فضائل شهر شعبان
محمد سعيد صديق
1436/07/25 - 2015/05/14 21:21PM
الخطبة الأولى العنوان / فضائل شهر شعبان
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ".
عِبَادَ اللهِ: قَدْ صَحَّ وَثَبَتَ عَنْ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ رَسُولِنَا الْكَرِيمِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ- أَنَّهُ قَالَ: »إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَاتِكُمْ«؛ هَذَا الْحدِيثُ الْجَلِيلُ يُبيِّنُ أَمْرَيْنِ مُهِمَّيْنِ يَجِبُ عَلَى عِبَادَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ يَتَنَبَّهُوا إِلَيْهِ وَأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ؛ أَوَّلُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: هُوَ التَّحَيُّنُ لِلأَوْقَاتِ الْمُبَارَكَةِ وَلِلأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ؛ فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلَهُ الشَّأنُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْخِيَرَةُ كُلُّهَا- اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ أَشْخَاصًا وَأَزْمَانًا وَأَمْكِنَةً جَعَلَ لَهَا مِنَ الْفَضْلِ، وَجَعَلَ لَهَا مِنَ الْمَزَايَا مَا قَدْ يَكُونُ لَهَا -فَقَطْ- وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يُحَافِظَ الْعَبْدُ عَلَى دُعَاءٍ يَكُونُ فِيهِ نَجَاتُهُ، وَتَكُونُ فِيهِ حِمَايَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَاتِكُمْ. فنَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَعَظُمَ فِي عَالِي سَمَاهُ- أَنْ يَسْتُرَ مِنَّا الْعَوْرَاتِ، وَأَنْ يُؤْمِنَنَا فِي الرَّوْعَاتِ؛ وأَن يَحْفَظَ عَلينَا دِيننَا وأَمْننَا؛ إِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- وَلَيُّ ذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَهَذِهِ النَّفَحَاتِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي اخْتَصَّ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا بَعْضَ الزَّمَانِ مَا نحنُ علَى مشَارفِ استقبَالهِ ؛ أَلا وهُو شَهْرُ شَعْبَانَ؛ هَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ الَّذِي يَأْتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَرَجَبٍ؛ فَيَكُونُ تَالِيًا لِرَجَبٍ وَسَابِقًا [لِرَمَضَانَ] حَتَّى كَانَ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ -بَلْ خَصَائِصُ مُتَعَدِّدَةٌ- ذَكَرَهَا لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ روى البخاري ومسلم عن أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: "ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - استكملَ صيام شهر قطُّ إلا شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان"، وفي رواية لأبي داود قالتْ: "كان أحبّ الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يصومَه شعبان، ثم يَصِله برمضان".
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ-تَعَالَى-عَنْهُما- قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ؟)فقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلامُ-: »شَهْرُ شَعْبَانَ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالِي فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَنَا صَائِمٌ« هَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ- الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ غَفْلَةَ النَّاسِ -بَلْ أَكْثَرِ النَّاسِ- عَنْ صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ فَضَائِلَ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ مَزَايَا وَخَصَائِصَ مِمَّا قَدْ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ الْكَثِيرُونَ -بَلْ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ وَيُغْفِلُهُ الْأَكْثَرُونَ-.
وَأَمَّا هَذَا الشَّهْرُ؛ فَاسْمُهُ شَعْبَانُ، وَلِهَذَا الْاسْمِ مَعْنًى عِنْدَ الْعَرَبِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: أَنَّ شَعْبَانَ سُمِّيَ بِهَذَا الاسْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكُونُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مُمْتَنِعَة عَنِ الْحَرْبِ وَمُمْتَنِعَة عَنِ الْقِتَالِ -لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحَرَامِ وَمِنَ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَةِ-، فَإِذَا انْقَضَى شَهْرُ رَجَبٍ تَشَعَّبَ الْعَرَبُ لِلْقِتَالِ، وَتَشَعَّبَ الْعَرَبُ لِيَأْخُذُوا أُمُورَهُمْ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ وُجُودُهُمْ مِنْ خِلَالِ مَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْقَبَائِلِ؛ فَشَعْبَانُ مِنَ الشُّعَبِ أَوْ مِنَ التَّشَعُّبِ.
