فَضَائِلُ بَيْتِ المَقْدِسِ - مشكولة (PDF - DOC)
عبدالله اليابس
فضائل بيت المقدس الجمعة 9/10/1442هـ
الحَمْدُ للهِ الذِي لَا خَيْرَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا فَضْلَ إِلَّا مِنْ لَدُنْهُ، أَحْمَدُهُ حَمْدًا لَا اِنْقِطَاعَ لِرَاتِبِهِ، وَلَا إِقْلَاعَ لِسَحَائِبِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ سَمِيعٌ لِمَنْ يُنَادِيهِ، قَرِيبٌ مِمَّنْ يُنَاجِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَالسَّائِرِينَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ، وَسَائِرِ الـمُنْتَمِينَ إِلَى ذَلِكَ القَبِيلِ.
أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. مَوْضِعٌ لَا كَالـمَوَاضِعِ.. وَمَسْجِدٌ لَا كَالـمَسَاجِدِ، هُوَ القِبْلَةُ الأُوْلَى، وَمَسْرَى الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَجْمَعُ الأَنْبِيَاءِ، وَأَرْضُ الـمَحْشَرِ وَالـمَنْشَرِ، إِنَّهُ بَيْتُ الـمَقْدِسِ.
بَيْتُ الـمَقْدِسِ هُوَ الـمَسْجِدُ الأَقْصَى فِي مَدِينَةِ القُدْسِ، قَالَ تَعَالَى (سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الـمَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ), وَسُمِّيَ الأَقْصَى بِمَعْنَى البَعِيدِ، لِبُعْدِ الـمَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ آخَرُ فِي الأَرْضِ، وَيُسَمَّى بَيْتَ الـمَقْدِسِ أَيْ الـمُطَهِّرُ مِنَ الذُنُوبِ، وَالـمُطَهَّرُ مِنَ الأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا.
الحَدِيْثُ عَنْ بَيْتِ الـمَقْدِسِ حَدِيْثٌ لَيْسَ كَسَائِرِ الأَحَادِيْثِ، فَهْوَ حَدِيْثٌ عَنْ مَوْضِعٍ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيْثُ فِي تَعْدَادِ فَضَائِلِهِ، فَمِنْ هَذِهِ الفَضَائِلِ:
أَوَّلَاً: أَنَّهُ ثَانِي مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ الـمَسْجِدِ الحَرَامِ، لِمَا رَوَى البُخَاريُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ, أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَاً؟ قَالَ: (الـمَسْجِدُ الحَرَامُ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: (الـمَسْجِدُ الأَقْصَى)، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً).
وَالذِيْ أَسَّسَ بَيْتَ الـمَقْدِسِ هُوَ يَعْقُوبُ بنُ إِسْحَاقَ بنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ الكَعْبَةَ، ثُمَّ جَدَّدَهُ سُلَيْمَانُ بنُ دَاووُدَ عَلَيهِ السَّلَامُ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الـمَسْجِدِ الأَقْصَى: أَنَّهُ قِبْلَةُ الـمُسْلِمِينَ الأُولَى لِمُدَّةِ سِتَةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً قَبْلَ تَحْوِيلِهَا إِلَى الكَعْبَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَينِ مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الـمَسْجِدَ الأَقْصَى كَانَ قِبْلَةً فِي الصَّلَاةِ وَمُتَوَجَّهَاً لِعَدَدٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ.
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ: البُشْرَى بِفَتْحِهِ قَبْلَ أَنْ يُفْتَحَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَةٍ، كَمَا جَاءَ عَنْ عَوْفِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدْمٍ، فَقَالَ: (اُعْدُدْ سِتَّاً بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيتِ الـمَقْدِسِ..) الحَدِيثُ. رَوَاهُ البَخَارِيُّ.
وَمِنْ فَضَائِلِ الـمَسْجِدِ الأَقْصَى: البَرَكَةُ حَوْلَهُ.
