فتنة النساء

د. ماجد بلال
1443/02/16 - 2021/09/23 14:22PM

 خطبة فتنة النساء .. مستفادة من خطبة منصور الصقعوب

ماجد بلال -جامع الرحمن /تبوك 17/ 2/ 1443هـ

الخطبة الأولى:

أيها المؤمنون حذرنا الله من فتنة النساء في كتابه الكريم، وحتى لا ينغر إنسان بقوة إيمانه وعقله وحكمته، ويظن أنه معصوم من هذه الفتنة، حكى الله لنا ما حصل مع نبي الله يوسف عليه السلام، وأنه لولا تثبيت الله له وعصمته إياه، وحفظه له، على ما سبق منه من طاعة وإحسان، ولولا لطف الله به، لكان من الهالكين.

قال الله تعالى في أحسن القصص: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)  فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)} [يوسف:23 - 34]

فمن يأمن على نفسه بعد يوسف عليه السلام؟

 

فتنة النساء، فتنة خافها الأنبياء، وخافها السلف فهربوا منها، وخافها الصالحون فتحصنوا منها. إنها فتنةُ بني إسرائيل ومَن بَعدَ بني إسرائيل، بل هي من أشدِّ الفتن التي خافها e ، قال e: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".  أبو سعيد الخدري : مسلم 2742  

 

هذه الفتنة وجهُ خطورتِها أنها يتعاضدُ فيها الشيطانُ وأعوانُه من بني الإنسان، وقد قال ابن مسعود: "النِّساءُ حَبَائِلُ الشَّيطانِ"، أي مصيدة الشيطان للإنسان.

عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى لله عليه وسلم- قال: "إِنَّ المَرأَةَ تُقبِلُ في صُورَةِ شَيطَانٍ، وَتُدبِرُ في صُورَةِ شَيطَان"،  رواه مسلم 1403 

وعن عبد الله بن عمر أن e قال: "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان" صححه الألباني في صحيح الترغيب344

 

أي زيّنها في نظر الرجال، فترى المرأةَ إذا خرجت إلى الطريق تمشي ارتفعت إليها أبصار الرجال، وأوقع إبليسُ في نفوسهم حسنَها، والفكرَ في محاسنها.

 

كل هذا؛ مع ضعف الإنسان إذ خلقه الله ضعيفاً كما في محكم التبيان، وقد قَالَ طَاوُوسُ بنُ كيسَانَ فِي تَفسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: "أي: ضَعِيفَاً‏ في أمرِ النِّسَاءِ، لَيسَ يَكُونُ الإنسَانُ فِي شَيءٍ أضعفَ مِنهُ فِي النِّسَاءِ"،

 

وقال سفيان الثوري في تفسيرها: "المَرأةُ تَمُرُّ بِالرَّجُلِ فَلا يَملِكُ نَفسَهُ عَنِ النَّظَرِ إليهَا، وَلا يَنتَفِعُ بِهَا، فَأيُّ شَيءٍ أضعَفُ مِنْ هَذَا؟".

يقول e: (وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ –حازم- مِنْكُنَّ) عبدالله بن عمر المصدر : صحيح مسلم 79

هذا ذو اللب الحازم، فكيف بضعيف الدين والايمان؟!

لأجل كلِّ هذا -أيها المؤمنون- حَذِرَ السلف من هذه الفتنة، وحذّروا ونؤوا بأنفسهم عنها تباعدوا، فسعيد بن المسيب قال: "ما يئس الشيطان من ابن آدم قط إلا أتاه من قبل النساء".

 

ثم قال -وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه ويعشو بالأخرى- "وما شيء عندي أخوف من النساء".

 

وميمون بن مهران قال: "لأنْ أوتمنَ على بيت مالٍ أحب إلي من أن أوتمن على امرأة".

ويوسف بن أسباط قال: "لو ائتمنني رجلٌ على بيت مال لظننت أن أؤدي إليه الأمانة ولو ائتمنني على زنجية أن أخلو معها ساعة واحدة ما ائتمنت نفسي عليها".

 

بل قالوا -وهم أهل النقاء والعفة-: "لا تخلون مع امرأة ولو كنت تعلمها القرآن". وهكذا في كلمات عديدة تنبيك كيف خاف القوم من هذه الفتنة.

 

وإذا كان هذا كله يذكر في زمان مضى، كيف لو عاش أحدهم في زماننا هذا، فماذا يقول؟!

 

قال حَسَّانَ بنِ عَطِيَّةَ رحمه الله تعالى: "مَا أُتِيَت أُمَّةٌ قَطُّ إلا مِن قِبَلِ نِسَائِهِم".

