(فصل الشتاء) خطب مختارة
الفريق العلمي
الحمد لله الذي يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، والصلاة والسلام على من جعل لكل زمان ما يناسبه من العبادات، ووظف العباد بأعمال تناسب أحوالهم وطاقاتهم، من الأزمنة والأمكنة والقوة والضعف؛ فلم يكلف أمته بما يتنافى مع قدراتها وإمكانياتها، -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً-، أما بعد:
أيها المسلمون: إن لله -تعالى- في دوران الزمان، وتقلب أحواله؛ أسراراً عميقةً وحِكَمَاً بالغةً، مما قد يغيب علينا ويظهر بعضها لأهل العلم من الحِكَمِ والأسرار، ما يلي:
أن الله جعلها مهيأة للعباد في كل فصل من فصول العام؛ بما يميزه عن غيره من الفصول فرص من العبادات التي قد لا تتهيأ له في غيره من الفصول، وقد يبتلي في بعضها بأمور وأحكام ليظهر صدق عبوديته، وكمال تسليمه لربه من سوى ذلك، ولنأخذ فصل الشتاء مثالاً؛ فقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بعض ما فيه من الحكم، وقرر ما يتعلق به من أحكام وآداب، وكذلك السلف -رحمهم الله ورضي عنهم- قد ظهر لهم بعض ذلك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيناً بعض حكم فصل الشتاء من حيث طول ليله، وقصر نهاره: “الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة”، وقال عمر -رضي الله عنه-: “الشتاء غنيمة العابدين”، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: “مرحباً بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، والنهار للصيام.
ومما يظهر من الحِكَمِ؛ أنه لما كان بردُ الشتاء شديداً وقارساً، له وقع على الأجساد؛ رغب النبي -صلى الله عليه وسلم- في إسباغ الوضوء؛ مما قد يجعل بعض الناس يتساهلون في الإسباغ؛ لذلك ذكَّر النبي الكريم بفضله في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “وإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال يا محمد!! قلت: لبيك وسعديك؛ فقال: إذا صليت قل: “اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة؛ فاقبضني إليك غير مفتون”، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام”.
ومن الحكم -كذلك- أنه رخص عند شدة البرد في التيمم؛ بدلاً من الوضوء أو الغسل، وقد فعل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- هذه الرخصة عندما كان في سرية في ليلة باردة في الخلاء؛ فغسل ما يمكن غسله، ثم تيمم للباقي، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم-.
كما أن من الحكم رفع الحرج على الناس، قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة: 6]، بل إن من قواعد الإسلام العظيمة؛ أن الأمر إذا ضاق اتسع وأن المشقة تجلب التيسير وأن الله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، كما أكد ذلك قوله -سبحانه- في كتابه العزيز: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286].
ومن الحكم كذلك؛ أن الله -تعالى- أوجب لمن حرص على الدقة في امتثال أوامره والقيام بفرائضه؛ عظيم الأجر ومغفرة الوزر، ويدل على ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: “ألا أدلُّكم على ما يمْحو الله به الخطايا، ويرْفع به الدَّرجات؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: “إسباغ الوضوء على المكاره، وكثْرة الخُطى إلى المساجِد، وانتِظار الصَّلاة بعد الصَّلاة، فذلكم الرِّباط” (رواه مسلم).
أيها المؤمنون: تلك حِكَمُ الإسلام وأسراره في فصل الشتاء، أما الأحكام المتعلقة به؛ فمنها:
وجوب إسباغ الوضوء، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من التساهل في ذلك فقال: “ويل للأعقاب من النار، وحث على اسباغ الوضوء لأجل الاهتمام بإيصال الماء إلى جميع الأطراف الواجب غسلها”.
كما أنه يجب إسالة الماء على الأعضاء في الوضوء؛ كما هو ظاهر في قول الله -تعالى-: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة:6]؛ فينبغي أن نعتني بغسل الأعضاء كما أمر الله ويكفي فيها كما قلنا إسالة الماء على العضو من غير تكلف.
ومن أحكام الشتاء كذلك: جواز التيمم للصلاة من الحدث الأصغر والأكبر لمن عجز عن استخدام الماء، وقد جاء في حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: “لما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام ذات السلاسل، قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك؛ فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذ كرت ذلك له فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال قلت: نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك وذكرت قول الله -عز وجل-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]؛ فتيممت ثم صليت؛ فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل شيئا” (صححه الألباني).
ومن أحكام الشتاء -أيضا-: جواز تجفيف الأعضاء بعد الوضوء؛ فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-، “أنه كان له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء” (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
أيها المسلمون: وكما أن الله تعالى الكريم الرؤوف قد حث على وجوب فعل الطاعات في فصل الشتاء على الوجه الأكمل؛ تفضلاً عليهم بما يحمي أجسادهم ويقيهم تبعات البرد؛ ولعلنا نقف مع بعضها في ختام هذه المقدمة؛ فمن ذلك:
ما تفضل به عليهم من البهائم والأنعام التي تذهب عن وطئة الشتاء، قال -سبحانه-: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل: 5].
وكذلك ما جعل الله لعباده من الألبسة والأمتعة التي تحميهم من ذلك، قال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل: 81].
ويُذكر عن عمر -رضي الله عنه- “أنه كان يتعاهد رعيته إذا حضر الشتاء، ويكتب لهم قائلا: إنّ الشتاء قد حضر، وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا ودثارًا؛ فإنّ البرد عدو سريعٌ دخوله، بعيدٌ خروجه”.
خطيبنا الكريم هذه مقدمة يسيرة وضعناها بين يديك وبرفقتها مجموعة من الخطب المختارة في أحكام الشتاء وما فيه من حكم وأسرار، علك تستفيد منها في مواضيع خطبك لمستمعيك.
رقم الخطبة |
عنوان الخطبة |
اسم الخطيب |
الخطبة الأولى |
زمهرير الشتاء..حِكَمٌ وأحكام |
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل |
الخطبة الثانية |
أحكام الشتاء والمسح على الخفين |
الشيخ محمد بن مبارك الشرافي |
الخطبة الثالثة |
الوفاء بذكر أحكام الشتاء |
الشيخ خالد بن علي أبا الخيل |
الخطبة الرابعة |
الشتاء البارد |
الشيخ د. ناصر بن محمد الأحمد |
الخطبة الخامسة |
الشتاء حكم وأحكام |
الشيخ خالد القرعاوي |
الخطبة السادسة |
فصل الشتاء: آيات وأحكام |
الشيخ أ.د. عبد الله بن محمد الطيار |
الخطبة السابعة |
مع دخول الشتاء |
الشيخ محمد بن سليمان المهنا |
الخطبة الثامنة |
أحكام الشتاء |
الشيخ د. صالح الدويلة |
الخطبة التاسعة |
وجاء الشتاء |
الشيخ أحمد حسين الفقيهي |
الخطبة العاشرة |
وكم في الشتاء من عبر وعظات |
الشيخ خالد بن سعد الخشلان |
الخطبة الحادية عشر |
الشتاء أحكام وآداب (1) |
الشيخ : محمد بن إبراهيم النعيم |