فضائل الوضوء

فضائل الوضوء

ألقيت في جامع حمراء الأسد – المدينة المنورة

20/ شعبان/ 1442

عبد الله بن عبد الرحمن بن ناجي الرحيلي

 

عناصر الخطبة:

 1-الإسلام دين الطهارة الحسية والمعنوية.

2-تكفير الوضوء للخطايا.

3- ثواب المتوضيئن في الآخرة.

4-ثمرات الوضوء والصلاة.

5- تنبيهات في الوضوء.

6- المواطن التي يُشرع لها الوضوء.

7- خطر الإسراف في ماء الوضوء.

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي يسّر لنا الدين، وجعلنا خير أمة أُخرجت للعالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين.

 

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المرسلين، وقائد الغرِّ المحجّلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الغرِّ الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتهيَّؤوا للوقوف بين يدي الله، وتزوَّدوا من الأعمال الصالحة في حياتكم الدنيا، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزنوا؛ ولا يغرَّنكم طولُ الأمل؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل.

             

عباد الله.. دين الإسلام دين الطهارة والنقاء، والنظافة والصفاء، أمرَ بتطهير البواطن من الشرك والحقد والحسد والشحناء، وأمرَ بتطهير الظواهر بالوضوء والاغتسال بالماء؛ وضوءٌ يكفِّر الخطايا ويطهِّر الأعضاء.

 

 

إنه مَعْلَم من معالم يسر الدين، ونعمةٌ عظيمة من رب العالمين، قال تعالى في آخر آية الوضوء ( ... مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [المائدة:6].

 

إنه وضوء و وَضاءة، وحُسن وضِياء ونظافة، وجمال وبهاء ونزاهة، يطهِّر المتوضئ ظاهره كما طهَّر باطنه.

 

الوضوء أيها المؤمنون.. طاعة وعبادة؛ سبب لمحوِ الذنوب وكفَّارةٌ؛ رفعةٌ في الدرجات، وسببٌ لدخول الجنات، إنه حِرز من الشيطان، وسببٌ للنشاط ومُذْهِب للأدران؛ وفيه منافعُ كثيرة للقلوب والأبدان.

 

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " الطُهور شَطرُ الإيمان "

 

الله أكبر.. عبادةٌ ما أيسرَها، وقربةٌ ما أعظمَ بركتها وأثرَها.

 

 

أيها المتوضئون: تأمَّلوا قول نبيكم صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو قال مع آخر قطر الماء.

فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئةٍ كانت بطشتها يداه مع الماء، أو قال مع آخر قطر الماء.

فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئةٍ مشتها رجلاه مع الماء أو قال مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب "

 

فالحمد لله ثم الحمد لله.. إنها فضائلُ وأجور، ونظافة وطُهور، وسبب لنيل محبة الرب الشكور: (... إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [البقرة:222]

 

عملٌ يسيرٌ، وأجرٌ جزيل كبير.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره "

 

هنيئا لكم أيها المتوضئون ما بشركم به نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط، فذلكم الرباط ".

 

وإذا جاء يومُ القيامةِ، واختَلَطَتِ الأُمَمُ: امْتَازَتْ أُمَّةُ نبينا -صلى الله عليه وسلم- بعلامة ليست لغيرها؛ يعرفها بها نبيها.

 

قال -صلى الله عليه وسلم- ( وددت أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: أولسنا إخوانَك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد" فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعدُ من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خَيل غُرٌّ محجَّلةٌ، بين ظهري خيل دُهم بُهم، ألا يعرف خيله؟" قالوا بلى يا رسول الله! قال:

"فإنهم يأتون غُرّاً محجلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض".

 

الله أكبر !

الوضوء أيها المتوضئون.. سيماء المؤمنين، وشعار هذه الأمة من بين العالمين، فإنهم يُدعون يوم القيامة غرَّا محجلين!

 

فيا لَخسارةِ من لا يعرف الوضوء ولا الصلوات! ولا يشهد الجمع والجماعات!

 

عباد الله.. الوضوءُ بعد الحدث ، ثم الصلاة بهذا الوضوء، من أسباب المسابقة إلى الجنة.

 

 فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم خشخشةً أمامه، فقال: "من هذا؟" قالوا: بلال، فأخبره وقال: "بم سبقتني إلى الجنة؟" فقال: ما أحدثتُ إلا توضَّأت، ولا توضأت إلا رأيت أن لله عليَّ ركعتين أصليهما، قال -صلى الله عليه وسلم-: "بهما".