ولهذا كله حذرنا الصادق المصدوق الرحمة المهداة والنعمة المسداة الذي كان بالمؤمنين رحيما وحكى الله عنه فقال {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }، حذرنا بأبي هو وأمي من هذه الفتنة العظيمة فقال:  "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما")

وقال: "إياكم والدخول على النساء"؟ فقال رجلٌ: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت"،

 

بل حتى في المشي في الطرقات قال لهن: "استأخرن -أي عند المشي -، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق".

بل وجعل باباً للنساء مستقلاً، برغم صغر مسجده، وقال صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء"، فما دخل منه الصحابة بعد ذلك، وحتى وصفُ النساءِ للنساءِ عند الرجال نهى عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها".

 

فيا سبحان الله، أنحن أتقى أم رسول الله الذي حذّر من الخلوة بالنساء؟ أنحن أدينُ أم جيلُ الصحابة الذين أُمِروا بالتأخر عن الخروج من المسجد حتى تتفرق النساء؟ أنحن أطهرُ أم ذلكم الجيل الذين قال لهم الله: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53].

 

قالت عائشة في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تقول: ( وَلَا وَاللَّهِ ما مَسَّتْ يَدُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غيرَ أنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بالكَلَامِ(

أخرجه البخاري (5288)، ومسلم (1866).

 

عبد الله،  غضّ البصرِ سلاحٌ ناجعٌ أمام هذه الفتنة، وصيةَ سيّدِ الثقلين -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُتبِعِ النظرةَ النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".

 

 

معشر الكرام: واليوم وقد تعددت ناقلات الصورة، وصارت الصورةُ الآثمة أقربَ إلى المرء من شراك نعله، في جهازه وعبر برامجه التواصلية، وصارت الصور المنكرة في متناول الصغير والكبير والابن والبنت، بل وصرنا نرى كهولاً بُلوا بمثل هذه الأمور، ولربما بُليتَ وأنت عفيف بمن تتعرض لك عبر الاتصال والمراسلة والمحادثة، في ظل كل هذا مهمٌ أيُما مهمٍ أن نستذكر أن رؤية الله لنا أسرعَ من نظرنا ومقارفتنا للأمر المحرم، أينما كنت، في بيتٍ أو سيارة، في ليلٍ أو نهار، بَعُدْتَ أو قرُبت يراك ربك، وأنت ترى ما ينهى عنه، فأين تذهب من رقابة الرقيب؟

{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94} [المائدة: 94]

ومع هذا فغض البصر ليس للرجل فحسب، بل للمرأة نصيبها كذلك، فالذي قال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النور: 30]،

هو نفسه سبحانه الذي قال:

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن} [النور: 31]

ورسالة إلى من امتلأ جوالها بمتابعات الرجال

عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: فبينا نحن عند رسول الله e أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه، فقال رسول الله e: «احْتَجِبَا مِنْهُ» فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال رسول الله e: «أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟! أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟!». قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. رواه أبو داود (4112) والترمذي (2778).

 

 

ورحم الله ابن عبد البر حين نقل عن بعض مشيخة العرب قوله: "لأن ينظر إلى موليتي ألف رجل أهون علي من أن تنظر هي إلى رجل واحد".

 

 

أقول ما سمعتم وأستغفر الله.

 

 

 


الخطبة الثانية:

قال ابن القيم: "ولما اختلط البغايا بعسكر موسى -أي بعد موته- وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون، فمات في يومٍ واحدٍ سبعون ألفاً"، ثم قال: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة".

 

فيا أيها الموفق: فرّ من الخلوة بالمرأة، ومن الاختلاط والقرب منها فراراك من الأسد وأشد، إذا أردت سلامة دينك، وديمومة عفتك، واستمرار نقاءك،

وأكثر من دعاء الله وسؤاله بأن يعصمك من مضلات الفتن ، وادع بدعاء يوسف عليه السلام: ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)

 وخذ بسياج الشرع الحامي من فتنة النساء، فإنّ الذي جعل النساء فتنة جعل لك ما يحفظك من هذه الفتنة، والدنيا قصيرة، فصبِّر نفسكَ عن شهواتها المحرمة، وادّخرها لنعيم الجنة، فكل الناس فُطِروا على الميل للنساء، لكن النبلاءَ فقط هم من ألجموها، وجعلوا ذلك فيما أباح الله لهم، ولئن كان قد وطيء على الأرض أقوامٌ متّعوا أنفسهم بالشهوات الآثمة، وأقوامٌ عفّوا عن ذلك، وهم اليوم جميعاً تحت الأرض، ذهبت اللذات، وانقضت مشقة التصبر عنن المحرمات والشهوات.

وتذكر قول النبي e : (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وذكر منهم ....  وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، قالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ).

البُخاري 6806
اللهم طهر قلوبنا، واعصمنا من مضلات الفتن.

صلوا وسلموا .....

المرفقات

1632406907_خطبة فتنة النساء.doc

1632406929_خطبة فتنة النساء.pdf

المشاهدات 937 | التعليقات 0