أيها المسلمون، ولقد كان الصالحون من هذه الأمة يستعدون في شهر شعبان، ويتسابقون فيه على طاعة الله، وكانَ يراجِع فيه العاصون أنفسَهم؛ ليتوبَ الله عليهم، لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى، حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة؛ لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم.
ولذلك قال سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي - رحمه الله تعالى - عندما رأى قومَه إذا أقْبَلَ عليهم شهر شعبان تفرَّغوا لقراءة القرآن الكريم: "شهرُ شعبان شهرُ القُرَّاء".
وكانَ عمرو بن قيس إذا دَخَلَ شهرُ شعبان أغْلَقَ حانوتَه، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
بل كانوا يقولون: شهرُ رجب هو شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان هو شهرُ سَقْي الزرع، وشهرُ رمضان هو شهْرُ حَصادِ الزرع، بل شبَّهوا شهرَ رجب بالريح، وشهرَ شعبان بالغيم، وشهْرَ رمضان بالمطَرِ، ومَن لم يَزْرعْ ويَغْرِسْ في رجب، ولم يَسْقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحْصدَ في رمضان؟!
وها نحن نودع شهر رجب، فماذا أنت فاعل في شعبان إنْ كنتَ تريدُ رمضان؟ هذا حالُ نبيِّك وحالُ سَلَف الأُمَّة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعُك من هذه الأعمال والدرجات؟
أيها المسلمون، لنعمرَ أوقات هذا الشهر المبارك التي يغفل عنها الكثير بطاعة الله بقدْر استطاعتنا؛ كما عمَّرها سلفُنا الصالح - رضي الله عنهم – وأَذكر نفسي وإياكم بأعمال بسيطة غَفَلَ الناسُ عنها في هذه الأيام، وأحث نفسي وإياكم على تطبيقها في شعبان؛ كي تسهلَ علينا في رمضان، فما شهرُ شعبان إلا دورة تأْهِيليَّة لرمضان، تعالَوا لنحافظ على الصيام؛ كما كان يفعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في شهر شعبان، ونحن لا نريد أن نقولَ: نصوم كلَّ الشهْر، ولا نصفه، ولكن نصوم الاثنين والخميس، أو على الأقل نصوم الأيَّام البيض، ولنحافظ على الصلاة في المسجد، ولنحافظ على قراءة القرآن، ولو نِصْفَ جزء يوميًّا، ولنعوِّد أنفسَنا على قِيام الليل، والصدقة والإحسان، وحفظ اللسان ، ومراقبة البصر، ومحاسبة النفس على الدّقائق و الأنفاس.
ويجدر التذكير : الى وجوب قضاء الصوم لمن كان قد افطر في رمضان الماضي فلا يجوز له التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة - ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فهو آثم ويلزمه ثلاثة أمور: التوبة و القضاء و إطعام مسكين عن كل يوم يقضيه .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد: فما تدنَّى واقع الأمة، ولا أصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم، والضعف أمام أعدائهم؛ إلا لما تخلوا عن أعز مقومات النصر وهو الدين الإسلامي الحق، وقد أساء بعض أبناء المسلمين فهم الإسلام؛ فجعلوا لطاعة الله وقتاً، ولمعصيته أوقاتاً، وللخير والإقبال على الله زمناً، وللشر والإدبار أزمانا - مِنْ هجرٍ للمساجد، وتركٍ للجمع والجماعات، وتساهل في الصلوات، واعتزال للطاعات؛ من قراءة للقرآن، والذكر والدعاء، والإحسان والصدقات، والإقبال على ألوان المعاصي والمنكرات، فلا غرو اذا لم تعمل مناسبات الخير والرحمة، ومواسم البر والمغفرة عملها في قلوب الناس، ولم تؤثر في سلوكهم، ولم تجدِ في حل مشكلاتهم.
يروى عن بعض السلف رضي الله عنهم انهم باعوا جارية لهم فاشتراها اناس فلما أقبل رمضان بدأوا يتهيأون بألوان المطعومات والمشروبات ، لاستقبال شهر رمضان كما يصنع الناس في هذا الزمان فقالت لهم لماذا تصنعون هذا ؟ قالوا : نصنعه لاستقبال رمضان قالت : وأنتم لا تصومون إلا في رمضان ، والله لقد جئت من قوم السنة عندهم كلها رمضان لا حاجة لي إليكم ردوني إليهم.
