فاكهة المجالس

هلال الهاجري
1438/08/07 - 2017/05/03 11:15AM
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) .. أَمَّا بَعْدُ:

أيُّها العبدُ المُباركُ ..

تخيَّلْ أنكَ قد دُعيتَ إلى وجبةِ عشاءٍ عند أحدِ الأصدقاءِ أو الجيرانِ .. فتحدَّثَ الحاضرونَ طويلاً في مواضيعَ كثيرةٍ .. تكلموا عن جارِهم وما يتحلَّى به من سوءِ الصِّفاتِ الخَلْقية والخُلُقيةِ .. وذكروا المسئولَ الفُلانيَّ وما يمتازِ به من السُّلوكياتِ السَّلبيةِ .. وعابوا على أحدِ جماعةِ المسجدِ ما فيه من سِرعةِ العصبيةِ .. ولم ينسوا صديقَاً لهم قديمٌ وتصرفاتُه الغبيةُ .. وفي غمرةِ حديثِهم الماتعِ، دعاهم صاحبُ البيتِ إلى القيامِ إلى الطَّعامِ.

ولكن .. عندما دخلَ الضُّيوفُ إلى مكانِ العَشاءِ، وجلسوا على الصُّحونِ، رأيتَ شيئاً غريباً!.

رأيتَ الصَّحنَ الأولَ وقد وُضعَ عليه الجارُ مشوياً، والصحنُ الثَّاني قد وُضعَ عليه المسئولُ مقلياً، والثَّالثُ عليه صاحبُ المسجدِ محشياً، والرَّابعُ عليه الصَّديقُ القديمُ مسلوقاً .. والعجيبُ أن الحضورَ يأكلونَ من لحومِ أجسادِ إخوانِهم ويتلذَّذونَ ويستمعتونَ وكأنَّ الأمرَ طبيعيٌّ لا حرامَ فيه ولا حرجَ .. فما هو موقفُكَ من هذه الوليمةِ؟.

ما العجبُ أيُّها الأحبةُ في هذا الموقفِ؟ .. واللهُ سبحانَه وتعالى يقولُ في كتابِه: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)، فما الفرقُ بينَ ما كانوا يفعلونَه في المجلسِ وما يفعلونَه في غرفةِ الطَّعامِ؟ .. أليسَ ما حدثَ في المجلسينِ، هو أكلٌّ للحمِ الأخوانِ، ومعصيةِ العزيزِ الرَّحمنِ؟.

ولو قالَ قائلٌ: نحنُ لم نتحدَّثُ إلا بالواقعِ .. وكلُّ ما ذكرناه في هؤلاءِ فهو حقيقةٌ بشهادةِ الجميعِ .. فنقولُ: هذهِ واللهِ الغِيبةُ بعَيْنِها .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟)، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ)، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟، قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ) فالغيبةُ هو ذِكرُكَ لما في أخيكَ من الصِّفاتِ والأفعالِ والألقابِ مما يكرهُه في غيابِه .. وأما إن لم يكن فيه ما ذكرتَ، (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ)، والبُهتانُ: أشدُّ الكذبِ .. وهذا أكبرُ وأعظمُ.

تقولُ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا -وأشارت يَعْنِي قَصِيرَةً-، فاسمع ماذا قالَ عن هذه الإشارةِ التي قالتْها بسببِ الغَيرةِ بين الضرائرِ .. فَقَالَ: (لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) .. فلا إلهَ الإ اللهُ .. كلمةٌ لو خُلِطتْ بماءِ البحرِ لغيَّرتْ طعمَه ولونَه وريحَه .. فماذا عسى أن يُقالَ فيما هو أعظمُ من ذلكَ من السُّخريةِ والهمزِ .. ومن العيبِ واللَّمزِ .. ومن الطَّعنِ بالأحسابِ والتنابزِ بالألقابِ.

لماذا أصبحتْ كثيرٌ من مجالسِنا مجازرَ تُنحرُ فيه رقابُ المسلمينَ، وتُسلخُ جلودُهم، وتُقطَّعُ لحومُهم؟.

لماذا أصبحتْ الغيبةُ فاكهةُ المجالسِ، وحديثُ المُؤانسِ؟ .. فأينَ الرحمةُ والإحسانُ بينَ الأحبةِ والإخوانِ؟.

اسمع أيُّها المسلمُ إلى وصيةِ حبيبِك ونبيِّكَ صلى اللهُ عليه وسلمَ في أعظمِ مقامٍ، في البلدِ الحرامِ، في اليومِ الحرامِ، في الشَّهرِ الحرامِ، أمامَ أكثرِ من مائةِ ألفٍ من أتباعِ الإسلامِ .. قالَ في خطبتِه يومَ النَّحرِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟)، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟)، قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: (فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟)، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَال:َ (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا)، فَأَعَادَهَا مِرَارً،ا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟).

