فضائل القرآن الكريم القرآن والإيمان // كاتب المقال: العلامة عبد الله المراغي

احمد ابوبكر
1437/01/20 - 2015/11/02 09:11AM
[align=justify]يقول الله تعالى في افتتاح سورة البقرة: [ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ(5) ] {البقرة}.

بهذه الآيات الكريمة ابتدأ اللهُ تعالى سورةَ البقرة، فذكر أنَّ أول صفات المتقين الإيمان: بالأمور المغيَّبة، كالوحي والملائكة، وسؤال القبر وعذابه، والبعث والحشر، والصراط والميزان، والجنة والنار. وبعد أن ذكر أنَّ من صفاتهم إقامةَ الصلاة والإنفاقَ مما رزقهم الله، ذكر من صفاتهم أيضاً الإيمانَ بما أُنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، وما أُنزل على إخوانه النبيين والمرسلين من كتب وآيات بينات، وخصَّ بالذكر اليقين بالآخرة بعد ذلك الإيمان بالمغيبات؛ لأنَّ الإيمان باليوم الآخر وما فيه أقوى دعائم خشيةِ الله ورهبته، والخوف من جلاله وعظمته، ثم قفَّى على ذلك بذكر إيمان المنافقين وعلاماتهم وضرب لهم الأمثال ليميز بين الإيمان السليم والإيمان الزائف. وهكذا نجد القرآن الكريم في جميع سوره يدعو إلى الإيمان إما تصريحاً وإما تلميحاً ليمكِّنَ له في القلوب، ويثبِّته في النفوس.

والإيمان: عقيدة تعمر القلب، وتغمر الجوانح، فتثمر الطاعة والفضائل وحسن المعاملة، فليس الإيمان كلمة تجري على اللسان أو يدَّعيها الإنسان، بل هو عقيدة راسخة، وأخلاق فاضلة، وأعمال صالحة، هذه حقيقة تكشف عنها آيات القرآن الكريم التي استفاضت بذكر علامات الإيمان ودلائله. فقد بيَّن الله في سورة الأنفال من علامات المؤمنين أنهم إذا ذُكر الله خَافت قلوبُهم و اقشعرَّت جلودُهم إكباراً لجلالته وخشيةً من عظمته، وأنَّهم إذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً على إيمانهم، وأنَّهم يتوكلون عليه في سائر شؤونهم وأحوالهم وأعمالهم، يوقنون أنَّه لا يأتي بالخير إلا هو، ولا يدفع الشر إلا هو: [وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {يونس:107}.

لا يرون الناس إلا أسباباً سخرها الله ليكونوا مفاتيحَ للخير مَغاليق للشر، فهذه ثلاثُ خصال إذا تمكَّنت من قلب المؤمن كانت حافزةً له إلى كل خير، حاجزةً له عن كل شر، وهي أمور باطنية مقرُّها القلب، ومُستودعها الفؤاد. وذكر من العلاماتِ الظاهرة إقامةَ الصلاة والإنفاقَ مما آتاهم الله، ثم أخبرَ جلَّ شأنُه بأنَّ هؤلاء هم المؤمنون حقاً، وبيَّن أنَّ جزاءهم في الآخرة الدرجات العُلى، والغفران والرضوان، والنعيم المقيم، والرزق الكريم، ذللك قول الله تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ] {الأنفال:4}.

وبيَّن جلَّ شأنه في سورة التورة أنَّه اشترى من المؤمنين المجاهدين في سبيل الله أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة، ووصفهم بأنَّهم التائبون من ذنوبهم، العابدون لربهم، الحامدون لنعمائه، السائحون في الأرض طلباً لعلم نافع أو ابتغاء عمل صالح، الراكعون الساجدون في صلاتهم، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر نصرة لدينهم، الحافظون لحدود ربهم، ذلك قول الله تعالى: [إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآَمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ] {التوبة:112}.

فقد بيَّن الله في سورة: (المؤمنون) أوصاف هؤلاء المؤمنين فوصفهم سبحانه بأنَّهم في صلاتهم خاشعون، وعليها يحافظون، ويُعرضون عن لغو الكلام ولهو الحديث، ويؤدُّون زكاةَ أموالهم مخلصين، ويحافظون على عِفَّتهم، ويراعون الأمانات، ويوفون بالعهود، قال الله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ(7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ(9) أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ(10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11) ] {المؤمنون}.

وبيَّن الله تعالى في سورة النور أنَّ من علامات الإيمان عدم الخروج على الجماعة؛ فإنَّ الخروج عليها إضعاف للأمة، وتفريق لكلمتها، وتشتيت لشملها، وتمكين لعدوها وتقوية لخصومها، قال تعالى: [إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {النور:62}.

وإذا كان بعضُ الناس يدَّعون الإيمان بأفواههم دونَ أن يكون لهم على ذلك دليل من أعمالهم فذلك ما يُنكره الدين، ومما نعاه القرآن على المنافقين وأشياعهم، وفيهم يقول الله عزَّ شأنه: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ] {المائدة:41}.

فالإيمان نور، والعصيان ظلمة، ومحال أن يجتمع إيمان وعصيان، كما لا يجتمع نور وظلمة، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

وصدق الله إذ يقول: [وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] {الحجرات:8}.

ولو أننا تتبعنا ما في القرآن الكريم من الآيات التي عرضت للإيمان والمؤمنين وصفاتهم ما اتسع المقال. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

المصدر : (مجلة كنوز الفرقان)، (العدد الخامس)، من (جمادى الأولى 1368هـ ) السنة الأولى. [/align]
المشاهدات 667 | التعليقات 0