فضل اجتماع الكلمة وذم الشماتة.

عبد الله بن علي الطريف
1436/04/10 - 2015/01/30 08:45AM
فضل اجتماع الكلمة وذم الشماتة. 13/4/1436هـ
أيها الإخوة: ونحن نعيش فضلاً من فضائل الله علينا هذه الأيام من توحد كلمة أهل الحل والعقد من أهل هذه البلاد على قائد واحد ومبايعته بلا مشكلات أو إشكالات وهذه بلا شك من أعظم النعم التي من الله بها علينا، وهي بعد ذلك تنفيذاً لأمر الله تعالى العظيم حيث أمر سبحانه بتقواه وثنا بالأمر بالاعتصام جميعاً بحبله ونهى عن الفرقة فقال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ). [آل عمران:102،103] .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: وكون دعوى المؤمنين واحدة مؤتلفين غير مختلفين، فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يُصلح دينهم وتَصْلُحُ به دنياهم.. وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاون على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم وتنقطع روابطهم ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام.
ثم ذكرهم الهن تعالى نعمته وأمرهم بذكرها فقال: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً) يقتل بعضكم بعضا، ويأخذ بعضكم مال بعض، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا، وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال، وكانوا في شر عظيم، وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما بعثه الله وآمنوا به واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد، من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض، ولهذا قال: (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ) أي: قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها إلا أن تموتوا فتدخلوها (فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) بما مَنَّ عليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ) أي: يوضحها ويفسرها، ويبين لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) بمعرفة الحق والعمل به، وفي هذه الآية ما يدل على أن الله يحب من عباده أن يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكرا له ومحبة، وليزيدهم من فضله وإحسانه، وإن من أعظم ما يذكرُ من نعمِه نعمةُ الهداية إلى الإسلام، وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها.. أهـ.
أحبتي: تأملوا (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا) نعم لا يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال..
أيها الإخوة: ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الاجتماع ورغب به ونهى عن الفرقة والتشرذم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ" رواه مسلم.
قال النووي حمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تفرقوا» فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام.. وقال الطحاوي رحمه الله: ونرى الجماعة حقاً وصواباً، والفرقة زيغاً وعذاباً.
أيها الإخوة: ومصالح الاجتماع لا تقارن بمفاسد الفرقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها. وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ. [المائدة:14] فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب. أهـ أسأل اله، تعالى أن يجمعنا وولاتنا على الخير ويكتب مثله لكل إخواننا في بلاد المسلمين...
الثانية:
الحمد لله الذي له الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ذاته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل مخلوقاته، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه، المقتدين به في كل حالاته.. يا أيها الذين أمنوا اتقوا الهق وقولوا قولاً سديدا...
أيها الإخوة: التداول سنة ماضية ولو بقيت الرياسة والجاه لأحد ما أتت أحداً.. والمؤمن يدعو الله بتمكين الصالحين ويسأله أن لا يولي ظالماً رقاب البشر أجمعين.. يقول الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140]
والفرح بالخير والهداية وفضل الله مطلب، ومع ذلك نهانا عن إظهار الشماتة بالمسلمين والسخرية بهم وكان يتعوذ من شماتة الأعداء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ» رواه مسلم قال القرطبيّ: الشّماتة: السّرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدّين والدّنيا..
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ» رواه الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ..
قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله على هذا الحديث: يعني أن الإنسان إذا عير أخاه في شيء ربما يرحم الله هذا المعير ويشفيه من هذا الشيء ويزول عنه ثم يبتلى به هذا الذي عيره، وهذا يقع كثيرا، ولهذا جاء في حديث آخر، في صحته نظر لكنه موافق لهذا الحديث: من عير أخاه بذنب لن يمت حتى يعمله.. فإياك وتعيير المسلمين والشماتة فيهم فربما يرتفع عنهم ما شمتهم به ويحل فيك. أهـ
وعقوبة الشامت في هذا الحديث من جهتين الابتلاء بتلك البلية ثم اظهارها بين الناس وان سترها على نفسه.. وقد جُرب هذا الأمر مرارا نجانا الله تعالى وجميع المسلمين من هذه البلية العظيمة.
وأخذ بعض أهل العلم من هذا الخبر أن في الشماتة بالعدو غاية الضرر فالحذر الحذر. من ذلك أنه ربما يبتلى الإنسان بمثل ما شَمِت به قال أحد العباد: عبت شخصا قد ذهب بعض أسنانه فذهبت أسناني، وقال ابن سيرين "عيرت رجلًا بالإفلاس فأفلست" ومثل ذلك كثير..
وأفتى بعضهم بأنه لا ملام في الفرح بموت العدو أو إبعاده عن الولاية من حيث انقطاع شره عنه وكفاية ضرره، لكن يحذر من الشماتة..
أيها الإخوة: الشماتة خلق ذميم تُسخط اللّه عزّ وجلّ.. وتُنْبأ عن سوء خلق الشّامت.. وهي دليل على انتزاع الرّحمة من قلوب المتصفين بها.. وتورث العداوة والبغضاء.. وسبيل إلى تفكّك المجتمع وتمزيقه.. وصاحبها مبغض من اللّه والنّاس..
والشماتة خُلق اﻷعداء.. ونقص في المروءة، ودليل على ما وقر في النفس واستقر في الوجدان من غل وتناحر وكراهية.
وبعد أيها الإخوة: حري بنا ونحن نسمع قرارات كثيرة أصدرها ولي الأمر حفظه الهش ووفقه أن نشكر الله أولاً على ما حبانا به من اجتماع ولحمة.. ونسأله المزيد من فضله.. فنعمة الأمن أعظم النعم.. ثم نشكرُ ما قدمه ولي الأمر من هبات مالية شملت قطاعات كثيرة من الجهات الخيرية ومعظم المواطنين.. فجزاه الله عليها خيرا ونسأل الله له ولنا المزيد من فضله..
وعلينا أن نحذر غاية الحذر من الشماتة بالآخرين وتداول ما يكتب منها أو يصور من صور ساخرة شامتة لا يليق تداولها بين المسلمين.. وربما أنك سخرت منه وأظهرت الشماتة به في أمر هو له منحة من الله أن خفف عنه عبء المسئولية، فالحذر الحذر أحبتي فالأمر خطير وقد سمعتم كيف حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشماتة، ودعا الله تعالى أن يحميه منها، ونحن مطالبون بسلوك الصراط المستقيم والاقتداء بسيد المرسلين فبالاقتداء به النجاة في الدارين... وصلوا سلموا على نبيكم...





المشاهدات 1927 | التعليقات 0