﴿فانكحوا ما طاب لكم من النِّساء﴾+ الإحصاء السكاني

د عبدالعزيز التويجري
1443/10/11 - 2022/05/12 17:35PM

الخطبة الأولى: ﴿فَانكِحوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾ ١٤٤٣/١٠/١٢ هـ

الحمدلله الولي الحميد يفعل مايشاء ويحكم مايريد ، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش المجيد وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين .. أما بعد:

تزوج النبي ﷺ بأكثر من امرأة، و قال:" إنّي أتزوَّجُ النِّساءَ فمَن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منِّي".
و قال ربنا تبارك و تعالى في ذلك: ﴿فَانكِحوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثُلاثَ وَرُباعَ﴾ [النساء: ٣]
الأمّةُ كلّما كثُرت حصل لها من العزّة و الهيّبة ما لا يحصلُ لها في حال القلّة، و لهذا امتنَّ الله على بني اسرائيل في قوله: ﴿وَجَعَلناكُم أَكثَرَ نَفيرًا﴾ [الإسراء: ٦]، و ذكّر شعيبُ قومهُ بذلك: ﴿وَاذكُروا إِذ كُنتُم قَليلًا فَكَثَّرَكُم﴾ [الأعراف: ٨٦]، و بتعدد الزوجات يكثُرُ نسلُ أمّة محمد ﷺ، روى أبو داوود في سننه من حديث معقل ابن يسار -رضي الله عنه- ،قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فقالَ : إنِّي أصَبتُ امرأةً ذاتَ حسبٍ وجمالٍ ، وإنَّها لا تلِدُ ، أفأتزوَّجُها ، قالَ : لا ثمَّ أتاهُ الثَّانيةَ فنَهاهُ ، ثمَّ أتاهُ الثَّالثةَ ، فقالَ : "تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ".
و في صحيح البخاري قال ابن عباس -رضي الله عنه- لسعيد بن جبير: تَزَوَّجْ؛ فإنَّ خَيْرَ هذِه الأُمَّةِ أكْثَرُهَا نِسَاءً.
و في الصحيحين أنّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لقي ابن مسعود بمنى، فقال له: ألا نزوجك جارية (شابّة) لعلّها تذكرك ببعضِ ما مضى من زمانك. قال الإمام النووي: فيه استحباب عرضِ الصحابِ هذا على صاحبه، الذي ليس له زوجةٌ على هذهِ الصفة، إذا كان صالحًا لها.

و عرضَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ابنته على أبي بكر ثمّ عرضها على عثمان، حتى تزوجها النبي ﷺ.
و في سنن الترمذي و مسند الإمام أحمد: أنّ غيلان بن سلمة الثقفي أسلم و تحته عشرة نسوة، فقال له النبي ﷺ:"اختَرْ مِنهُنَّ أربعًا وفارِقْ سائِرَهُنَّ".

و ما شرعَ الله تعدد الزوجات، و سنّها رسول الله ﷺ و عمل بها صحابته؛ إلا لحكمٍ نبيلة و مقاصد عظيمة و مصالحَ لكلا الطرفين، -علمه من علمه و جهله من جهله- و سارَ النّاسُ على هذا حتى سُوّدت صفحته، و غُبِّشَ على هذا التشريع الإلهي و أصبحت بعضُ البيوتِ ترضى بالعُنوسة، و تحرمُ المرأةُ نفسها الذريّة و السكن من أجل أن لا تكون أخرى، فهو لصالح المرأة أولًا قبل أن يكون لصالح الرجل.

و مع انفتاح الشهوات على الناس، و كثرة المغريات فالأمرُ آكد و الحاجةُ أشد. لابدَّ أن تحصن البيوتُ بالزواج، و ألا يدعَ الشابُّ طريقَ الزواج، أو تتأخر عنه الفتاة بِحُجّة الحصول على شهادة أو وظيفة!

و لقد زوج النبي ﷺ من لا يملِكُ دينارًا و لا دِرهمًا، و بوب عليه البخاري في صحيحه فقال: باب تزويج المعسر.

