فضل الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة 28/7/1442هـ
عبد الله بن علي الطريف
فضل الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة 28/7/1442هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، وأشهد ألا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله سيد الورى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء أما بعد فإن تقوى الله تعالى خير زاد وعطاء فتقوه وأطيعوه..
أيها الإخوة: روى الترمذي والحاكم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا، وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ، خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه الحاكم وصححه، وصَحَحَهُ الألباني.. وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «..اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ». وَالْبَطَلَةَ هم السَّحَرَةُ. رواه مسلم..
أيها الإخوة: حديثنا ليس عن سورة البقرة فذاك حديث طويل، وإنما حديثنا محصور عن الآيتين آخرها، وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة، وسنذكر من فضلها ما يتيسر لعله يكون حافزاً لنا على حفظها وقراءتها كل ليلة.. ولها فضائل كثيرة منها: أن من قرأهما في ليلة كفتاه، فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البَدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» رواه البخاري ومسلم. قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: قَوْلُهُ كَفَتَاهُ أَيْ أَجْزَأَتَا عَنْهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْقُرْآنِ، وَقِيلَ أَجْزَأَتَا عَنْهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَجْزَأَتَاهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ إِجْمَالًا، وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ كُلَّ سُوءٍ، وَقِيلَ كَفَتَاهُ شَرَّ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ دَفَعَتَا عَنْهُ شَرَّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مَا حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِهِمَا مِنَ الثَّوَابِ عَنْ طَلَبِ شَيْءٍ آخَرَ وَكَأَنَّهُمَا اخْتُصَّتَا بِذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتَاهُ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الصَّحَابَةِ بِجَمِيلِ انْقِيَادِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَابْتِهَالِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى مَطْلُوبِهِمْ.. وقال النووي رحمه الله: قِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقِيلَ مِنَ الْآفَاتِ، وَيَحْتَمِلُ مِنَ الجَمِيعِ..
ومنها: أنها وردٌ وإعاذةٌ من الشياطين في البيوت إذا قُرِأت فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ لا يَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ.. فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلاَ يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ». رواه الترمذي وصححه الألباني. لنحافظ عليهما أيها الإخوة: لنطرد الشياطين عن بيوتنا وعنَّا، ونحفظ بذلك ديارنا وأبنائنا.
ومنها: أنها من خصائص نبينا محمدٍ ﷺ لهذه الأمة، وأنهما نور، وأن من قرأهما استجيب له فيما تضمناه من خيري الدنيا والآخرة، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: "هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ، فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ" رواه مسلم وغيره.
ومنها: أن الله تعالى جعلها فرجًا ومخرجًا، وتيسيرًا وتسهيلاً لعباده، وزادهم من فضله أنه يستجيب لمن دعا بما فيهما، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة:284]، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللهِ ﷺ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ، الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ فِي إِثْرِهَا: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] "قَالَ: نَعَمْ" (رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) [البقرة:286] "قَالَ: نَعَمْ" (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة:286] "قَالَ: نَعَمْ" (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة:286] "قَالَ: نَعَمْ".. رواه مسلم.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا أقول ما تسمعون واستغفر الله لكم ولجميع المسلمين واستغفروه أنتم إنه هو الغفور الرحيم...
الخطبة الثانية:
ومنها: أن الله تعالى أعطى رسوله ﷺ هاتان الآيتان من كنز تحت العرش ولم يعطها نبياً قبله؛ فقد قال: "أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي". رواه أحمد والطبراني وأبو داود بسند صحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وذلك في ليلة عظيمة وهي ليلة الإسراء فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ وَبَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى أُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَلَاثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ نَبِيٌّ كَانَ قَبْلَهُ أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا. رواه البخاري ومسلم والـمُقْحِمات: الذُّنُوبُ الْعِظَامُ الْكَبَائِرُ الَّتِي تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا وَتُورِدُهُمْ النَّارَ، وَتُقْحِمُهُمْ إِيَّاهَا.
لذلك كله اعتنى سلف الأمة بهاتين الآيتين وحافظوا عليهما وعلموهما وحثوا على قراءتهما، قَالَ: جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ: عَنْ "الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ" اقْرَأُوهُمَا وَعَلِّمُوهُمَا أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ فَإِنَّهُمَا قُرْآنٌ وَصَلَاةٌ وَدُعَاءٌ..
وقال عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "ما كنت أرى أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ خواتيم البقرة".
وقال ابن بطال رحمه الله: إذا كان من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه، ومن قرأ آية الكرسي كان عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، فما ظنك بمن قرأها كلها من كفاية الله له وحرزه وحمايته من الشيطان وغيره، وعظيم ما يُدْخَرُ له من ثَوَابِهَا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَكَيْفَ لَا تَكْفِيَانِهِ وَمَا دَعَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا مَا حَصَلَ لِسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يَقْرَءُوهُمَا فَإِنَّ الدَّاعِيَ بِهَذَا الدُّعَاءِ لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ يَخُصُّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا اُسْتُجِيبَ لَهُمْ هَذَا الدُّعَاءُ لَمَّا الْتَزَمُوا الطَّاعَةَ لِلَّهِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِمْ: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ثُمَّ أُنْزِلَ هَذَا الدُّعَاءُ فَدَعَوْا بِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ.
وبعد أيها الإخوة: حري بنا أن نحافظ على قولها ونعلمها أهلنا ونتابعهم على قولها لما فيها من الخير والحفظ الذي نحن بأمس الحاجة إليه قال الشيخ ابن باز والأولى المبادرة بقولها أول الليل. فإذا غربت الشمس بدأ الليل وجاء وقتها...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق