعات تظفروا، وصوموها كما صامها رسولكم -صلى الله عليه وسلم- تغنموا، وفِرُوا مما يسخط الله؛ كالشرك به تأمنوا، واحذروا من التدابر والتقاطع والتهاجر تسلموا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى البشير النذير والسراج المنير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال في كتابه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداءك أعداء الدين.

 

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ووفقنا للخيرات واغتنام أيام الحياة.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة.

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، واجمع على الحق كلمتهم.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا ووالدينا عذاب القبر والنار.

 

المشاهدات 292 | التعليقات 0