فَلَا تَكَادُ تُذْكَرُ أَرْضُهُ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَّا مَقْرُونَةً بِوَصْفِ البَرَكَةِ أَوِ القَدَاسَةِ، قَالَ تَعَالَى عَنِ الـمَسْجِدِ الأَقْصَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، وَقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الـمُقَدَّسَةَ..} وَهِيَ "بَيْتُ الـمَقْدِسِ" وَمَا حَوْلَهَا، وَفِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ عَلَيهِ السَّلَامُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ التِي بَارَكْنَا فِيهَا}.
وَمِنْ بَرَكَتِهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الـمَسَاجِدِ بَعْدَ الحَرَمَينِ الشَرِيفَينِ. وَأُنَبِّهُ عَلَى خَطَأٍ شَائِعٍ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ تَسْمِيَةُ الـمَسْجِدِ الأَقْصَى بِثَالِثِ الحَرَمَينِ، وَإِنَّمَا الحَرَمُ مَكَّةُ وَالـمَدِينَةُ خَاصَّة.
وَمِنْ فَضَائِلِ الـمَسْجِدِ الأَقْصَى: فَضْلُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَمُضَاعَفَتُهَا.
فَقَدْ رُويَ فِي الحَدِيثِ أَنَّ صَلَاةً فِي الـمَسْجِدِ الأَقْصَى بِمَائتَينِ وَخَمْسِينَ صَلَاةً فِيمَا سِوَاهُ عَدَا مَسْجِدَي مَكَةَ وَالـمَدِينَة.
وَعَنْ عَطَاءِ الخُرَاسَانِيِّ قَالَ: بَيْتُ الـمَقْدِسِ بَنَتْهُ الأَنْبِيَاءُ، وَوَاللهِ مَا فِيهِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَقَدْ سَجَدَ فِيهِ نَبِيٌّ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: {ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.. فَمَا زِلْنَا فِي تَعْدَادِ فَضَائِلِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ, فَمِنْ هَذِهِ الفَضَائِلِ: الإِسْرَاءُ وَالـمِعْرَاجُ.
فَقَدْ أُسْرِيَ بِالنَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ مِنَ الـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الـمَسْجِدِ الأَقْصَى بِنَصِّ القُرْآنِ، ثُمَّ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَوَاتِ العُلَى.
وَمِنْ فَضَائِلِهِ: الحَثُّ عَلَى الـمُقَامِ فِيهِ.
فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ).
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى بَشَّرَ فِيهِ زَكَرِيَا بِيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَسَخَّرَ لِدَاووُدَ الجِبَالَ وَالطَّيرَ فِي بَيْتِ الـمَقْدِسِ، وَيُهْلِكُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِيهِ، وَوُلِدَ عَيْسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فِي الـمَهْدِ فِي بَيْتِ الـمَقْدِسِ، وَرَفَعَهُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْهَا، وَمَقْتَلُ الدَّجَّالِ فِيهِ.
وَمِنْ فَضَائِلِ بَيْتِ الـمَقْدِسِ: اِسْتِحْبَابُ زِيَارَتِهِ وَشَدُّ الرِّحَالِ إِلَيْهِ.
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الـمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الـمَسْجِدِ الحَرامِ، وَالـمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا).
وَلَقَدْ حَرِصَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى تِلْكَ البُقْعَةِ الـمُبَارَكَةِ، فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُطَهِّرَ تِلْكَ الأَرْضَ الـمُبَارَكَةَ الـمُقَدَّسَةَ مِنْ رِجْسِ اليَهُودِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ شَرِّهِمْ وَبَغْيِهِمْ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا فِيهِ صَلَاةً آمِنَةً قَبْلَ الـمَمَاتِ.
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللهِ.. إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالـمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1621432489_فضائل بيت المقدس 9-10-1442.docx
1621432489_فضائل بيت المقدس 9-10-1442.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق