فتح دمشق (رمضان 1433 هـ)

هلال الهاجري
1433/09/07 - 2012/07/26 10:04AM
الحمدُ لله وحدَه أنجزَ وعدَه ونصرَ عبده وهزمَ الأحزابَ وحدَه وأشهدُ ألا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأشهَدُ أنَّ محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ صلَّى اللهُ وسلَّم عليه وعلى آلهِ وصحبِه والتَّابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ .. أما بعد:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

في شهرِ رمضانَ من السنة الثانيةِ للهجرةِ في يومِ الفرقانِ بعدَ غزوةِ بدرٍ الكبرى وقف النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ وَهُوَ يُنَادِي: (يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا!، قَالَ : (مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا).

سبحانَ اللهِ .. هؤلاء هم الذين وضعوا سَلا الجَزُورِ بَيْنَ كَتِفَيْ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ساجدٌ يصلي عندَ البيتِ فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ يقول ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ تعالى عنه: وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوادَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ).

وفي شهرِ رمضانَ من السنة الثامنةِ للهجرةِ يومَ فتحِ مكةَ .. يومَ الفتحِ الأعظمِ وقف عليه الصلاةُ والسلامُ وهو ممسكٌ بعضادتي بابِ الكعبةِ وقريشٌ تحتَه فقال لهم: ما ترونَ أني فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيراً أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ، فقالَ لهم: أقولُ لكم كما قالَ يوسفُ لإخوتِه: (لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).

اللهُ أكبر .. هؤلاء هم الذين أخرجوه منها قبلَ سنواتٍ فقالَ وهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوُرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: (إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ, وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ).

وفي شهرِ رمضانَ من السنةِ السادسةِ عشرَ للهجرةِ أجابَ ربعيُ بنُ عامرٍ رضي اللهُ عنه على رستمَ قائدِ الفرسِ لما سأله:ما جاءَ بكم؟ فقال: اللهُ ابتعثنَا لنخرجَ من شاءَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ اللهِ، ومن ضِيقِ الدنيا إلى سعَتِها، ومن جَوْرِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلامِ، فأرسلَنا بدينِه إلى خلقِه لندعوهم إليه؛ فمن قبلَ ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضيَ إلى موعودِ اللهِ، قال: وما موعودُ اللهِ؟ قال: الجنةُ لمن ماتَ ، والظَفَرُ لمن بقي .. فلما لم يستجبْ قاتلهم المسلمونَ في معركةِ القادسيةِ بقيادةِ الصحابي الجليلِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ رضي اللهُ عنه التي دُكت بعدها عروشُ كِسرى ومزقَ اللهُ تعالى ملكَه كما دعا عليه النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم.

وفي شهرِ رمضانَ من العامِ الثاني والتسعينَ للهجرةِ فتحَ المسلمونَ بلادَ الأندلسِ بقيادةِ المظفرِ طارقِ ابنِ زيادٍ رحمه الله واستمرت تحتَ الحكمِ الإسلامي لأكثرِ من ثمانمائةِ عامٍ.

وفي شهرِ رمضانَ من العامِ الرابعِ والتسعينَ للهجرةِ فتحَ المسلمونَ الهندَ والسندَ على يدِ القائدِ محمدِ بنِ القاسمِ الثقفي رحمه الله وكان عمرُه سبعَ عشرةَ سنةٍ.

وفي شهرِ رمضانَ سنةِ 223هـ كان المعتصمُ الخليفةُ العباسي قاعداً في مجلسِ أنسِه والكأسُ في يدِه فبلغه أن امرأةً شريفةً في الأسرِ عند علجٍ من علوجِ الرومِ في عموريةَ، وأنه لطمَها على وجهِها يوماً فصاحت: وامعتصماه، فقالَ لها العلجُ ساخراً: ما يجيءُ إليكِ إلا على أبلقٍ وهو الفرسُ الذي فيه سوادٌ وبياضٌ، فختمَ المعتصمُ الكأسَ وناولَه للساقي وقال: واللَّهِ ما شربتُه إلا بعدَ فكِ الشريفةِ من الأسرِ وقتلِ العلجِ، ثم نادى في العساكرِ المحمديةِ بالرحيلِ إلى غزوِ عموريةَ، وأمرَ العسكرَ أن لا يخرجَ أحدٌ منهم إلا على أبلقٍ، فخرجوا معه في سبعينَ ألفِ أبلق، فلما فتحَ اللَّهُ تعالى له عموريةَ دخلَها وهو يقول: لبيكِ لبيكِ، وطلبَ العلجَ صاحبَ الأسيرةِ الشريفةِ وضربَ عنقَه، وفكَ قيودَ الشريفةِ، وقال للساقي: ائتني بكأسي المختومِ، ففكَ ختمَه وشربَه، وقال: الآنَ طابَ شربُ الشرابِ قالابنُ العمادِ في (كتابِ شذراتِ الذهب) معلقاً على الحادثةِ (فسامحه اللَّه تعالى وجزاه خيراً).

بارك اللهُ لي ولكم في الكتابِ والسنّةِ، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ، فاستغفروه إنه كان غفارًا.




الحمدُ للهِ معزِ المؤمنين .. ومذلِ الكافرين .. والصلاة والسلام على إمامِ المتقين وقدوةِ الناسِ أجمعين وعلى آلِه وصحبِه والتابعين .. أما بعد:

وفي شهرِ رمضانَ لعامِ 1433 للهجرةِ .. فُتحت عاصمةُ الأمويينَ دمشقُ على يدِ الجيشِ الحرِ من أهلِ السنةِ في يومٍ عظيمٍ مشهودٍ (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) .. وأهلكَ اللهُ تعالى عدوَهم النُصيريَ الظالمَ بعد عامٍ وأربعةِ أشهرٍ من سفكِ الدماءِ وقتلِ آلافِ الأبرياءِ من الأطفالِ والشيوخِ والنساءِ وتدميرِ البلادِ وتشريدِ العبادِ (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ *فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).

عبادَ اللهِ ..

إن هذا ليسَ ظناً أو رجماً بالغيبِ .. وإنما وقائعُ ومبشراتٌ .. وآياتٌ بيناتٌ في شهرِ الانتصاراتِ ..

منها:

أن آيةَ الدعاءِ جاءت بين آياتِ الصيامِ .. فعلمنا أن دعوةَ الصائمين في رمضانَ لأخوانِهم في سوريا لها شأنٌ عظيمٌ عند اللهِ تعالى وقد وعدَ بإجابتها (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وإذا اجتمعت معها دعوةُ المظلومين هناك فإن اللَّهَ يَرْفَعُهَا دُون الْغَمَام وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُول بِعِزَّتِي وجلالي لَأَنْصُرَنَّك وَلَوْ بَعْدَ حِين. وإننا واللهِ نرى أثرَ الدعاءِ في أخبارِ هلاكِ أعوانِ الطغاةِ وانتصاراتِ الجيشِ الحرِ.

ومنها:

أن أخواننَا في سوريا قد بلغَ بهِمُ العسرُ مبلغَه .. قصفٌ متواصلٌ .. بيوتٌ مهدمةٌ .. شققٌ محروقةٌ .. لا ماء َ ولا كهرباءَ ولا غذاءَ ولا دواءَ .. فصدقَ فيهم قولهُ تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) ومن سنةِ اللهِ تعالى في الأرضِ نصرُ المُستَضعَفينَ من المؤمنين (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

ومنها:

أنه تبيَّنَ لهم أنه لا ناصرَ لهم إلا اللهُ تعالى (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).. فلا ينفعُهم مجلسُ الأمنِ الدولي .. ولا بعثةُ مراقبي هيئةِ الأممِ المتحدةِ .. حتى أصبحَ شعارَهم (يا اللهُ مالنا غيرُك يا الله) ومن استقرَ في قلبِه أن النصرَ من عند اللهِ وحدَه .. وبإذنه وحدهَ فإن اللهَ عز وجلَ ناصرُه كما نصرَ طالوتَ وجندَه (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)

هذه بعضُ المبشراتِ وغيرُها كثيرٌ .. والأيامُ قادمةٌ (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ).

يارب .. مَنْ يسمعُ النداءَ إلا أنت .. ومن يجيبُ الدعاءَ إلا أنت .. ومن يُفَرِّجُ الهمَ إلا أنت .. ومن يرفعُ الظلمَ إلا أنت .. اللهم نسألك بكلِ ما تُحبُ أن تُسألَ به أن تكشفَ الكربَ عن إخواننِا المُستضعفين في سوريا وفي بورما وفي فلسطين وفي كلِ مكان.. اللهم أبدلْ خوفَهم أمناً .. وأبدل ضعفَهم قوةً .. اللهم عليك بأعداءِ الدينِ فإنهم لا يُعجزونك ياربَ العالمين .. اللهم أنزل بهم بأسَك وبطشَك ورجزَك وعقابَك وأليمَ عذابِك .. اللهم لا ترفـع لهم رايـةً .. واجعلهـم لمن خلفَهـم آية.


[font="]
[/font]
المشاهدات 3541 | التعليقات 4

بارك الله في مجهودكم يا شيخ
ونسأل الله ينصر إخواننا في الشام في هذا الشهر الكريم


جزاك الله خيرا
نسأل الله ذلك ولكن القتال لا زال دائرا والعدو الخبيث يملك الأسلحة الثقيلة والطائرات نسأل الله أن يشتت شمله ويهزمه ويزلزل الأرض من تحت أقدامه


جزاك الله خير


خطبة جميلة سأجعلها أصلاً لخطبتي

بورك قلمك ونفع الله بك