فضل الأيام المعلومات

فضل الأيام المعلومات

أيها المسلمون:

للأيام التي نستقبلها، ويستقبلها جميع المسلمين مكانةٌ شريفة، ولها منزلة رفيعة، فهي فرص جديرة بالاغتنام والاستثمار، فهل نغتنمها ونستثمرها؟ هذا هو المأمول.

إذا أقبلت العشر الأوائل من ذي الحجة طاب الحديث عن فضلها، وفضل العمل الصالح فيها.

إلا أنه رغم كثرة الحديث عن هذه العشر، ومزية العمل فيها فالبعض من المسلمين لا يلقي لها بالًا، ولا يوليها عنايةً، ولا رعاية ولا اهتمامًا. وقد لا يكتفي بذلك بل يجعلها فرصة للرحلة والاستجمام

ولا شك أن ذلك من المباحات التي لا يستطيع أيُّ إنسان أن يمنعها أو يحرمها، ولكن الإشكالَ والحرجَ أن يرافق الرحلة التفريط في الأعمال الصالحة، أو اشتمال الرحلة على منكرات من الأقوال أو الأعمال.

فعلى المسلم العاقل أن يحفظ نفسه، وأن يبتعد عما نهى الله عنه في كل وقت، ولا سيما في الأوقات الفاضلة، تلك الأوقات التي يشتغل فيها المسلمون بالأعمال الصالحات، ويتسابقون فيها إلى القربات.

وفرق شاسع بين المستيقظ والغافل، وبين المقصر والمفرط، ولكنّ ذلك الفرق لا يتضح جليًّا إلا في يوم العرض الأكبر على الله: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة) [ الحاقة: ۱۸ ]، وعندئذ يندم المفرط ولات ساعة مندم!! وفي عشر ذي الحجة يشرع للمسلمين الحج إلى بيت الله الحرام، قال الله –تعالى:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)  [ الحج: ۲۷ ]، ومع تأمين سبل الحج، وتطور وسائل النقل، أصبح المسلمون يحجون بيت ربهم من أقصى مشرق الأرض، وأقصی مغربها، جنسياتهم كثيرة، ولغاتهم مختلفة، وحداؤهم واحد: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

والحج واجب في العمر مرة واحدة فحمدًا لله على يسر الإسلام وسماحته، عن أبي هريرة ﭬ قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله ﷺ: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم)، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) رواه مسلم.

وفي فضل الحج وردت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، فعن أبي هريرة ﭬ قال: سئل رسول الله ﷺ أيُّ العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حجٌّ مبرور) رواه البخاري ومسلم.

إن على المسلم الذي يريد أن يؤدي هذه الفريضة العظيمة، أن يحرص على أن تكون الأعمال والأقوال، التي يقوم بها ويقولها، موافقة لأعمال النبي ﷺ وأقواله، فقد ثبت عنه -صلوات الله وسلامه عليه- أنه قال في حجة الوداع: (خذوا عني مناسككم) رواه مسلم.

وجميع أنواع العبادة من حج وغيره لا يكون مقبولًا إلا إذا توفرت في العمل متابعة رسول الله ﷺ، بالإضافة إلى إخلاص العمل لله وحده.

وعلى الحاج أن يبتعد عن كل ما نهاه الله عنه، ليكون حجه مقبولًا، وسعيه مشكورًا، وذنبه مغفورًا، فهذا هو الهدف، وذلك هو القصد، فليس المقصود السفر، والتنقل، والتعب كلا! فالقبول هو قصد المسلم الحاج، وهو الرجاء والأمل، والله عز وجل يقول:( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [ المائدة: ۲۷ ]، ويقول -صلوات الله وسلامه عليه-: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه البخاري.

إن مشهد الحجاج وهم في فجاج مكة، تاركين وراءهم أهليهم، وبلادهم، وأموالهم، وقد اختلفت ألسنتهم، وتفاوتت مداركهم، وعقولهم، وألوانهم، مشهد مؤثر ينبغي أن يأخذ منه المسلم عظة وعبرة، وذلك بتذكر يوم القيامة وما فيه من أهوال وحشر ونشر.

فإن هذا التجمع اليسير في الحج، يشبه إلى حد ما التجمع عند خروج الناس من قبورهم.