وقالَ في ذلكَ الموقفِ وهو بينَ المؤمنين .. بالقربِ من بيتِ اللهِ في البلدِ الأمينِ .. وهو يُرسِّخُ قواعدَ المحبةِ والإخاءِ بينَ المسلمينَ .. عنْ فُضالةَ بنِ عبيدٍ رضيَ اللهُ عنهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟، مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ) .. فكيفَ يكملُ إيمانُ من لا يأمنَه النَّاسُ على أعراضِهم؟ .. وكيفَ يستقيمُ إسلامُ من لا يسلمُ المسلمونَ من لسانِه؟.

قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ الوَاسِطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (ذَكَرْتُ رَجُلًا بِسُوءٍ عِنْدَ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَنَظَرَ فِي وَجْهِي، وَقَالَ أَغَزَوْتَ الرُّومَ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَالسِّنْدَ وَالهِنْدَ وَالتُّرْكَ؟، قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَفَتَسْلَمُ مِنْكَ الرُّومُ وَالسِّنْدُ وَالهِنْدُ وَالتُّرْك،ُ وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْكَ أَخُوكَ المُسْلِمُ؟، قَالَ: فَلَمْ أَعُدْ بَعْدَهَا).

أيها المؤمنُ احفظْ عورتَك .. بحفظِ عوراتِ المسلمينَ .. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، وَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُم، وَلَا تَطْلُبوا عَثَرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِ؛ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَطْلُبِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ؛ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ).

يقولُ الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ رحمَه اللهُ: أدركتُ بهذه البلدةِ -يعني المدينةِ- أقوامًا لم تكنْ لهم عيوبٌ، فعابوا النَّاسَ؛ فصارتْ لهم عيوبٌ .. وأدركتُ بها أقوامًا لهم عيوبٌ، فسكتوا عن عيوبِ النَّاسِ؛ فنُسيَتْ عيوبُهم.

إِذَا مَا ذَكَرْتَ النَّاسَ فَاتْرُكْ عُيُوبَهُم *** فَلاَ عَيْبَ إِلاَّ دُوُنَ مَا مِنَكَ يُذْكَرُ
فَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي فِيْكَ مِثْلُهُ *** فَكَيْفَ يَعِيْبُ العَوْرَ مَنْ هُوْ أَعْوَرُ
وَإِنْ عِبْتَ قَوْمًا بِالَّذِي هُوَ فِيْهِمُ *** فَذَلِكَ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ مُنْكَرُ

يقولُ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازيُّ رحمَه اللهُ: ليَكُنْ حَظُّ الْمُؤمِنِ مِنْكَ ثَلَاثةٌ: إِنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ تُفْرِحْهُ فَلَا تَغُمَّه، وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ .. ولذلكَ إذا فَشَتْ الغيبةُ في المجتمعِ فلا تَسلْ عن الخلافِ والشِّقاقِ، وعن صداقةِ النِّفاقِ .. قالَ الفُضيلُ بنُ عِياضٍ رحمَه اللهُ: إذا ظَهرتْ الغِيبةُ، ارتفعتِ الأُخوةُ في اللهِ، إنما مَثَلُكم في ذلك الزمانِ مَثَلُ شيءٍ مَطليٍّ بالذهبِ والفضةِ داخلُه خَشبٌ وخارجُه حَسنٌ.

فيا أيُّها الباحثُ عن رحمةِ العزيزِ الغفَّارِ .. ويريدُ الطَّريقَ الواضحَ إلى دارِ القرارِ .. عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أضمنْ لَهُ الجنَّةَ).

واسمعْ إلى عذابِ المغتابينَ في القبورِ .. ودماءُهم تنزفُ على وجوهِهم والصَّدورِ .. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا عُرِجَ بِي، مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟، قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ).

وأنتمْ يا من تستمعونَ إلى الغيبةِ .. أينَ دورَكم في الذَّبِ عن عِرضِ الإخوانِ .. ألا تُريدونَ العِتقَ من النِّيرانِ؟ .. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ فِي الْغِيبَةِ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ).
وَسَمْعَكَ صُنْ عَنْ سَمَاعِ الْقَبِيحِ *** كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِ بِهْ
فَإِنَّكَ عِنْدَ سَمَاعِ الْقَبِيحِ *** شَرِيكٌ لِقَائِلِهِ فَانْتَبِهْ

