فتنة المحيا والممات
منديل الفقيه
الخطبة الأولى
عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاَةِ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ » البخاري ومسلم وعن أبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ »مسلم. لقد دل الحديثان على مشروعية الاستعاذة بالله من هذه الشرور الأربعة جاء مرة بصيغة الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في صلاته بهذا الدعاء ومرة بصيغة الأمر بهذا الدعاء بعد التشهد الأخير ، وذكر النبي في الحديثين فتنة المحيا والممات والاستعاذة بالله من شرهما ، والمراد فتنة المحيا هي ما يتعرض له العبد في حياته من الفتن من الفتن المتنوعة من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها أمر الخاتمة عند الموت ، وأما فتنة الموت فيجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت وأضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بفتنة الممات فتنة القبر فعن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال « أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ » البخاري ومسلم . وقيل المراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر عليه وفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة .
أيها المسلمون : من خلال ما تقدم يتبين لنا أن الفتنة تكمن في صورتين خطيرتين الصورة الأولى الفتنة التي تحصل للميت ساعة الاحتضار وما يحصل حينها من هول المطلع وتسلط الشيطان على العبد لأنها فرصته الأخيرة فقد يحول بين العبد وبين التوبة وقد يثير الوساوس والشكوك والتسخط وغير ذلك مما يكون له أثر في سوء الخاتمة عياذا بالله منها ولكن الله تعالى يثبت الذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة . ولقد كان خوف سلفنا من ساعة الاحتضار وما فيها من تقلب القلوب والأبصار مع إيمانهم وحرصهم على الطاعة خوفا شديدا وكانوا يشفقون من سوء الخاتمة ويحرصون على التلفظ بكلمة التوحيد وتلقينها للموتى وتلقينها للموتى عند الاحتضار لأنها من علامات حسن الخاتمة فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » مسلم . وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ التَّرَدِّي وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْغَمِّ وَالْغَرَقِ وَالْحَرَقِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ » المسند وسنن أبي داود وصححه الألباني. لما حضرت الإمام أحمد بن حنبل الوفاة فكان يغرق ويقول لا بعد لا بعد لا بعد بيده فقال له ابنه عبدالله يا أبت إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت فقال لي يا بني ما تدري فقلت لا فقال إبليس لعنه الله قام بحذائي عاضا على أنامله يقول يا أحمد فتني وأنا أقول لا بعد حتى أموت " ومن هول المطلع عند الموت ما يحصل للعبد المحتضر من حسرة عظيمة عند تذكره لذنوبه وزلاته مما أسلف في حياته وهولا يدري ما الله فاعل بها ، ومن هول المطلع عند الموت ما يحصل للعبد المحتضر من شدة وكرب وهو يعاني سكرات الموت ويكفي في تصوير شدة الموت وكرباته ما حصل لأفضل الخلق حيث كان يقول عندما يشتد عليه الكرب « لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ » الطبراني تقولُ عائشة رضي الله عنها « فَلا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا، بَعْدَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ قَدَحٌ فِيهِ مَاءٌ، يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْقَدَحِ، ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ:اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَاتِ الْمَوْتِ » ومن هول المطلع عند الموت ما يحصل للعبد المحتضر من رؤية ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب ورؤية المقعد من الجنة أو النار وانتظار ذلك المشهد الفظيع فهو لا يدري أتشهده ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ وهل يرى مقعده من الجنة أم من النار ؟ هل هو ممن عناه المولى بقوله (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )) أم هو ممن عناه المولى بقوله ((وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ*وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ )) وحقيق بعبد لا يعلم عن هذا المصير شيئا أن يقلق أشد القلق ويخاف أعظم الخوف من هذه الخاتمة لَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، جَزِعَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُجْزِعُكَ، أَلَمْ تَكُنْ عَلَى سَمْتٍ مِنَ الإِسْلامِ حَسَنٍ؟! قَالَ: وَمَا لِي لَا أَجْزَعُ؟ وَلَسْتُ أَدْرِي عَلَى مَا أَقْدَمُ عَلَيْهِ ، مَعَ أَنَّ أَرْجَى عَمَلِي عِنْدِي حَدِيثٌ حَدَّثَتْنِي بِهِ أُمُّ حَبِيبَةَ، أَنَّهَا سَمِعْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ » .
أيها المسلمون : اعلموا أن لسوء الخاتمة أعاذنا الله جميعا منها أسبابا وطرقا وأبوابا أعظمها الانكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى والجرأة والإقدام على معاصي الله فلربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه وسبى عقله وأطفأ نوره وأرسل عليه حجبه فلم تنفع فيه تذكرة ولا نجحت فيه موعظة فجاءه الموت وهو على تلك الحال فسمع النداء من بعيد ولا علم ما أراد وإن كرر الداعي عليه وأعاد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له أكل هذا خوفا من الذنوب فأخذ تبنة من الأرض وقال الذنوب أهون من هذه وإنما أبكى خوفا من الخاتمة " وهذا من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنة لما حضرت أبا الدَّرْدَاءِ الوفاة أغمي عليه فَأَفَاقَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِمِثْلِ مَضْجَعِي هَذَا؟ مَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ سَاعَتِي هَذِهِ؟ وقرأ (( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )) ولَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهَا حَتَّى قُبِضَ " لما حضرت سلمان الفارسي الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أما والله ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الرجعة ولكن إنما أبكي لأمر عهده إلينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أخشى أن لا نكون حفظنا وصية نبينا، صلى الله عليه وسلم، إنه قال لنا: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب . ومُعَاذ بن جَبَلٍ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بَكَى، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ، وَلا عَلَى دُنْيَا أُخَلِّفُهَا بَعْدِي، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:"إِنَّمَا هِيَ قَبْضَتَانِ، فَقَبْضَةٌ فِي النَّارِ، وَقَبْضَةٌ فِي الْجَنَّةِ، فَلا أَدْرِي مِنْ أَيِّ الْقَبْضَتَيْنِ أَكُونُ ؟" وَمَرِضَ عامر بن عبد قيس فَبَكَى فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ وَقَدْ كُنْتَ وَقَدْ كُنْتَ فَيَقُولُ: مَا لِيَ لَا أَبْكِي وَمَنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي وَاللهِ مَا أَبْكِي حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَلَا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ وَلَكِنْ لِبُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي وَإِنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ وَهُبُوطٍ، جُنَّةٌ أَوْ نَارٌ فَلَا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا أَصِيرُ " وقال المزني: " دخلتُ على الشافعي في عِلَّته التِي مات فيها ، فقلتُ: كيف أصبحتَ؟ فقال: أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولسوء الأعمال ملاقيًا، وعلى الله واردً، فلا أدري: أروحي تصير إلى الجنة فأحيِّها؟! أم إلى النار فأُعَزِّيها؟! ". ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب وحماد بن سلمة فقال له حماد : يا أبا عبدالله أليس قد أمنت مما كنت تخافه وتقدم على من ترجوه وهو أرحم الراحمين فقال : يا أبا سلمه أتطمع لمثلي أن ينجو من النار قال : إي والله إني لأرجو لك ذلك .
أيها المسلمون : لماذا خاف سلفنا من سوء الخاتمة ؟ خافوا من سوء الخاتمة لأنهم أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، خافوا من سوء الخاتمة لأن العبرة بالخواتيم عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا » البخاري. خافوا من سوء الخاتمة لأنهم يعلمون أن العبد عند موته يأتيه شيطانان في صورة أبيه وأمه ليموت يهوديا أو نصرانيا والمثبت من ثبته الله خافوا من سوء الخاتمة لكثرة تقلب القلوب فكم سمعنا عمن آمن ثم كفر وكم رأينا من استقام ثم انحرف ولذا كان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فقَالَتْ لَهُ أم يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ دُعَاءَكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا شَاءَ أَقَامَ وَمَا شَاءَ أَزَاغَ » خافوا من سوء الخاتمة خشية أن يمكر بهم قال ابن القيم " وأما خوف أوليائه من مكره فحق, فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم وخطاياهم فيصيرون إلى الشقاء, فخوفهم من ذنوبه . والذي يخافه العارفون بالله من مكره أن يؤخر عنهم عذاب الأفعال فيحصل منهم نوع اغترار, فيأنسوا بالذنوب , فيجيئهم العذاب على غرّة وفترة . وأمر آخر: وهو أن يغفلوا عنه وينسوا ذكره فيتخلى عنهم إذا تخلوا عن ذكره وطاعته, فيسرع إليهم البلاء والفتنة فيكون مكره بهم تخليه عنهم وأمر آخر: أن يعلم من ذنوبهم وعيوبهم ما لا يعلمونه من نفوسهم, فيأتيهم المكر من حيث لا يشعرون وأمر آخر: أن يمتحنهم ويبتليهم بما لا صبر لهم عليه, فيفتنون به, وذلك مكر.
أيها المسلمون : إذا كان هذا هو خوف الصالحين فنحن أولى بالخوف منهم وكننا أمنا من سوء الخاتمة لغلبة جهلنا وقسوة قلوبنا وذلك أن القلب الصافي تحركه أدنى مخافة والقلب القاسي لا تنفع فيه المواعظ وصدق من قال
والقلب إن مات لم تنفعه موعظة= كالأرض إن أجدبت لم ينفع المطر
أيها المسلمون : اعلموا أن سوء الخاتمة أعاذنا الله تعالى منها لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد وإنما تكون لمن فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم فربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطلم قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله سوء الخاتمة يكون لمن انطوى قلبه على مرض شبهة أو شهوة تمكنت منه ولم يقلع عنها فحري بالعبد ما دام في زمن المهلة والتوبة أن يفتش في باطنه وظاهره ويصلحهما قبل أن يحال بينه وبين ما يشتهي فتكون النهاية البائسة عياذا بالله من سخطه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ))
الخاتمة وفتنة المحيا والممات
الخطبة الثانية
أما بعد : إن فتنة الممات تكمن في صورتين الأولى الفتنة التي تحصل ساعة الاحتضار وقد تحدثت عنها في الخطبة الأولى وأما الصورة الثانية فهي ما يحصل للميت بعد دفنه في قبره من فتنة الملكين وسؤالهم للميت عن ربه ودينه ونبيه ولا ينجو من هذه الفتنة إلا من ثبته الله وألهمه رشده في الدنيا ووفقه للإجابة المقبولة فتحصل له النجاة منها والتي يعقبها النجاة من عذاب القبر وشدته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم « فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا عِلْمُك فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ قَالَ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي » وتمر عليه فترة البرزخ كصلاة ظهر أو كصلاة عصر جعلنا الله ممن يثبت عند السؤال ويلقن الجواب وأما من احتار في جوابه وغاب عنه صوابه لسوء عمله في الدنيا فتحصل له هذه الفتنة العظيمة والتي يعقبها غضب وسخط الرب وعذاب القبر والذي قال عنه صلى الله عليه وسلم « فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُواََََ لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُك الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ ََََ» لأنه يعلم أن ما بعد القبر أشد منه .
أيها المسلمون : اعلموا أن النجاة من فتنة القبر والنطق بالجواب الصحيح لا يكون إلا لمن قالها في حياته عالما بمعناها منقادا لمقتضاها عاملا بها في حياته وإلا فما قيمة أن يقول العبد في حياته رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ثم لا يحقق مدلول هذه الكلمات في مواقفه وأعماله أو يأتي بما يناقضها من ترك للصلاة وتضييع لحدود الله وانتهاك لحرماته والصد عن سبيله ، إن من كان كذلك لا يسدد ولا يثبت في قبره ولا يوفق للجواب الصحيح حاله كحال المنافقين الذين قالوها في حياتهم وخالفوها بسلوكهم وأفعالهم فضاعت عليهم الإجابة ولم يوفقوا لها وإنما يكون جوابهم هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ، إنَّ من كان حاله كذلك لا يوفق للإجابة على أسئلة هذا الامتحان المكشوفة ولو كان من أحفظ الناس لها في الدنيا لأن العبرة في النجاة من هذه الفتنة عند سؤال الملكين في القبر إنما تكون بما وقر في القلب من معنى هذه الأصول الثلاثة محبة وإخلاصا وخضوعا وانقيادا وتصديقا وقبولا وإذعانا وعملا .
المشاهدات 6369 | التعليقات 3
حقًّا ما أجَلَّ الموقف أستاذ منديل ! ، رزقنا اللهُ وإيّاكم و إخوانَنا جميعا في الملتقى الثبات في الأمر والعزيمةَ على الرُّشد وحُسن الخاتمة ، وجعلنا ممّن كتب لهم البشرى و الابتسامةَ عند الموت . آآآآآآآآآآمين يااااااااااااااارب : ففي الصحيحة ( 3228 ) عن النبي[FONT="] صلى الله عليه وسلم قال :" يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد.." ، وعن أنس بن مالك قال : كان رسول الله[FONT="] صلى الله عليه وسلم[/FONT] يقول:" يا ولي الإسلام وأهله ثبتني حتى ألقاك [/FONT][FONT="]" ( الصحيحة : 1823 ) . [FONT="][/FONT][/FONT]
مرحبا بالأستاذ رشيد وأؤمن على دعائك آمين وشكرا لمرورك
منديل الفقيه
شكر الله للشيخ سمير مروره وإعجابه وزاده الله هدى وتوفيقا
تعديل التعليق