ثم إن الحاج بإمكانه وهو في المشاعر، أن يستظل بخيمة، أو يحظى بشجرة لتقيه حر الشمس وتقلبات الجو، ويجد من يبيع له الأطعمة والمشروبات، بأسعار معتدلة، ويجد المركز الصحي عند الحاجة إليه، ليأخذ دواء يخفف من تعبه وصداعه، ولكن هذه الأشياء غير ممكنة في يوم شديد الحر، عظیم الكرب، إلا لمن يظلّه الله تحت ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه.

في ذلك اليوم العظيم الذي يحشر فيه الناس على قدر أعمالهم، وتدنو الشمس منهم فيكثر عرقهم، حيث يقول النبي ﷺ: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب في الأرض عرقهم سبعين ذراعًا وإنه يلجمهم حتى يبلغ آذانهم) رواه البخاري ومسلم.

جدير بالمسلم أن يتزود بالتقوى لذلك اليوم العظيم، وأن يأخذ من حجه العبر والدروس والمواعظ، فيحرص أن لا يظلم أحدًا، ولا يرتكب محرمًا، ولا يقر منكرًا، ولا يهمل معروفًا، ولا يتهم بريئًا.

إن على الحاج وغيره أن يتأمل تلك الملابس التي يرتديها الحجاج، فهي تذكّر بأمور منها: الأكفان التي سيلفُّ فيها الإنسان، في يوم من الأيام، فالعاقل هو الذي يتذكر على الدوام ذلك اليوم، وماذا أعدّ له ولما بعده، يقول رسول الله ﷺ: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) رواه الترمذي، والكيس يعني العاقل.

وملابس الإحرام تذكّر المسلم بأنه سيترك ماله الذي تعب في جمعه، فليس له من ماله إلا ما قدّم.

وملابس الإحرام تذكّر المسلم، بأنه خلّف وراءه بيته أيّاً كان هذا البيت قصرًا، أو عمارة، أو منزلًا عاديًا، وخلف مركبة من سيارة ونحوها، وخلّف وراءه ولده، وعماله وخدمه وحشمه، فلم يعد ينفعه مال ولا بنون، ولا نسب، ولا منصب، ولا خدم ولا حشم؛ ولا سكن مهما كان راقيًا، ولا مركب مهما كان مريحًا، إلا أن يتغمده الله برحمته.

ملابس الإحرام التي يلبسها الحاج، يشترك فيها كلُّ حاج كبيرًا كان أو صغيرًا، ذا منصب وجاه، أو فقيرًا  لا شك أن بين الحجاج تماثلًا من جهة اللباس، إلا أن التماثل غير موجود من جهة المسكن أو المركب، فالناس يوم القيامة متماثلون في كل شيء، فلا يوجد ما يميّز شخصًا عن غيره، فلا فرق بين أعظم ملك، وأفقر إنسان، فكل الناس كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، أصحاب ثروات ومناصب وفقراء لا عمل لهم، الكل يأتي حافيًا عاريًا، والكل خائف من هول ذلك الموقف الرهيب :)وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) [ الأنعام: ۷۰ ].

أيها المسلمون: ليحرص الحاج وغيره أن يحقق الحج في نفسه وضميره، تقوى الله ۵ التي تردعه عن كل منكر، وتزجره عن كل فجور، وتحثّه على كل فضيلة، وتذكره بالدار الآخرة.

على الحاج أن يتذكر دائمًا وأبدًا كلّما حدثته نفسه بمعصية من نظر محرم أو منكر من القول أو الفعل، عليه أن يتذكر قول النبي ﷺ: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري.

من غير اللائق أن يقصّر الحاج في فهم معاني الحج السامية، التي شرع الحج من أجلها، فليس الحج كما يظن البعض مجال صراع، البقاء فيه للقوي، فلا ترحم امرأة ضعيفة، ولا يرحم شيخ كبير، ويصبح الهمّ إنهاء أعمال الحج بأسرع وقت، وعلى أية طريقة كلا!!. ولابد من التذكير بأنه ينبغي أن يكون إيمان الحاج بعد أدائه لفريضة الحج أقوى، وأن يكون زاده إلى الدار الآخرة أكثر، وأعماله الصالحة متنوعة، قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ (197)) [ البقرة: ۱۹۷ ].