ويروى أن الحسن بن صالح رحمه الله - باع أمة له فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت في وسط الدار وصاحت : يا قوم , الصلاة الصلاة , فقاموا فزعين وقالوا : هل طلع الفجر ؟ قالت : وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة ، فلما أصبحت رجعت إلى سيدها وقالت : لقد بعتني على قوم سوء ، بعتني على قوم لا يصلون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة لا حاجة لي إليهم ردوني ردوني.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعمروا بيوتكم واوقاتكم بطاعة الله فما اجمل الحياة وأسعدها بذكر الله وما أقبح العبد وأشقاه اذا نسي الله.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بذلك فقال عز من قائل :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)...
هذه الخطبة قمت بجمعها من عدة خطب وأعدت ترتيبها لتناسب الحال عسى الله أن ينفع بها.
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ ".
عِبَادَ اللهِ: قَدْ صَحَّ وَثَبَتَ عَنْ نَبِيِّ الْإِسْلَامِ رَسُولِنَا الْكَرِيمِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ- أَنَّهُ قَالَ: »إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلَا فَتَعَرَّضُوا لَهَا وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَاتِكُمْ«؛ هَذَا الْحدِيثُ الْجَلِيلُ يُبيِّنُ أَمْرَيْنِ مُهِمَّيْنِ يَجِبُ عَلَى عِبَادَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّ يَتَنَبَّهُوا إِلَيْهِ وَأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ؛ أَوَّلُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: هُوَ التَّحَيُّنُ لِلأَوْقَاتِ الْمُبَارَكَةِ وَلِلأَزْمِنَةِ الْفَاضِلَةِ؛ فَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَلَهُ الشَّأنُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْخِيَرَةُ كُلُّهَا- اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ أَشْخَاصًا وَأَزْمَانًا وَأَمْكِنَةً جَعَلَ لَهَا مِنَ الْفَضْلِ، وَجَعَلَ لَهَا مِنَ الْمَزَايَا مَا قَدْ يَكُونُ لَهَا -فَقَطْ- وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا. وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي: فَهُوَ أَنْ يُحَافِظَ الْعَبْدُ عَلَى دُعَاءٍ يَكُونُ فِيهِ نَجَاتُهُ، وَتَكُونُ فِيهِ حِمَايَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَاتِكُمْ. فنَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَعَظُمَ فِي عَالِي سَمَاهُ- أَنْ يَسْتُرَ مِنَّا الْعَوْرَاتِ، وَأَنْ يُؤْمِنَنَا فِي الرَّوْعَاتِ؛ وأَن يَحْفَظَ عَلينَا دِيننَا وأَمْننَا؛ إِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- وَلَيُّ ذَلِكَ، وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَهَذِهِ النَّفَحَاتِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي اخْتَصَّ اللهُ -تَعَالَى- بِهَا بَعْضَ الزَّمَانِ مَا نحنُ علَى مشَارفِ استقبَالهِ ؛ أَلا وهُو شَهْرُ شَعْبَانَ؛ هَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ الَّذِي يَأْتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَرَجَبٍ؛ فَيَكُونُ تَالِيًا لِرَجَبٍ وَسَابِقًا [لِرَمَضَانَ] حَتَّى كَانَ لَهُ خُصُوصِيَّةٌ -بَلْ خَصَائِصُ مُتَعَدِّدَةٌ- ذَكَرَهَا لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ روى البخاري ومسلم عن أمِّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: "ما رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - استكملَ صيام شهر قطُّ إلا شهر رمضان، وما رأيتُه في شهرٍ أكثر صيامًا منه في شعبان"، وفي رواية لأبي داود قالتْ: "كان أحبّ الشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يصومَه شعبان، ثم يَصِله برمضان".