و زوج عليه الصلاة و السلام ابنته سيّدة نساء الجنّة بعلي بن أبي طالب على درعه الخطيمة.
أترونَ هذا زهدًا بابنته؟ أو تحطيمًا لمستقبلها؟ كلا و ربي، بل هذا نظرة العظماء الكبار العقلاء، ممن يرون الزواج مشروعَ حياة، و بناءَ مستقبل يصنع من خلالها الأجيال و الأمّة.

و خلفهم أُناسٌ يرونه مباهاةٌ أسريّة، و مُفاخرةٌ اجتماعية، و أصبح في ظلِّ هذه الآصار التي فرضها الناسُ على أنفسِهم طريقُ الحرام أيسرُ من الإعفاف بالحلال.

لا نتجاهل انفتاح و سائل التواصل بتسهيل الحرام و تأجيج الشهوات، و ضعف الرقابة، فيا ليت العقلاء يدركون أنّ تعقيدِ أمر الزواج، و كثرةِ اشتراطاتهِ -لكلا الجنسين- عملٌ غير صالح، و نذيرُ شؤمٍ يهددُ المجتمع، و أنّ العنوسة و تأخر سنّة الزواج و العزوف عنه إذا استفحل فإنّهُ نذيرُ فواحش، و العلاقات الغير مشروعة بينَ عناصر المجتمع.

زوج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ابنه عبدالله في الثامنة عشر من عمره.
و تزوج أسامة بن زيد في السادسة عشر من عمره. و تزوج جابر بن عبدالله قريبًا من ذلك.
هذا في زمنٍ لا تُرى فيه النساء في الشاشات، و لا المتبرجاتُ في الطرقات.
"إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فسادٌ كبير" أخرجه ابن ماجة و الترمذي.

و القصدَ القصدَ تبلُغوا، أولم النبي ﷺ على بعضِ نسائه بمدين من شعير. أخرجه البخاري.

و أعلى وليمة أقامها النبي ﷺ في زواجاته يوم زواجه بزينب، قال أنس -رضي الله عنه-: ما أولم النبي ﷺ على شيءٍ ما أولم على زينب، أولم بشاة فأوسع المسلمينَ خبزًا و لحما. متفقٌ عليه.

أترونَ ذلك بُخلًا أو تقتيرًا؟ كلا و ربي، و هو الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر،. ولكنّه يربي الأمّة بعمله، و يصنعَ البيوتَ بالفضائل لا المفاخر.

تبني الفضائل أبراجًا مـشـيـدةً . . نـصـبٌ الخيـام الـتـي أروع الـخيـم
إذا ملوك الورى صفوا موائدهم *** على شهي من الأكلات والأدم
صففت مائدة للروح مطعمها *** عذب من الوحي أو عذب من الكلم

أستغفر الله لي و لكم و للمسلمين و المسلمات، فاستغفره إنّ ربي غفورٌ رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:


الحمدلله ربِّ العالمين، و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين، و صلى الله وسلم على عبده و رسوله و التابعين.. أما بعد:

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي ﷺ فقال: أَحصوا لي كلَّ مَن تلفَّظَ بالإسلامِ فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ أتخافُ علَينا ونحنُ ما بينَ السِّتِّمائةِ إلى السَّبعِمائةِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ: "إنَّكم لا تَدرونَ لعلَّكم أن تُبتَلَوا قالَ فابتُلينا حتَّى جعلَ الرَّجلُ منَّا ما يصلِّي إلَّا سرًّا". علّق عليه الإمام الألباني -رحمه الله- في مختصر المنذريّ فقال: هذا الحديث أصلٌ لما يُعرف اليوم بقيد النفوس و احصاء السكان.

اللهم طهر قلوبنا و حصن نفوسنا و جنبنا و ذرياتنا و أزواجنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن..

المرفقات

1652376898_(فانكحوا ما طاب لكم من النساء).pdf

1652376902_(فانكحوا ما طاب لكم من النساء).docx

المشاهدات 1065 | التعليقات 0