فيا صاحبَ المجلسِ .. ويا رئيسَ القومِ .. ويا كبيرَ العائلةِ .. قولوا للمغتابِ اسكتْ .. وقولوا للهمَّازِ اصمتْ .. واحفظوا مجالسَكم من لحومِ المسلمينَ .. واملأوها بذكرِ ربِّ العالمينَ .. وصلُّوا فيها على خيرِ المرسلينَ .. تكن بركةً وخيراً على المجتمعِ والبلادِ والنَّاس أجمعينَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِي وَاِيِّاكُمْ بِمَا فِيْهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، أقُوْلُ قَوْلِي هَذا وَأسْتَغْفِرُوا اللهَ الْعَظِيْمَ لَيْ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا .. أما بعد:

فلو سُئلَ سؤالٌ: من هو المُفلسُ؟ .. فماذا سيكونُ الجوابُ .. عنْ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟)، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ، فَقَالَ: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَ،ا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) .. فلا إلهَ إلا اللهُ .. حسناتٌ يجمعُها طِوالَ السِّنينَ .. تذهبُ في لمحةِ العينينِ.

ولذلكَ قالَ رجلٌ للحسنِ البصريِّ رحمَه اللهُ: إن فلاناً قد اغتابَك، فبعثَ إليه رُطَباً على طَبقٍ، وقالَ: قد بلغني أنكَ أهديتَ إليَّ من حسناتِك، فأردتُ أن أكافئك عليها، فاعذرني فإني لا أقدرُ أن أكافئك على التَّمامِ.
يُشَارِكُكَ الْمُغْتَابُ فِي حَسَنَاتِهِ *** وَيُعْطِيكَ أَجْرَيْ صَوْمِهِ وَصَلاَتِهِ
فَكَافِئْهُ بِالْحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَازِهِ *** بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
فَيَا أَيُّهَا الْمُغَتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِي *** ثَوَابُ صَلاَةٍ أَوْ زَكَاةٍ فَهَاتِهِ

فيا من اغتابَ أحداً، تحلَّلْ منه اليومَ قبلَ أن تذهبَ حسناتُكَ .. قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)، فإذا عِلمَ أنه قد يغضبُ منه وقد تقعْ بينهم خصومةٌ وقطيعةٌ، فليمدحه في المجالسِ التي اغتابَه فيها، وليُكثرْ له من الاستغفارِ، لعله يعفو عنه يومَ لا درهمَ ولا دينارَ.

فالعاقلُ لا يُعطي النَّاسَ حسناتِه، وهي أعظمُ ما يملكُ يومَ القيامةِ، وإن كنتَ تُريدُ أن تهدي حسانتِكَ لأحدٍ، فاجعلْها لأحبابِك، يقولُ ابنُ المباركِ رحمَه اللّهُ: لو كنتُ مُغتاباً أحداً لاغتبتُ والديَّ، لأنهما أحقُّ بحسناتي.

اللَّهُمَّ أصــْلِحْ لنَا دِيْنَنَا الَّذِي هُوَ عِــصْمَةُ أمْرِنَا، وأصْلِحْ لنَا دُنْيَانَا التي فِيْهَا مَعَاشُنَا، وأصْلِحْ لنَا آخِرَتَنَا التي إلَيْهَا معَادُنَا، واجْعَلِ الحيَـاةَ زِيادَةً لنا في كُلِّ خَيْرٍ، والموْتَ راحَةً لنَا منْ كُلِّ شَرِّ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا خَطأَنَا وعَمْدنَا، وهَــزْلَنا وجِدَّنَا، وكُلَّ ذلِك عِنْدَنَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنَا ما قَدَّمْنَا وما أخَّرْنَا وما أسْرَرْنَا وما أعْلَنَّا، وما أنْتَ أعْلَمُ بهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُك خَشْيَتكَ في الغَيْبِ والشَّهَادَةِ، وكلِمَةَ الحقِّ في الرِّضَا والغَضَبِ، والقَصْدَ في الفَقْرِ والغِنَى ،و نَسْألُك نَعِيْماً لا يَنْفَدُ و قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُك إيْمَانًا دَائِمًا، وقَلْبًا خَاشِعًا، وعِلْمًا نَافِعا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا، ودِيْنًا قَيِّمًا، ونَسْألُكَ العَافِية، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أوطَانِنا، وأَصلِحْ أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورِنا، واجْعلْ ولايتَنا فِيمنْ خَافَكَ واتَّقاكَ واتَّبعَ رِضاكَ يا ربَّ العَالمينَ، اللَّهُمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وتَرضَاهُ من الأقوَالِ والأعمَالِ يا حَيُ يا قَيومُ، اللَّهُمَّ أصلِحْ لَهُ بِطانتَهُ يَا ذَا الجَلالِ والإكرَامِ.
المرفقات

فاكهة المجالس.docx

فاكهة المجالس.docx

المشاهدات 2482 | التعليقات 0