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ-تَعَالَى-عَنْهُما- قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ؟)فقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلامُ-: »شَهْرُ شَعْبَانَ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالِي فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَنَا صَائِمٌ« هَذَا حَدِيثُ رَسُولِ اللهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ- الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ غَفْلَةَ النَّاسِ -بَلْ أَكْثَرِ النَّاسِ- عَنْ صِيَامِ هَذَا الشَّهْرِ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ فَضَائِلَ، وَعَمَّا فِيهِ مِنْ مَزَايَا وَخَصَائِصَ مِمَّا قَدْ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ الْكَثِيرُونَ -بَلْ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ وَيُغْفِلُهُ الْأَكْثَرُونَ-.
وَأَمَّا هَذَا الشَّهْرُ؛ فَاسْمُهُ شَعْبَانُ، وَلِهَذَا الْاسْمِ مَعْنًى عِنْدَ الْعَرَبِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: أَنَّ شَعْبَانَ سُمِّيَ بِهَذَا الاسْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكُونُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مُمْتَنِعَة عَنِ الْحَرْبِ وَمُمْتَنِعَة عَنِ الْقِتَالِ -لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحَرَامِ وَمِنَ الْأَشْهُرِ الْمُحَرَّمَةِ-، فَإِذَا انْقَضَى شَهْرُ رَجَبٍ تَشَعَّبَ الْعَرَبُ لِلْقِتَالِ، وَتَشَعَّبَ الْعَرَبُ لِيَأْخُذُوا أُمُورَهُمْ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ وُجُودُهُمْ مِنْ خِلَالِ مَا كَانَ يَجْرِي بَيْنَ الْقَبَائِلِ؛ فَشَعْبَانُ مِنَ الشُّعَبِ أَوْ مِنَ التَّشَعُّبِ.
أيها المسلمون، ولقد كان الصالحون من هذه الأمة يستعدون في شهر شعبان، ويتسابقون فيه على طاعة الله، وكانَ يراجِع فيه العاصون أنفسَهم؛ ليتوبَ الله عليهم، لِمَا عرفوا من نفَحَاته وكَرَاماته، فكانوا ينكبُّون على كتاب الله يتلونه ويتدارسونه، ويتصدقون من أموالهم، ويتسابقون إلى الخيْرات، وكأنهم يُهيِّئون قلوبَهم لاستقبال نفحات رمضان الكُبرى، حتى إذا دخلَ عليهم رمضان دَخَلَ عليهم وقلوبُهم عامرةٌ بالإيمان وألسنتُهم رطبةٌ بذِكْر الله، وجوارحُهم عفيفةٌ عن الحرام طاهرةٌ نقيَّةٌ فيشعرون بلذَّة القيام وحلاوة الصيام، ولا يَملُّون من الأعمال الصالحة؛ لأنَّ قلوبَهم خالطتها بشاشةُ الإيمان وتغلغَل نورُ اليقين في أرواحِهم.
ولذلك قال سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي التابعي - رحمه الله تعالى - عندما رأى قومَه إذا أقْبَلَ عليهم شهر شعبان تفرَّغوا لقراءة القرآن الكريم: "شهرُ شعبان شهرُ القُرَّاء".
وكانَ عمرو بن قيس إذا دَخَلَ شهرُ شعبان أغْلَقَ حانوتَه، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
بل كانوا يقولون: شهرُ رجب هو شهرُ الزرع، وشهرُ شعبان هو شهرُ سَقْي الزرع، وشهرُ رمضان هو شهْرُ حَصادِ الزرع، بل شبَّهوا شهرَ رجب بالريح، وشهرَ شعبان بالغيم، وشهْرَ رمضان بالمطَرِ، ومَن لم يَزْرعْ ويَغْرِسْ في رجب، ولم يَسْقِ في شعبان، فكيف يريد أن يحْصدَ في رمضان؟!
وها نحن نودع شهر رجب، فماذا أنت فاعل في شعبان إنْ كنتَ تريدُ رمضان؟ هذا حالُ نبيِّك وحالُ سَلَف الأُمَّة في هذا الشهر المبارك، فما هو موقعُك من هذه الأعمال والدرجات؟
أيها المسلمون، لنعمرَ أوقات هذا الشهر المبارك التي يغفل عنها الكثير بطاعة الله بقدْر استطاعتنا؛ كما عمَّرها سلفُنا الصالح - رضي الله عنهم – وأَذكر نفسي وإياكم بأعمال بسيطة غَفَلَ الناسُ عنها في هذه الأيام، وأحث نفسي وإياكم على تطبيقها في شعبان؛ كي تسهلَ علينا في رمضان، فما شهرُ شعبان إلا دورة تأْهِيليَّة لرمضان، تعالَوا لنحافظ على الصيام؛ كما كان يفعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في شهر شعبان، ونحن لا نريد أن نقولَ: نصوم كلَّ الشهْر، ولا نصفه، ولكن نصوم الاثنين والخميس، أو على الأقل نصوم الأيَّام البيض، ولنحافظ على الصلاة في المسجد، ولنحافظ على قراءة القرآن، ولو نِصْفَ جزء يوميًّا، ولنعوِّد أنفسَنا على قِيام الليل، والصدقة والإحسان، وحفظ اللسان ، ومراقبة البصر، ومحاسبة النفس على الدّقائق و الأنفاس.
ويجدر التذكير : الى وجوب قضاء الصوم لمن كان قد افطر في رمضان الماضي فلا يجوز له التأخير إلى ما بعد رمضان القادم إلا لضرورة - ومن قدر على القضاء قبل رمضان ولم يفعل فهو آثم ويلزمه ثلاثة أمور: التوبة و القضاء و إطعام مسكين عن كل يوم يقضيه .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد: فما تدنَّى واقع الأمة، ولا أصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم، والضعف أمام أعدائهم؛ إلا لما تخلوا عن أعز مقومات النصر وهو الدين الإسلامي الحق، وقد أساء بعض أبناء المسلمين فهم الإسلام؛ فجعلوا لطاعة الله وقتاً، ولمعصيته أوقاتاً، وللخير والإقبال على الله زمناً، وللشر والإدبار أزمانا - مِنْ هجرٍ للمساجد، وتركٍ للجمع والجماعات، وتساهل في الصلوات، واعتزال للطاعات؛ من قراءة للقرآن، والذكر والدعاء، والإحسان والصدقات، والإقبال على ألوان المعاصي والمنكرات، فلا غرو اذا لم تعمل مناسبات الخير والرحمة، ومواسم البر والمغفرة عملها في قلوب الناس، ولم تؤثر في سلوكهم، ولم تجدِ في حل مشكلاتهم.
يروى عن بعض السلف رضي الله عنهم انهم باعوا جارية لهم فاشتراها اناس فلما أقبل رمضان بدأوا يتهيأون بألوان المطعومات والمشروبات ، لاستقبال شهر رمضان كما يصنع الناس في هذا الزمان فقالت لهم لماذا تصنعون هذا ؟ قالوا : نصنعه لاستقبال رمضان قالت : وأنتم لا تصومون إلا في رمضان ، والله لقد جئت من قوم السنة عندهم كلها رمضان لا حاجة لي إليكم ردوني إليهم.
ويروى أن الحسن بن صالح رحمه الله - باع أمة له فلما انتصف الليل عند سيدها الجديد قامت في وسط الدار وصاحت : يا قوم , الصلاة الصلاة , فقاموا فزعين وقالوا : هل طلع الفجر ؟ قالت : وأنتم لا تصلون إلا المكتوبة ، فلما أصبحت رجعت إلى سيدها وقالت : لقد بعتني على قوم سوء ، بعتني على قوم لا يصلون إلا الفريضة ولا يصومون إلا الفريضة لا حاجة لي إليهم ردوني ردوني.
ألا فاتقوا الله عباد الله واعمروا بيوتكم واوقاتكم بطاعة الله فما اجمل الحياة وأسعدها بذكر الله وما أقبح العبد وأشقاه اذا نسي الله.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بذلك فقال عز من قائل :(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)...
هذه الخطبة قمت بجمعها من عدة خطب وأعدت ترتيبها لتناسب الحال عسى الله أن ينفع بها.
المشاهدات 5158 | التعليقات 2
أحسنت وأجدت في النقل والاختيار والجمع وحشد الشواهد شيخ بو زكريا لا فضفوك ولا حرمك ربي أجر الكتابة والنقل ونفع الله بك إخوانك من الخطباء وغيرهم مزيدا من التواجد تكرما.
عوض بن احمد
جزاك الله خير ولكن حديث ( إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ) ضعيف
تعديل التعليق