فضائل فاطمة رضي الله عنها

د صالح بن مقبل العصيمي
1437/01/21 - 2015/11/03 19:33PM
الخطبة الأولى
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
حَدِيثُنَا الْيَوْمِ عَنْ قُدْوَةٍ مِنَ الْقُدْوَاتِ الصًّالِحَاتِ ،وَأُسْوَةِ الْخَيِّرَاتِ، كَامِلَةٌ مِنَ الْكَامِلَاتِ، وَمَا أَنْدَرَ الْكَامِلَاتِ ! حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ سَيَّدَةِ نِسَاءِ الْجَنَّةِ، وَسَيِّدَةٍ مِنْ سَيِّدَاتِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَكَامِلَةٌ مِنَ الْكَامِلَاتِ الْأَرْبَعِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، اِبْنَةِ مُحَمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَكْرِمْ بِفاطِمَةَ الْبَتُولِ وَبَعْلِهَا وَبِمَنْ هُمَا لِمُحَمَّدٍ سِبْطانِ
غُصْنانِ أَصْلُهُمَا بِرَوضَةِ أَحمَدٍ لِلَّه دَرُّ الأَصْلِ وَالغُصْنَانِ
تُقْبِلُ فَيَقُومُ خِيرَةُ خَلْقِ اللهِ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(يَسْتَقْبِلُهَا وَيَهُشُّ فِي وَجْهِهَا وَيَبُشَّ،وَيُقَبِّلُهَا، وَيُرَحِّبُ بِهَا،وَيُجْلِسُهَا مَكَانَهُ،وَيَقُولُ:مَرْحَبًا بِبُنَيَّتِي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. هِيَ الْبَضْعَةُ الْمُبَارَكَةُ، وَالسُّلَالَةُ الْمُطَهَّرَةُ؛ يَقُولُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْهَا: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي»،رواهُ البخاريُّ. وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : «إِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا»، وَالْبَضْعَةُ هِيَ قِطْعَةُ اللَّحْمِ، فَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ.
تَحَمَّلَتِ الْأَذَى مَعَ أَبِيهَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فِي بَدْءِ الدَّعْوَةِ لِلإِسْلَامِ،فَصَبَرَتْ عَلَى الْبَلاءِ،وَتَحَمَّلَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ . حَيْثُ عَاشَتْ فَاطِمَةُ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،بِمَكَّةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛حَيْثُ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَنَالُونَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ،وَاِمْتَدَّ أَذَاهُمْ إِلَى شَخْصِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلِّمَ ، فَوَقَفَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، مُنَافَحَةً عَنْ أَبِيهَا، مَدَافِعَةً عَنْ نَبِيِّهَا؛ فَبَيْنَا كَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَاجِدًا وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَخَذَتْهُ مِنْ عَلَى ظَهْرِهِ، وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْكَ المَلَأَ مِنْ قُرَيْشٍ»أخرجه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ، حِينَمَا أُصِيبَ، النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَسَالَ مِنْهُ الدَّمُ ، كَانَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِجَانِبِ أَبِيهَا، تَمْسَحُ عَنْهُ الدَّمَ، وَتُطَبِّبُ جُرْحَهُ،فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،أَنَّ المَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً، أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَكَانَتْ عَلَاقَةُ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِزَوْجَاتِ أَبِيهَا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، عَلَاقَةَ حُبٍّ وَوُدٍّ وَتَقْدِيرٍ، وَخَاصَّةً مَعَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتِي كَانَتْ تَصْغُرُهَا، وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى سِنِّهَا عَلَى عَكْسِ مَا أَشَاعَهُ بَعْضُ الْـمُبْتَدِعَةِ،وَهُنَاكَ آثَارٌ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ الْعَلَاقَةَ الطَّيِّبَةَ بَيْنَهُمَا، بَلْ إِنَّ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، هِيَ مَنْ نَقَلَتْ لِلْأُمَّةِ عَامَةَ فَضَائِلِ فَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .فَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،قَالَتْ : «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، رَوَاهُ أَبُو دَاودَ، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ . حَيْثُ وَصَفَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَاطِمَةَ بِصَفَاتٍ حَمِيدَةً، تُبَيِّنُ قَدْرَهَا وَمَنْزِلَتَهَا؛ حَيْثُ إِنَّهَا تُشْبِهُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، هيئةً وَطَرِيقَةً ، وَسَمْتًا وَخُلُقًا .
وَكَانَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، إِذَا ذُكِرَتْ عِنْدَهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَلَدَهَا)،رَواهُ الحاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْ فَاطِمَةَ غَيْرَ أَبِيهَا. قَالَتْ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ،- أي: بَيْنَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَعَائِشَةَ - فَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَلْهَا، فَإِنَّهَا لَا تَكْذِبُ»، صَحَّحَ إِسْنَادَهُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ، وَهَذَا مَدْحٌ لِفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَوَصْفٌ لَهَا بِالصِّدْقِ. وَتُحَدِّثُنَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ حُبِّ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِفَاطِمَةَ، فَقْدْ كَانَ يُحِبُّهَا حُبًّا شَدِيدًا وَيُدْنِيهَا مِنْهُ، وكَانَتْ مَوْضَعَ سِرَّهُ، تَقُولُ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَمْشِي، لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الأَمْرِ الأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي: «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ» قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.ويُلاحَظُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ فِي آخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ مُطَالَبَةَ عَائِشَةَ لِفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، كَانَتْ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: فِي الْفَتْرَةِ الَّتِي يُدَنْدِنُ حَوْلَهَا الْقَوْمُ؛ لإِشْعَالِ فَتِيلِ الْعَدَاوَةَ، وَنَارَ الْفُرْقَةِ وَالتَّشَرْذُمِ .
وقَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا فَاطِمَةُ؟ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ: «مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فَمِنْ حُبِّهَا لَهَا؛ بَشَّرَتْهَا بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ. وَقَالَ النَبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، : « وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا "رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ فَاطِمَةَ عِنْدَهُ، قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ : "وَإِنَّمَا خَصَّ ،صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاطِمَةَ اِبْنَتَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ بَنَاتِهِ حِيْنَئِذٍ غَيْرُهَا. وَكَانَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِجَانِبِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ مَمَاتِهِ، تَتَأَلَّمُ لِمَا يُعَانِيهِ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ،وَيَعْتَصِرُ الأَلَمُ قَلْبَهَا، عِنْدَ وَفَاتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: (وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ؛ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ؛ فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التُّرَابَ؟! رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
هَذِهِ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، الْمُحِبَّةُ لِنَبِيِّهَا وَدِينِهَا، فَاطِمَةُ أَحَدُ أَعْمِدَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، قَالَتْ عَائِشَةُ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (خَرَجَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا})، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَكَانَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ، عَنْهَا زَوْجَةً صَالِحَةً؛ تَتَحَمَّلُ مَعَ زَوْجِهَا شَظَفَ الْعَيْشِ، وَخُشُونَةَ الْحَيَاةِ، كَانَتْ تَطْحَنُ بِالرَّحَى حَتَّى وَجَدَتْ أَثَرَ ذَلِكَ فِي يَدِيِهَا؛فَذَهَبَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا،فَبِمَ رَدَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟ يَرْوِي لَنَا ذَلِكَ عَلِيٌّ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَيَقُولُ : أَتَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا - أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا - فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَدْ تَمَيَّزَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ بَقِيَّةِ أَخَوَاتِهَا، رَضِيَ اللهُ عَنْهُنَّ، بِصُحْبَتِهَا الطَّوِيلَةِ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلِّمَ، تَتَابَعَتْ وفاتُهُنَّ، فِي حَيَاةِ وَالِدِهِنَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلِّمَ، بَيْنَمَا تُوفِيَتْ فَاطِمَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بَعْدَ سِتَّةِ أَشَهرٍ مِنْ وَفَاةِ الرَّسُولِ، عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَتْ اِبْنَةَ ثَلَاثِينَ سَنَةً عَلَى الْأَرْجَحِ، وَمَضَتْ إِلَى اللهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِهَذَا الصَّبْرِ وَالْاِحْتِمَالِ، وَالْقُرْبِ مِنْ رَسُولِ اللهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ ............






الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
إِنَّ الْقُدْوَةَ الصَّالِحَةَ لِلنِّسَاءِ؛ هُنَّ: فَاطِمَةُ وَعَائِشَةُ، وَبَقِيَّةُ بَنَاتِهِ، وَأَزْوَاجُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ، وَالصَّحَابِيَّاتُ الْجَلِيلَاتُ، وَالتَّابِعِيَّاتُ التَّقِيَّاتُ، وَمَنْ تَبِعَهُنَّ بِإِحْسَانٍ مِنْ النِّساءِ النَّقِيَّاتِ الْعَفِيفَاتِ، الْلَائِي اِسْتَجَبْنَ لِأَمْرِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ فَالْخِطَابُ الْإِلهِيُّ فَخْرٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ؛ فَهَنِيئًا لِكُلِّ مَنْ اِسْتَجَابَ لِهَذَا الأَمرِ الإِلهِيِّ الْعَظِيمِ .
إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَتَيَاتِنَا-وَهُنَّ عَاقِلَاتٌ بِفَضْلِ اللهِ- اِتِّخَاذُ ذَلِكَ الْجِيلِ قُدْوَةً،وَلَيْسَتِ الْقُدْوَةُ بَعْضُ الْفَتيَاتِ الْمَفْتُونَاتِ،أَوَ بَعْضُ الْعجَائِزِ الضَّالَّاتِ،الْلَوَاتِي عِشْنَ حَيَاتَهُنَّ مُحَارِبَاتٍ لِلأَخْلَاقِ. تَجِدُهُنَّ سَلِيطَاتِ اللِّسَانِ، يَبْرُزْنَ فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ؛ كَأَشْرَسِ مًا يًكُونُ الرِّجَالُ،قَدْ قَطَعْنَ كُلَّ صِلَةٍ بَينَهُنَّ وَبَيْنَ الْحَيَاءِ، وَإِنَّ الْحَيَاءَ، وَعَدَمَ الْجِدَالِ؛ أَخَصُّ صِفَاتِ الْمُسلِمَةِ الْعَفِيفَةِ، قَالِ تَعَالَى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.
أَسْأَلُ اللهَ، سُبْحَانَهُ، أَنْ يُوَفِّقَ بَنَاتِنَا وَزَوْجَاتِنَا لاِتِّخَاذِ فَاطِمَةَ ،رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،قُدْوَةً،وَأَنْ يَجْمَعَنَا بِنَبِيِّنَا،صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ، وَكَمَا قَالَ حَسَّانُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
يَــــــــا رَبُّ فَاجْمَعْنَـــــــا مَعًا وَنَبِيَّنَا فِي جَنَّةٍ تُثْنـِي عُيُونَ الْـحُسَّـــــــــدِ
فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتـُــبْـهَا لَـــــنَا يَا ذَا الْـجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسُّؤْدَدِ
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.


المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة .docx

غير مشكولة .docx

المشاهدات 2007 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا