(فَضائلُ شَهر رَجَب وتعظيمَه هو الدِّينُ الْقَيِّمُ)

محمد البدر
1440/07/06 - 2019/03/13 15:22PM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى : ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة : 36].
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: أظلَّنا منذ أيّامِ ؛ شهرٌ عظيمٌ من الأشهرِ الحُرُمِ ؛الّتي أمر اللهُ سبحانه وتعالى بتعظيمِها، والالتزامِ فيها أكثرَ بدينِه وشرعِه، وإجلالِها؛ وقيل ان معنى رجب؛ أي لأنّه كان يُرجَّبُ؛ أي: يُعظَّمُ، وأُضيفَ إلى مُضر، لأنّ قبيلةَ مُضـر كانت تزيد في تعظيمِه واحترامِه. وله غيرُ هذا من الأسماءِ الّتي تدلُّ على شرفِه فينبغي أن نعرفَ قدرَ هذا الشهرِ الحرامِ ؛ ذلك لأنّ معرفتَه وتعظيمَه (هو الدِّين القيِّم) أي: المستقيم؛ الّذي لا اعوجاجَ فيه، ولا ضلالَ، ولا انحرافَ. كما يجب علينا أن نحذرَ من المعصية فيه؛ فإنّها ليست كالمعصيةِ في غيرِه؛ بل المعصيةُ فيه أعظمُ، والعاصِي فيه آثمُ؛ قَالَ تَعَالَى :﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة : 217]؛ أي: ذنبٌ عظيمٌ، وجرمٌ خطيرٌ؛ فهو كالظّلمِ والمعصيةِ في البلدِ الحرامِ؛ قَالَ تَعَالَى :﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج : 25].
والتعظيم لهذه الأشهر الحرم هو من تعظيم الله تعالى وتعظيم حرمات الله، قَالَ تَعَالَى :﴿ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج : 32].
فالعظمةُ من صفات الله تعالى فهو العلي العظيم، والعبد يعظمه تعالى بتبجيله وإجلاله, ويخر ساجدا لجنابه ويركع له تعظيماً لشأنه قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
والعبد يقول و يردد في خشوع، وتذلل وخضوع: سبحان ربي العظيم في الركوع.
عِبَادَ اللَّهِ: إن تعظيم حرمات الله تعالى واحترام أوامره وامتثالها، ومعرفة نواهيه واجتنابها لهو طريق إلى الفلاح، وسبيل للنجاح، ودليل على الإيمان، وبرهان على الإحسان، وسبب للغفران.
ومن تعظيم حرمات الله تعالى: تعظيم حرمة المؤمن واحترام حقوقه وعدم النيل من كرامته والتعدي عليه، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجَّةِ الودَاعِ: إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت متفقٌ عَلَيهِ. وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا  قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ:  مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ الله حُرْمَةً مِنْكِ، مَالُهُ وَدَمُهُ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانيُّ. واحذروا من الظلم فالظلمُ فإن عاقِبَتُه وخيمَةٌ ، وآثارُه شَنِيعةٌ؛ فلا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ مع الظّلم ، مهما بلَغ شأنُ الظّالمِ؛ قَالَ تَعَالَى :﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ وقَالَ تَعَالَى:﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ يقول قَتَادَةَ رحمه الله قال: « إنّ الظلمَ في الشهرِ الحرامِ أعظمُ خطيئةً ووزراً من الظلمِ فيما سواهُ، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيماً، ولكنَّ اللهَ يُعظِّمُ من أمرِه ما شاء. وقال : إنَّ اللهَ اصطفى صَفايا من خلقِه؛ اصطفى من الملائكةِ رسلاً، ومن النّاسِ رسلاً، واصطفى من الكلامِ ذكرَه، واصطفى من الأرضِ المساجدَ، واصطفى من الشهورِ رمضانَ والأشهرَ الحُرمَ، واصطفى من الأيّامِ يومَ الجمعةِ، واصطفى من اللَّيالي ليلةَ القدرِ؛ فعظِّموا ما عظَّم اللهُ؛ فإنّما تعظَّم الأمورُ بما عظَّمها اللهُ عند أهلِ  الفهمِ والعقلِ. فينبغي علينا في هذا الشّهر أكثر من غيره اجتناب الذّنوبِ والآثامِ و عدم الإشراك بالله وصرفِ أي شيءٍ من العبادةِ لغيرِه عزّ شأنُه كذلك اجتناب الظلمِ أي كان وأكلِ أموال الناس بالباطل .أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللهِ:كما أنّ المعاصيَ تعظُمُ في الشهرِ الحرامِ؛ فكذلك الحسناتُ والطّاعاتُ تعظُمُ وتُضاعفُ في هذه الأيّام ؛ فالتّقرّبُ إلى اللهِ عزّ وجلّ بالطّاعةِ في الشّهرِ الحرامِ أفضلُ وأحبُّ إليه سبحانه من التّعبُّدِ في سائرِ الأيّامِ؛ فيستحبُّ الإكثارُ والمواظبةُ على ما ثبتت به السنّةُ في سائرِ الأيّامِ من نوافلِ الطّاعاتِ؛ من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقاتٍ، وغيرِها من القرباتِ ، مع المحافظةِ على الفرائضِ والواجباتِ، ولكنْ لا يشرعُ تخصيصِ شهرِ رجبٍ بتلكَ العباداتِ؛ لأنّ العبادةَ لا تشـرعُ في الإسلامِ إلّا بدليلٍ ظاهرٍ من الكتابِ والسنّة، وإلّا كان العملُ غيرَ مقبولٍ بحالٍ ؛ لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ .الا وصلوا ....
المشاهدات 1281 | التعليقات 0