أيها المسلمون:

من أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة:

الحج والعمرة، ومن الأعمال الصالحة صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها، وبخاصة اليوم التاسع وهو يوم عرفة، عن أبي أمامة ﭬ أنه قال للنبي ﷺ دلني على عمل أدخل به الجنة، قال: (عليك بالصوم فإنه لا مثل له) رواه النسائي والحاكم بسند صحيح.

ومن العمل الصــالــح في أيام العشر: التكبير وذكر الله ۵، يقول الله -تعالى-: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [ الحج: ۲۷ ]، قيل إنها أيام العشر، والتكبير يكون بصوت مرتفع في المساجد، والأسواق، والطرقات، والمنازل، ليلًا ونهارًا.

ومن العمل الصالح: الصدقة: إن الكثير من الناس تتحرك هممهم للصدقة في رمضان فأين المتصدقون في هذه العشر؟ مع أنها توازي في الفضل العشر الأخيرة من رمضان.

ومن العمل الصالح: صلة الرحم، والتوبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة القرآن، والاستغفار، وإصلاح ذات البين، وزيارة المرضى، ومعاملة الناس بالحسنى، ونوافل الصلاة، والدعوة إلى الله تعالى، إلى غير ذلك من صنوف العبادة، والعمل الصالح.

يقول ابن تيمية ‘: (القلب لا يصلح ولا يفلح، ولا يتنعم، ولا يسر، ولا يلتذ ولا يطيب، ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحده) انتهى.

وأعظم أنواع العبادة: أداء ما فرض الله ۵، كما قال ۵ في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه) رواه البخاري، والعبادة مفهومها شامل، ومعناها واسع، فليست مقصورة على شعائر التعبد كالصلاة والصيام وقراءة القرآن مثلًا.

فقصر العبادة على الشعائر التعبدية خطأ ظاهر، وفهم سقيم، وبسبب هذا الفهم القاصر، وُجد المصلي الصائم، الحاج القارئ للقرآن، غير المتورع عن الغش، والربا، ووجدت المرأة المصلية، الصائمة، وهي لا تتورع عن مخالفة الشرع بسفور، أو  اختلاط، أو تبرج، أو غيبة.

إن المفهوم الواسع للعبادة، والتصور الشامل للعمل الصالح، يجعل المسلم ينبوعًا يفيض بالخير والرحمة، ويتدفق بالنفع والبركة، فتقوى عزيمته على العبادة بأنواعها، ويحس بحاجة إخوانه المسلمين، فيمسح دمعة محزون، ويخفف كربة مكروب، ويضمّد جراح منكوب، ويسد رمق محروم، ويشد أزر مظلوم، يقيل عثرة، ويقضي دين غارم، يهدي حائرًا، يعلم جاهلًا، يدفع شرًا عن مخلوق، ويرفع أذى عن طريق.

إن المسلم يستطيع في وقت قليل، أن يضع لبنات صالحة في بناء الأمة، ويضيف إلى ميزان حسناته أعمالًا صالحة يثقل بها الميزان، وإن بدت في عينه هيّنة، يقول نبينا - صلوات الله وسلامه عليه -: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين) رواه أبو داود، والمقصود صوم وصلاة وصدقة النافلة، وفي صحيح مسلم يقول النبي ﷺ: (عرضت عليّ أعمال أمتي حسنُها وسيئُها فوجدت في محاسن أعمالها: الأذى يماط عن الطريق) رواه مسلم.

ويقول -صلوات الله وسلامه عليه-: (من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلًا) رواه الترمذي.

أيها المسلمون:

إن حصر العمل الصالح في عبادات خاصة جعل بعض العباد يشغلون أوقاتهم بتكرير أعمال محدودة، كأنهم لا يرون غيرها وسيلة إلى مرضاة الله، مع أن الوسائل عديدة، وفضل الله واسع.

وأخيرًا: ليحذر كل مسلم يحب أن يُدخل الجنة ويُزحزح عن النار، ما يبطل عبادته، أو يذهب بثوابها كظلم الناس، والتعدي على أعراضهم، وأموالهم، ودمائهم، فإن مَنْ هذا وصفه يأتي يوم القيامة مفلسًا، كما ورد في صحيح مسلم: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة....) إلخ الحديث.

وأخرج ابن ماجه أن رسول الله ﷺ قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأسًا فيهوي بها في نار جهنم سبعين خريفًا).

 

 

المرفقات

1716992388_فضل الأيام المعلومات.docx

المشاهدات 333 | التعليقات 0