 

وفي الجنة (تبلغ الحِلية من المؤمن حيث يبلُغ الوضوء) كما أخبر به نبيكم صلى الله عليه وسلم.

 

عباد الله.. الصلاةُ مِفتاحُ الجنةِ، ومفتاح الصلاةِ الوضوءُ قال -صلى الله عليه وسلم-: " لا تُقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ "

 

يجب على المسلم أن يتم وُضوءه بلا إهمال أو وَسواس.

 

فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- من تعجَّل في الوضوء فبقي في عقِبِه شيءٌ لم يصله الماء فقال: " ويلٌ للأعقاب من النار.. أسبغوا الوضوء " .

 

وثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضَّأ وغسل أعضاءه مرة مرة، وتوضأ أخرى فغسلها مرتين مرتين، وتوضأ أخرى فغسلها ثلاثًا ثلاثًا، وقال: " هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم "

 

أيها المسلمون..

وإذا توضَّأ المؤمن، فقد أدَّى طهارة بدنه، فيختم وُضوءه بكلِمة التوحيد؛ ليؤكد طهارةَ قلبِه، فيقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" 

 

فإذا قال ذلك بعد وُضوئه: (فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيِّها شاء).

 

الله أكبر! مَن حَافَظَ على الوضوءِ تفتَّح له أبواب الجِنان، ويكون جديرا بوصف الإيمان.

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم "اسْتَقِيمُوا، وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"

 

عباد الله..

إن الوضوء مشروعٌ في مواطن كثيرة؛ فهو مشروعٌ عند النوم فـ(من بات طاهرًا بات في شعاره ملكٌ، فلا يستيقظ من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهرا )

 

ومشروعٌ عند الغضب لإخماد ثوران النفس وإطفاء حرارتها ودحْر الشيطان.

يُشرع عند الأكل لمن كان جنبًا، وكذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتى أحدُكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ".

 

اللهم فقّهنا في ديننا، وتقبل وُضوءَنا وصلاتَنا وسائر أعمالنا، اللهم اجعلنا من التوَّابين واجعلنا من المتطهِّرين.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الكريم المنان؛ جعل الطُهور شطر الإيمان، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

 

أما بعد -عباد الله- فإن الوضوء الذي يتكرر في كل يوم وليلة، يذكرنا بنعمة من الله عظيمة، هي نعمة الماء الطَهور؛ تلكم النعمة التي نسي كثير من الناس شكرَها، ولم يقدروا لها قدرها.

 

فاشكروا نعمة الله عليكم بتيسير الماء، ولا تقابلوا هذه النعمة بالإسراف.

 

فقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم من أيسر الناس صبَّاً لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمته من الإسراف فيه، وأخبر أنه يكون في أمته من يتعدَّى في الطُهور.

 

كان -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.

 

ولما قال رجل لجابر رضي الله عنه عن الغسل بالصاع: ما يكفيني، قال له جابر: "كان يكفي من هو أوفى منك شَعراً وخيرا منك"

 

وقال الإمام أحمد: "من فِقْه الرجل قلةُ ولوعه بالماء".

 وكان الإمام أحمد يتوضأ فلا يكاد يبُل الثرى.

 

وإذا كان يُنهى عن الإسراف و صَبِّ المياه في العبادات، ففي غيرها من باب أولى.

 

فاستدِيموا نعم الله بشكرها؛ فإنكم إن شكرتم النعم قرَّت وزادت؛ وإن كفرتم وأسرفتم ذهبتْ وبادت.

(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) [إبراهيم:7]

 

وبعد فاتقوا الله عباد الله؛ وأحسِنوا الوضوء كما أمركم الله؛ وتفقهوا في الدين، وتعوَّذوا بالله من وَسواس الشياطين، ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين.

 

 

ثم صلوا وسلموا عباد الله، على عبد الله ورسوله ومصطفاه، صلوا وسلموا على من كان أعلم الخلق بالله؛ الذي لم يترك شيئا من الخير إلا دل عليه، ولا شيئا من الشر إلا نهى عنه، وحذَّر من كل سبيل يؤدي إليه.

فصلوات الله وسلامه عليه.

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك.

 

اللهم انصر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم وفِّق عبدك خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لهُداك، واجعل عملَهما في رِضاك.

 

نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، برحمتِك يا أرحم الراحمين.

 

 

المرفقات

1617511174_خطبة فضائل الوضوء 1442.docx

1617511174_خطبة فضائل الوضوء 1442.pdf

المشاهدات 1066 | التعليقات 0